الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية

كهرمان مرعش… مدينة الزلازل والبطولة

عُرفت بمقاومتها الباسلة ضد الفرنسيين وشهدت مذبحة بشعة بحق الشعب الأرمني

كيوبوست

لا تُشتهر مدينة كهرمان مرعش التركية؛ مركز الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخراً، وأودى بحياة عشرات الآلاف، ببوظتها الكثيفة والأشهر في تركيا “ماراش دوندرماسي”، والتي ترتبط بعدة حكايات شعبية، أكثرها تداولاً، أنّ رجلاً عثمانياً يُدعى عثمان آغا، كان يبيع السحلب للقصور العثمانية، وفي يومٍ، توفّرت لديه كمية كبيرة غير مباعة، فوضعها بالثلج كي لا تفسد، وعندما أخرج السحلب من الثلج كان قد تحول إلى بوظة. إنما عُرفت المدينة أيضاً بمقاومتها الباسلة ضد المحتل الفرنسي، وشهدت أيضاً مذبحة بشعة بحق الشعب الأرمني.

تاريخ متنوع

تعاقبت شعوب وحضارات عديدة على كهرمان مرعش، فقد كانت عاصمة لمملكة جرجوم الحثيّة خلال القرن الثاني عشر ق.م، ثم سيطر عليها الآشوريون وأسموها “مرقس” في القرن الثامن ق.م، فيما احتلها الرومان وأطلقوا عليها اسم “جرمانية” نسبة للقيصر الروماني جرمانيكوس، وأحد أهم الشواهد على الوجود الروماني في المدينة، فسيفساء تنتمي إلى العصر الروماني المتأخر، والعصر البيزنطي المبكر، مساحتها 300 متر مربع، اكتشفت ضمن حفريات بدأت في عام 2009م.

فسيفساء كهرمان مرعش- DHA Photo

كما وصل العرب إلى جرمانية حوالي عام 645م، وأعطوها اسم مرعش، كما اعتمدوها كنقطة انطلاق لتوغلاتهم في آسيا الصغرى (الأناضول)، وتعرضت المدينة عدة مرات للتدمير، بسبب الصراع الذي كان مشتداً عليها بين العرب والبيزنطيين، وأعاد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بناء المدينة خلال القرن السابع، كما حصّنها الخليفة العباسي هارون الرشيد حوالي عام 800م.

اقرأ أيضاً: زلزال تركيا… العوامل الطبيعية لا تقف وحدها خلف المأساة

وحاول البيزنطيون استعادة سيادتهم على مدينة مرعش عدة مرات، فانتزعوها من العرب، لكنهم خسروها مجدداً في عام 962م لصالح الدولة الحمدانية التي حكمت سوريا، بعد حربٍ دامت عشر سنوات، في وقت شهدت المنطقة محاولات من الأقلية الأرمنية الموجودة في مرعش للتوسع في منطقة قيليقية جنوبي الأناضول.

بوظة “ماراش دوندرماسي”

كما احتل الصليبيون المدينة عام 1097م، خلال حملتهم على المشرق، لكن لفترة وجيزة، ثم انتزعها منهم السلاجقة خلال القرن الثاني عشر، ثم حكمها العثمانيون في عهد السلطان سليم الأول حوالي عام 1515م، لتظل تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى.

التحرر والمجزرة

أثناء الحرب العالمية الأولى، وقعت كهرمان مرعش تحت الاحتلال البريطاني، وكان اسمها مرعش (أو ماراش) حينها، تلاها الاحتلال الفرنسي في شتاء عام 1919م، أدى ذلك إلى خلق مقاومة تركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك الذي خاض مقاومة تاريخية في سبيل التحرر وتوحيد تركيا. وشرعت القوات القومية الموالية لأتاتورك، بالحشد لشنِّ تمرد كبير ضد القوات الفرنسية. وخاضت القوات التركية في مرعش أول معركة كبرى في حرب الاستقلال التركية، في أوائل شتاء 1920م، ضد قوات الاحتلال الفرنسي، واستمرت المواجهات بين الطرفين ثلاثة أسابيع متواصلة، انتهت بهزيمة الفرنسيين، وتم إضافة كلمة كهرمان (وتعني بطل) لمدينة مرعش، تخليداً لصمود المدينة ومقاومتها، وصار اسمها كهرمان مرعش (مرعش البطلة).

اقرأ أيضاً: قلعة “غازي عنتاب” الشاهدة على صمود المدينة دمرها الزلزال الأخير

وبمغادرتهم كهرمان مرعش، تخلى الفرنسيون عن حلفائهم الأرمن، الذين عادوا في وقتٍ سابق إلى منطقة قيليقية على أمل إعادة توطينهم فيها، فهي جزء من وجودهم، وقاتل جزء منهم مع الفرنسيين ضمن الفيلق الأرمني الفرنسي، ووعدوا بأن يحصلوا على الحكم الذاتي الأرمني، ويتم ضم قيليقية إلى دولة أرمينية موحدة في المستقبل.

وبعد تخلي الفرنسيين عنهم، تعرض الأرمن في كهرمان مرعش، لواحدة من أبشع المذابح على يد الأتراك، الذين قتلوا الآلاف وأحرقوا منازل وكنائس الأرمن التي لجأوا إليها، فيما تمكّن جزء من الهرب والنجاة، وتم تهجير الغالبية إلى سوريا.

أسد مرعش يعود للفترة الحثّية- أرشيف

وتضم كهرمان مرعش عدة معالم أثرية على رأسها، متحف كهرمان مرعش الذي يضم قطعاً أثرية مهمة، بما في ذلك عظام فيلين يرجع تاريخهما إلى حوالي 1400 ق.م، إضافة إلى تمثال أسد مرعش الذي يعود للفترة الحثّية، ومنحوتات ترجع لعدة عصور.

وقلعة كهرمان مرعش، التي يُعتقد أنها بنيت في أواخر العصر الحثّي، وتوسعت في ظل الشعوب التي حكمت المنطقة، وغيرها من القصور والمتاحف.

ولسوء الحظ، فإن المدينة التاريخية تقع في منطقة صدوع أو فوالق، مما عرضها لزلازل تاريخية، منها زلزال عام 1114م، قُتل فيه عشرات الآلاف، ودمرت المدينة بالكامل، كما ضربها زلزال عنيف عام 1308م.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة