الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

كليوباترا… أيقونة الدهاء التي لم تقبل الهزيمة

كيوبوست- مدى شلبك

في الوقت الذي صوّرت فيه الأفلام السينمائية كليوباترا امرأةً فاتنة الجمال، كان للمؤرخين وجهة نظر مختلفة، فبينما وصفها المؤرخ الروماني ديو كاسيوس “امرأة خارقة الجمال”، اعتبر مؤرخون معاصرون أنها لم تحظ بجمال خاص. وبصرف النظر عن درجة جمال وجاذبية كليوباترا، التي كانت آخر حكام سلالة البطالمة في مصر، فإنها امرأة ذكية وطموحة ومثابرة، استماتت في الدفاع عن مصر الفرعونية، التي كانت تحتضر في وقت شهد فيه العالم تنامي قوة جديدة؛ الإمبراطورية الرومانية.

استعادة الحكم

تجلى دهاء كليوباترا عندما أرادت استعادة حكمها من أخيها وزوجها في ذات الوقت بطليموس الثالث عشر، بعد أن سلبها دورها في الحكم بعدما كان مقسما بينهما بعد وفاة والدهما؛ بطليموس الثاني عشر. إذ نفاها بطليموس الثالث عشر إلى سوريا، وهناك حشدت جيشا، وعادت إلى مصر لمواجهته عام 48 ق.م، في حرب أهلية عند الحدود الشرقية المصرية.

تمثال نصفي لكليوباترا

ولتقوية وضعها واستعادة الحكم، استغلّت كليوباترا (69 ق.م-30 ق.م)، وجود رجل صاحب نفوذ وجيش وخبرة عسكرية وسياسية؛ الحاكم الروماني يوليوس قيصر، وكان محتجزاً في مصر، لرفضه مساعدة بطليموس الثالث عشر في حربه الأهلية، بعد وصوله لمصر مطارِداً خصمه الحاكم والجنرال الروماني بامبيوس الكبير.

تسللت كليوباترا إلى القصر، وتقول الروايات إنها اختبأت بسجادة ملفوفة، وقابلت قيصر، ووافق على مساعدتها مقابل استرداده الديون التي اقترضها والد كليوباترا من روما لمواجهة انقسامات مصر والاحتفاظ بالعرش.

اقرأ أيضاً: يوليوس قيصر.. “الدكتاتور” الأكثر شعبيةً وإصلاحاً!

سرعان ما أصبح قيصر وكليوباترا عاشقين، وقضيا شتاء عام 48 ق.م محاصرين في الإسكندرية، حتى وصلت التعزيزات الرومانية في الربيع التالي عام 47 ق.م، فهرب بطليموس الثالث عشر، ويُعتقد أنه غرق في النيل، وأعيد تنصيب كليوباترا ملكةً لمصر في 27 مارس عام 47 ق.م، بدعم من قيصر، الذي عاد بعدها إلى روما، وكان قد حقق فتوحات عظيمة لصالح الإمبراطورية الرومانية في بلاد الغال وبريطانيا.

لوحة لبيترو دا كورتونا تصور إعادة كليوباترا إلى عرش مصر من قبل قيصر- متحف الفنون الجميلة/ ليون، تصوير نيكو تونديني/ جيتي إيماجيس

لحقت كليوباترا بقيصر إلى روما بعد عام من إنجابها طفلهما قيصرون (قيصر الصغير) أو بطليموس الخامس عشر، الذي ولد في يونيو عام 47 ق.م. ولم يعترف قيصر علناً بالطفل، فقد أثار الخبر غضب الشعب الروماني، ولم يكن ممكناً التأكد ما إذا كان الطفل ابن قيصر فعلاً.

وخلال مكوثها في روما شهدت كليوباترا تشييد تمثالٍ لها في معبد فينوس، كما شهدت اغتيال قيصر على يد أعضاء من مجلس الشيوخ الروماني، فعادت أدراجها إلى مصر عام 44 ق.م، برفقة طفلها.

كليوباترا ومارك أنطونيو: الحب والهزيمة

بمقتل قيصر أصبحت الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة لكليوباترا، إذ وقفت مملكتها على حافة الهاوية، وكانت تلك المرحلة بمنزلة بداية نهاية الدولة الفرعونية، لتخلفها الإمبراطورية الرومانية كقوة عظمى في العالم.

وتصاعدت الأزمة بسعي كليوباترا أن يكبر طفلها قيصرون ليكون إمبراطور روما المستقبلي، في وقتٍ كان قيصر قد ورّث حفيد أخته أغسطس الحكم. طمح أغسطس في توسيع إمبراطوريته لتشمل مصر، بالتزامن مع سعي القائد العسكري وأهم مساعدي قيصر مارك أنطونيو لنيل السلطة في روما.

اقرأ أيضاً: كيف استخدمت النساء الإغراء الجنسي لكسب نفوذ سياسي ومنزلة اجتماعية؟

وبعد أن أصبح حكمها في مرمى الخطر مجدداً، التفت كليوباترا حول أنطونيو، فطلبت مقابلته في مدينة طرسوس التركية، في محاولةٍ منها لنيل قلبه كما فعلت مع قيصر، ومواجهة أغسطس، فوقع أنطونيو في شباك حبها سريعاً، وخلال عام أنجبت كليوباترا توأمين من أنطونيو: ألكسندر هيليوس، وكليوباترا سيلين الثاني.

لوحة موت كليوباترا للرسام جوزيف بينوا سوفيه-Getty

في غضون قصة الحب الملتهبة تلك، كان أغسطس يستعد لصنع مجده الخاص، ووصلته الأخبار حول قصة حب كليوباترا وأنطونيو، الذي كان متزوجاً بالفعل من أوكتيفيا الصغرى أخت أغسطس، فشن حرباً ضد الدولة الفرعونية، وهُزمت جيوش أنطونيو في معركة أكتيوم البحرية بالقرب من اليونان في 2 سبتمبر عام 31 ق.م، وهرب أنطونيو وكليوباترا إلى الإسكندرية، حيث هُزم مرة أخرى في معركة الإسكندرية، وبذلك قضى أغسطس على آخر منافسيه على الحكم، وأصبح أول إمبراطور للإمبراطورية الرومانية.

لم يستسغ العاشقان مرارة الهزيمة، فحاول أنطونيو عام 30 ق.م، الانتحار عبر إلقاء نفسه على سيفه، وهي طريقة رومانية قديمة للموت بعد الهزيمة، لكنه فشل، فجرى نقله مصاباً إلى كليوباترا التي كانت تختبئ في ضريح في الإسكندرية ومات هناك، ولحقته كليوباترا بعد أيام منتحرة بلدغة أفعى سامة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة