الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

كيسنجر يجيب عن أسئلة الغرب المُلحة.. عن الصعود الصيني ومسائل أخرى

كيوبوست

في الأزمنة الصعبة -والصعوبة هنا تأتي من عدم وضوح المسارات، وليس توالي الأزمات، فالأزمات ملمح ثابت في حياتنا- تطرق النخبة الغربية باب هنري كيسنجر؛ كي تشهده وهو يفكر ويحلل بصوت عالٍ أوضاع ومآلات النظام العالمي، ففي خمسينيات القرن الماضي نشر كيسنجر كتابه الأول عن كيف واجهت أنظمة أوروبا الملكية المحافظة موجات الثورات الشعبية في القرن التاسع عشر، وكيف أسست منظومة دولية مستقرة.

وتوافق كتابه هذا مع ازدهار حركات التحرر والثورة في العالم الثالث، واشتعال المواجهة بينها وبين بعض القوى الدولية. وفي بداية الستينيات، خلال ذروة الحرب الباردة، نشر كيسنجر بحثه الشهير “الأسلحة النووية والسياسة الخارجية”؛ ليضع فيه النقاط على الحروف في ما يتعلق بالعلاقة بين استخدام (أو عدم استخدام) السلاح النووي وصنع السياسة الخارجية.

اقرأ أيضًا: أسطورة هنري كيسنجر

وهكذا تتوالى إسهاماته عبر العقود في الإجابة عن أكثر الأسلحة إلحاحاً؛ سواء المتعلقة بدور حلف الناتو من بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أو كيفية احتواء الصعود الصيني وغير الغربي عموماً، تُعينه في ذلك قراءته المتعمقة لفلسفة التاريخ، وخبراته العملية عندما كان مستشاراً للأمن القومي، ثم وزيراً للخارجية في البيت الأبيض.

في هذا السياق، تأتي استضافة كيسنجر، قبل أيام قليلة، للحديث عن مستقبل النظام الدولي القائم على القيم والقوانين التي صاغتها الأنظمة الديمقراطية الليبرالية في عدد من الدول الغربية.

إنهم يناقشون مستقبلهم

المُحاور الذي ناقش كيسنجر هو جيرمي هنت، وزير الخارجية البريطاني السابق 2018- 2019، ولعل الكلمة المفتاحية الأبرز التي رددها هنت باستمرار وبشكلٍ مقصود، هي: الصين. وهو ما يعكس وعي وربما هلع النخبة الغربية من الصعود السريع للنموذج الصيني.

جيرمي هنت، وزير الخارجية البريطاني السابق

طلب هنت من ضيفه أن يصف هذا النموذج ويفككه، فقال كيسنجر: “استطاع الصينيون الوصول إلى معادلة فريدة تناسبهم.. وعلينا في الغرب فهمها وفهم ظروف تكونها ونتائجها.. هذا النموذج يجمع بين إحساس نخبة الحكم هناك بالمسؤولية الأخلاقية تجاه أمن ومعيشة مواطنيها وتجاه استعادة أمجاد الصين، وحتى لو كانت فاسدة أو متسلطة؛ ولكن هذا الإحساس بالمسؤولية يحركها ويصبغ سلوكياتها؛ وهو نابع من فلسفة كونفوشيوس، إذن هناك استمرارية عمرها آلاف السنين في الثقافة الصينية يجب أن ندرسها.

عامل آخر مهم في الصيغة الفكرية لهذا النموذج؛ هو الماركسية، الصينيون أخذوا من العقيدة الماركسية إصرارها على حتمية اندلاع صراع بين القوى المنتجة لرأس المال.. هذا الخلط الفريد بين فلسفة الشرق والغرب منحهم مرونة فكرية فريدة”.

وقبل أن يطرح الوزير البريطاني السابق سؤالاً آخر، قاطعه كيسنجر بلهجته الألمانية الثقيلة؛ كي يتحدث عن موضوع مهم خَطَر على باله، وهو ما سماه: “ثقة الغرب بنفسه.. يجب أن لا نفقد ثقتنا بأنفسنا وبقيمنا وقدراتنا، يجب أن يثق الغرب بنفسه.. هيمنة الصين ليست قدراً محتماً، ونحن لا نزال أقوياء، واعتلاء الصين المرتبة الأولى في قائمة أكبر الاقتصادات لا يعني تفوق الصين في كل المجالات”.

مواجهة محتملة بين بكين وواشنطن

ثم وجَّه هنت إلى ضيفه السؤال الذي يردده الكثيرون عن حتمية المواجهة بين بكين وواشنطن، فأجاب كيسنجر: “نحن بحاجة إلى تشكيل تفاهم مع الصين، إن لم نصل إليه فسوف ندخل في مرحلة خطرة تشبه تلك المرحلة قبل بداية الحرب العالمية الأولى في أوروبا؛ حيث كانت هناك صراعات عدة، يتم نقاشها بين الدول المعنية ومحاولة حلها؛ ولكن دون أن يمنع هذا أحد تلك الصراعات للانفجار وجر الجميع إلى الحرب”.

ويوضح كيسنجر الفارق بين ذاك الزمان وزماننا، فيقول: “لكن أي صراع سيكون أخطر الآن وبكثير، مع كل هذه التكنولوجيا التي يمتلكها الطرفان”.

اقرأ أيضًا: هل تنجح الصين وأمريكا في الإفلات من “فخ ثيوسيديديز”؟

ورغم صحته العليلة وسنه المتقدمة، وقد وصل إلى عتبة الـ97، لم يمنع هذا كله كيسنجر من المضي في تحليل الفارق بين الثقافتَين الأمريكية والصينية، فاستطرد شارحاً: “السؤال المهم هو إن كانت الصين سوف تقبل نظاماً عالمياً جديداً.. وهذا لا يعتمد فقط على توازنات القوة بينها وبيننا؛ ولكن أيضاً على خبرة الصين التاريخية، وهي مختلفة عنا، هناك الكثير من الشك وعدم الثقة بالعالم الخارجي في الثقافة الصينية؛ وهذا أمر مفهوم تاريخياً، وعلى الرئيس الأمريكي العمل لصياغة رؤية طويلة المدى يمنح الصينيين الثقةَ ولو مبدئياً بنا.. وإلا فسوف تكون النتائج وخيمة”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مروان البلوشي

باحث إماراتي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إدنبرة.

مقالات ذات صلة