الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
كيف أسهم المغرب في مكافحة التطرف في إفريقيا؟

كيوبوست – حسن الأشرف
أفاد سيزار فيلاسكيز، المسؤول في مكتب برنامج مكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، التابع لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب الموجود في العاصمة المغربية الرباط، ضمن ورقة تحليلية نشرها معهد الاقتصاد والسلام، بعنوان: “لماذا يعد تطور مكافحة الإرهاب في المغرب أمراً مهماً بالنسبة إلى إفريقيا؟”، أن الهجمات الإرهابية التي ضربت مدينة الدار البيضاء المغربية في 16 مايو 2003، شكلت تحولاً عميقاً في استراتيجية المملكة لمكافحة الإرهاب؛ حيث عمدت إلى تعزيز سياستها المناهضة للإرهاب لمواجهة تكتيكات الجماعات المتطرفة.
ووَفق الورقة التحليلية ذاتها، فإنه عقب أحداث الدار البيضاء الدموية، واجه المُشَرعون وصُناع سياسات الأمن القومي العديد من التحديات؛ بما في ذلك تعزيز الأمن لحماية الأهداف المعرضة للخطر، ومعالجة الظروف المواتية للإرهاب والتطرف العنيف، كما أن مكافحة الرباط للإرهاب أسهمت في تطوير وتعزيز قانون الإنفاذ على مستوى القارة الإفريقية.
اقرأ أيضاً: 84 دولة تتوعد من المغرب بتفكيك شبكات تنظيم “داعش” الإرهابي
ذكرى الهجمات الإرهابية
وعادت دراسة معهد الاقتصاد والسلام إلى يوم الهجمات الإرهابية بالدار البيضاء؛ عندما عمد شباب محسوبون على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلى تفجير مواقع وسط المدينة التي تعتبر شريان المملكة اقتصادياً، ومنها فندق فرح، ومطعم يهودي ومقبرة يهودية، ومواقع أخرى كانت تدل على أن الإرهابيين كانوا يرغبون في تقويض التسامح الذي عُرف به المغرب حيال غير المسلمين داخل المجتمع.
الورقة التحليلية اعتبرت أن تلك الهجمات الإرهابية، رغم أنها ليست ضخمة ولا معقدة مثل ما حصل في عمليات إرهابية دولية، تركت علامة لا تُمحى من نفسية البلاد، وكانت تلك الهجمات بمثابة نهاية للاعتقاد الذي كان سائداً، مفاده أن المغرب محصن ضد العمليات الإرهابية، بفضل تراثه السُّني وانفتاحه الديني.

وعاد المصدر إلى اللحظات التي سبقت هجمات الدار البيضاء، عندما استعد الإرهابيون لما سيقترفونه من جرائم من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو التي تستحضر ذكريات الحياة الآخرة المنتظرة، والوعد باللقاء في نعيم الجنة.
وتبعاً للورقة البحثية، أطلقت هجمات الدار البيضاء موجة جديدة من الإرهاب المحلي المستوحى دولياً؛ مثل هجمات 2011 في مراكش، وكذلك 2018 في منطقة إمليل عندما أقدم 3 متطرفين على ذبح سائحتَين أجنبيتَين؛ وهي أحداث دفعت الحكومة المغربية إلى تعزيز سياسات مكافحة الإرهاب للتصدي للإرهاب متغير التكتيكات.
اقرأ أيضاً: الهامش.. وصناعة التطرف في المغرب
وبعد أسبوعَين من هجمات 2003 بالدار البيضاء، أصدر المغرب القانون رقم 03.03، ليكون الأول في سلسلة من الإصلاحات التشريعية؛ بهدف تعزيز الإطار القانوني المغربي لمكافحة الإرهاب، والذي وسع تعريف الإرهاب ليشمل التحريض أيضاً، مع سن عقوبة سجنية لا تقل عن 10 سنوات.
وتضيف الورقة البحثية أنه على مستوى الحكومة كشفت تلك الهجمات الحاجة إلى توفير الأمن للفئات الهشة التي تكون أهدافاً سهلة للإرهابيين، ومراقبة أكبر للمشتبه بهم، كما كانت هناك الحاجة إلى تدريبات وتجهيزات أفضل لقوات الإنفاذ والأمن.

مقاربات شاملة
وتوقف المصدر عند شروع المغرب في السياسة الأمنية والوقائية والاستباقية من خلال نهج استراتيجية ثلاثية الأبعاد لمكافحة الإرهاب، وتتمثل في المقاربة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية؛ وهي المقاربات التي أثبتت فعاليتها في منع واستباق الضربات الإرهابية.
وشدد سيزار فيلاسكيز على أنه لا يمكن لأي بلد أن يهزم الإرهاب بالاعتقالات فقط، وبالتالي فإن إجراءات إنفاذ القانون المغربية حققت بلا شك هدف إضعاف خلايا وجماعات إرهابية في البلاد، كما أسهمت في الحد من “جاذبية التطرف العنيف”، كما أن المملكة أعادت تنظيم المجال الديني لمواجهة التطرف الديني، واعتمدت استراتيجية أمنية محدثة تشريعية وتنظيمية، مع تعزيز أجهزة الدولة المسؤولة عن الأمن والتنمية البشرية.
اقرأ أيضاً: المغرب والإرهاب في الساحل الإفريقي.. مخاطر وأدوار أمنية واستراتيجية
وسجلت الورقة البحثة ذاتها أن المملكة صارت أكثر إشعاعاً في أنشطة مكافحة الإرهاب متعددة الأطراف؛ مثل الانضمام إلى التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة “داعش”، والمشاركة أيضاً كرئيس مشارك للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وتشكيل مجموعة من أصدقاء مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة.
ولفت المصدر إلى أن المغرب عمد إلى تعزيز التعاون الدولي باعتباره شرطاً لا مناص منه في محاربة الإرهاب؛ حيث تحالف بشكل وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد، ومن ذلك التداريب العسكرية المشاركة المعروفة باسم “الأسد الإفريقي”، علاوةً على تبادل الرباط معلومات استخباراتية مهمة لإلقاء القبض على الإرهابيين أو إحباط الهجمات في فرنسا وبلجيكا والهند وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبوركينا فاسو وسريلانكا.

ومن أحدث الأدلة على هذا التعاون الاستخباراتي بين المغرب والدول الأوروبية في مجال المعلومات التي تطيح بإرهابيين، ما حصل مؤخراً عندما اعتقلت السلطات الإسبانية مقاتلَين إرهابيَّين عائدَين من سوريا، يحملان الجنسية المغربية وينتميان إلى جماعات إرهابية، بفضل معلومات مؤكدة من جهاز الاستخبارات المغربية.
دور المغرب في مكافحة الإرهاب بإفريقيا
وتوقفت الورقة البحثية عند دور المغرب الحيوي في ضمان وتعزيز السلام في قارة إفريقيا، باعتبار أن القارة السمراء تواجه تغييراً جذرياً في نطاق ووتيرة وقرب التهديد الإرهابي؛ حيث إن الأرقام تشير إلى أن إفريقيا وحدها تشهد نسبة 41 في المئة من جميع الهجمات المرتبطة بـ”داعش” على مستوى العالم.
اقرأ أيضاً: على ماذا تقوم الاستراتيجية المغربية لمحاربة التطرف والإرهاب؟
ولفت المصدر ذاته إلى أن هناك اتفاقاً بين الأكاديميين وصانعي السياسات بأنه على مدى عقود، لم تنجح الجهود المدعومة من الغرب في إضعاف انتشار الإرهاب في إفريقيا، سواء أكان هذا الإرهاب ممارساً من طرف تنظيم “القاعدة” أم تنظيم “الدولة الإسلامية” أم الجماعات الإرهابية المحلية.
ووَفق البحث نفسه، تركز الجماعات المتطرفة العنيفة في الغالب على “محلية الأهداف” من خلال جماعات متطرفة محلية في دول إفريقية، ولها ارتباطات قوية وثيقة بالشبكة العالمية للجماعات الإرهابية؛ مثل “القاعدة” والدولة الإسلامية “داعش”، حيث إن التضاريس الإرهابية في هذه القارة صارت أكثر ازدحاماً مما كان عليه الأمر قبل أربعة عقود، بدليل سقوط أكثر من 12500 ضحية لعنف الإرهاب في سنة 2020 فقط.

وتبعاً للورقة، فإن عدم الاستقرار في منطقة غرب إفريقيا والساحل يعقِّد الجهود المبذولة لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في هذه البلدان، مشيرةً في سياق آخر إلى أن سقوط أفغانستان في يد حركة “طالبان” من شأنه إنعاش الجماعات الإرهابية الجهادية العالمية التي قد تجدها فرصة لإعادة ترتيب الأوراق.
وكان المغرب شهد في 24 يونيو 2021 افتتاح مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، الأول من نوعه في القارة السمراء؛ وهو المكتب الذي تعتبره الرباط ناجحاً في تكوين أُطر وكوادر إفريقية في مجال مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تفعيل جملة من الإجراءات والمشروعات المشتركة التي أبانت عن فعاليتها وأعطت نتائج ملموسة.
“ويعتزم المغرب إلى جانب مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب العمل على بناء القدرات والكفاءات التي توفر نقطة انطلاق البلدان الإفريقية لبناء الإنسان أكثر استدامة بشكل يتوافق مع الحقوق، وتأثير ردود إنفاذ القانون على التهديدات الإرهابية المتنامية في القارة السمراء”، وَفق الورقة البحثية.