الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف أنتجت شهور الاحتجاج في إيران نظاماً أكثر تشدداً؟

كيوبوست- ترجمات

في هذا التحليل يحاول فالي نصر، أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكن، تقديم صورة تفصيلية للأوضاع في إيران؛ في ظل استمرار الاحتجاجات للشهر الخامس، والتي تطالب بالإصلاحات السياسية والحريات الفردية، وإن كانت قد امتدت إلى المطالبة بإعادة النظر في شكل نظام الجمهورية الإسلامية ذاته. وعلى الرغم من كونها الاحتجاجات الأكبر ضد الحكومة الإيرانية منذ عام 1979؛ فإن النظام ما زال محتفظاً بزمام الأمور اعتماداً على القمع الأمني من جانب واستغلاله غياب القيادة والتنسيق بين المتظاهرين من جانب آخر.

وتبدو الصورة الحالية، وفقاً لنصر، كالتالي: تصاعد في الغضب الشعبي مدفوعاً بظروف اقتصادية سيئة تجعل المزيد من الاضطرابات أمراً لا مفر منه، وتنامٍ في أعداد المؤيدين للاحتجاجات؛ ومنهم مسؤولون حكوميون وقادة جيش كبار سابقون. كما ندد عدد من أنصار النظام؛ بمن فيهم الرئيسان السابقان، محمد خاتمي وحسن روحاني، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، برد فعل الحكومة القاسي في التعامل مع الاحتجاجات.

اقرأ أيضاً: في ذكرى انتفاضة نوفمبر.. شباب إيران مستعد لإسقاط النظام

لكن الأزمة، وفقاً للتحليل الذي بين يدينا، تتمثل في أن الاحتجاجات أنتجت رفع النظام ممارسات التشدد والقمع وإحكام قبضته للدرجة القصوى، وبات أكثر عدوانية من أي وقت مضى، مع غياب أي دليل على أن المرشد الأعلى علي خامنئي، يستمع إلى أي من الأصوات المعارضة لسياساته. ويعني ذلك مزيداً من الدعم لاتجاهات الرقابة المشددة على المجالات الاجتماعية والسياسية في الداخل، وتفضيل السياسات الإقليمية العدوانية وزيادة التعاون مع روسيا في الخارج.

كيف نظر خامنئي إلى الاحتجاجات وتعامل معها؟

في كل خطاب، منذ بدء المظاهرات، اعتبر خامنئي أن الاحتجاجات مؤامرة أمريكية، وجدت مَن يدعمها لإضعاف إيران وإسقاط الجمهورية الإسلامية. ومن ثم يبدو أن خامنئي قد تبنى -وفقاً لنصر- قراراً بحشد كل موارد الدولة للرد على هذه الاحتجاجات، معتمداً على مشورة المتشددين داخل الحرس الثوري الإيراني ووكالات الاستخبارات والبرلمان. لذلك ألقى مسؤولون أمنيون باللوم على المحطات التليفزيونية الفضائية وحملات وسائل التواصل الاجتماعي الصادرة من أوروبا؛ والتي تعمل على إذكاء الاضطرابات في إيران وتعبئة الرأي العام ضد الجمهورية الإسلامية. وبدا خامنئي مُصراً على الحفاظ على النظام الذي حكمه لأكثر من ثلاثة عقود، معتبراً أن من شأن التسوية مع المعارضين في هذه المرحلة أن تلطخ إرثه وقد تؤدي إلى نتائج عكسية، فلجأ إلى العنف والقمع. ومنذ سبتمبر، قُتل مئات المتظاهرين وسجن الآلاف، واستخدمت الدولة أنظمة مراقبة متطورة للإنترنت، ونشرت تهديدات لعائلات المتظاهرين وأصحاب العمل والشركات لقمع الاضطرابات.

متظاهرات في طهران يطالبن بالحرية- وكالات

تداعيات خارجية

أدت الاحتجاجات إلى إضعاف آفاق استعادة الاتفاق النووي لعام 2015؛ فمنذ اندلاع التظاهرات في سبتمبر 2022 شعر الغرب بالإحباط من السلوك الإيراني الأكثر تشدداً من جانب، ومن مخالفات طهران النووية من جانب آخر؛ حيث أعلن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤخراً، أن إيران جمعت ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لـ”عدة أسلحة نووية”.

أحد التداعيات لعزلة إيران الدولية تمثلت في الاقتراب من روسيا بصورة أقوى. فلطالما اعتبر خامنئي والحرس الثوري الإيراني الكرملين حليفاً حيوياً، ويتشاطر خامنئي وبوتين النظرة ذاتها للغرب، وقد سلطت الحرب الروسية في أوكرانيا الضوء على ضغينة طهران وموسكو المشتركة للولايات المتحدة. وتجاهل خامنئي الانتقادات من داخل النخبة الحاكمة للموافقة على تزويد موسكو بطائرات مسيرة متطورة، استخدمها الجيش الروسي في أوكرانيا، وبذلك ضمنت طهران الدعم الروسي ما دام الكرملين يحتاج إلى أسلحة إيرانية.

اقرأ أيضاً: احتجاجات إيران.. بركان خامد يعاود الانفجار

أدى قرار إيران تزويد روسيا بطائرات دون طيار إلى تعميق الغضب الغربي تجاهها؛ ما دفع طهران بدورها إلى الاقتراب أكثر من موسكو، وفي ظل هذا الوضع من الدائرة المفرغة سوف يميل الحال لصالح المتشددين وتفضيلهم توثيق العلاقات بين إيران وروسيا والانفصال عن الغرب. وكلما زادت حاجة روسيا إلى الأسلحة الإيرانية، زاد احتمال أن ينتهك بوتين العقوبات الغربية ويزود طهران بالمعدات والتكنولوجيا العسكرية الحيوية؛ بما في ذلك الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.

هل من بارقة أمل؟

يأمل بعض المسؤولين والمحللين الغربيين، وفقاً لنصر، في أن يؤدي استيلاء المتشددين في إيران على السلطة إلى تسريع الاحتجاجات، ويؤدي في النهاية إلى تغيير النظام. لكن الأمل يبدو ضعيفاً، فرغم اعتماد الولايات المتحدة والدول الأوروبية على العقوبات والتهديد بالحرب لردع سلوك إيران العدواني؛ فإن النتائج لم ترق للتوقعات. لذلك يجب على واشنطن وحلفائها وضع استراتيجية تشمل التهديدات والعقوبات من جانب، مع إطلاق مبادرة دبلوماسية أوسع نطاقاً تتجاوز المحادثات النووية المتوقفة لتشمل أوكرانيا والقضايا الإقليمية. خلاف ذلك، سيستمر المتشددون في إيران في دفع البلاد في اتجاه أكثر خطورة من أي وقت مضى.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة