الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
كيف أسهم إخوان السودان في تأسيس دولة الميليشيات؟
خلال ثلاثة عقود من حكم الجماعة تناسلت الميليشيات الموازية وتكاثرت الحركات المتمردة فأصبح السودان ميداناً لحروب عبثية

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
بدأت حركة التمرد الثوري ضد السلطة المركزية في الخرطوم مُبكراً عام 1955، قبيل إعلان استقلال السودان بأشهر معدودات، من خلال حركة (أنانيا) الانفصالية، وأثمرت الحرب منذ ذلك الحين عن توقيع اتفاقية سلام أديس أبابا مارس 1972 مع نظام جعفر النميري، الذي لم يلبث بعد عشرة أعوام ونيف، حتى خرق الاتفاقية بتقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم وإعلان تطبيق ما سُمِّي حينها بقوانين الشريعة الإسلامية؛ فعاد التمرد مرة أخرى عام 1983، إلى أن نال الجنوب استقلاله عام 2011.
وبين هذا وذاك، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فتمردت أقاليم جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، والتحقت بهما دافور عام 2003، ثم شرق السودان إلى حد ما، ومع ذلك لم تفكر الأنظمة المتعاقبة التي حاربت كل هذه التمردات في تشكيل ميليشيات موازية للجيش النظامي، إلى أن استولت جماعة الإخوان المسلمين؛ ممثلة في تنظيمها الجبهة الإسلامية القومية، على السلطة عام 1989، فأعلنت الجهاد على مَن اعتبرتهم “كفرة مارقين” في جنوب البلاد، وشكلت كتائب للمجاهدين لإسناد الجيش في حربه المقدسة -حسب ادعائها- فبرزت قوات الدفاع الشعبي، وكتائب الظل، والأمن الطلابي، وكتائب الخرساء، وأخوات نُسبية المجاهدات، قبل أن يتطور الأمر إلى تجييش القبائل لمواجهة التمرد في إقليم دارفور -غرب السودان- بإنشاء ميليشيا الجنجويد المرعبة بقيادة شيخ قبيلة المحاميد، موسى هلال.
اقرأ أيضاً: جيوش موازية… الميليشيات تشكل خطراً على الدول الإفريقية
ميليشيات متناسلة

وخلال ثلاثة عقود من حكم الجماعة (1989- 2019)، تناسلت الميليشيات الموازية وتكاثرت الحركات المتمردة؛ فأصبح السودان ميداناً لحروب عبثية، أضعفت الجيش وكادت تعصف به. ولم يتوقف الأمر عقب الإطاحة بنظام البشير، فما زال بالإمكان لأي أحد أن يعلن عن (ميليشيا) في مؤتمر صحفي من قلب العاصمة السودانية، وهو آمن.
فقد أعلنت مجموعة من العسكريين الإسلاميين المتقاعدين، نوفمبر الماضي، بقيادة الضابط الإخواني البارز والناطق السابق باسم الجيش، الصوارمي خالد سعد، تشكيل تنظيم عسكري باسم (قوات كيان الوطن) التي قال قائدها إنها تسعى لتحقيق 28 هدفاً؛ بينها إلغاء اتفاقية جوبا للسلام، وكذلك أعلن زعماء عشائر نافذة من شمال السودان تشكيل ميليشيتَين تحت اسمَي (درع الشمال ودرع التحالف)، بجانب درع الوطن.. وغيرها، فضلاً عن ميليشيا أخرى في شرق السودان بقيادة (شيبة ضرار)؛ وهو سياسي من جماعة البجا.
اقرأ أيضاً: حروب الرعاة والمزارعين في إفريقيا.. خدمة مجانية للإرهابيين
بفعل فاعل
عمدت جماعة الإخوان بعد استيلائها على السلطة، إلى استخدام زعماء القبائل في ترسيخ وتوطيد حكمها عبر المال السياسي، ثم شرعت في صناعة الميليشيات القبلية لمساندتها في قمع الحركات المتمردة الساعية للإطاحة بها في مختلف أنحاء البلاد؛ خصوصاً في أقاليم دافور والنيل الأزرق وجبال النوبة بجنوب إقليم كردفان، ومن هنا بدأت صناعة الميليشيات القبلية بجانب التنظيمية المؤدلجة التي تم تكوينها مبكراً مع الشهور الأولى لانقلاب 1989، من أجل حماية التنظيم من أي انقلاب مضاد وتصفية الخصوم السياسيين والعسكريين.

من جهتها، علقت حرم أبوبكر، الباحثة والمحللة السياسية، على ظاهرة بروز الميليشيات المسلحة في السودان، قائلةً: إن نظام الإنقاذ (الإخواني) عندما فشل في إدارة الدولة، ارتد إلى نظام حكم قائم على الأبوية/ العشائرية ومتكيِّف مع البنية السياسية والاقتصادية المضطربة لدول المنطقة، مستغلاً الصراعات التقليدية بين القبائل الرعوية والزراعية حول الأرض والموارد، وهي صراعات محدودة الأثر، كان يتم حلها تاريخياً عبر الأعراف والتقاليد المرعية. وتضيف أبوبكر، متحدثةً إلى “كيوبوست”: لكن تسليح حكومة الإخوان لبعض القبائل ضد أخرى ومساندة قيادة الجيش لها، فاقم الشرخ ووسع من دائرة الحرب ودفع بالخطاب القبلي العنصري إلى قلب العمل السياسي في البلاد؛ ما أسهم في حالة الشلل والعجز التي تَسِم المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي الراهن في السودان.