الواجهة الرئيسيةترجمات
كراهية الأجانب أم “رهاب الفيروسات”؟
تفشي فيروس كورونا بين المخاوف المشروعة والذهان والعنصرية

كيوبوست – ترجمات
توماسو فيرجيلي
أظهرت لنا عشراتُ الأفلام والروايات حول الكوارث، مع جرعةٍ من المبالغة، كيف يمكن أن تنهار الحضارات وأسسها التي استقرت عليها بسهولة أمام الأحداث المروعة، ويتحول البشر العاديون إلى حالة من الفوضى الهوبزية (نسبة إلى الفيلسوف توماس هوبز) تتسم بحالةِ هياج وحرب من أجل البقاء.
وبالنظرِ إلى ردود الفعل على المراحل المبكرة من وباء فيروس كورونا، ينبغي للمرء أن يستنتج في الواقع أن هذه الصور “متفائلة”، فالواقع أن الحضارةَ قد تنهار قبل أن يتحولَ الأمرُ إلى كارثةٍ محدقة بالفعل.
اقرأ أيضًا: شركة أمريكية تبدأ في تجريب لقاح جديد لعلاج فيروس كورونا
هناك حالة من تفشي ليس فقط فايروس كورونا، بل الممارسات العنصرية، فيوميًا يتم الإبلاغ عن حوادث عنصرية وكراهية للأجانب متصلة بتفشي الفيروس من جميع أنحاء العالم، لدرجة أن موقع “ويكيبيديا” قد خصص صفحة لهذه الظاهرة. ووفقًا لرابطة مكافحة التشهير، فإن نظريات المؤامرة وحالة “البوجالو” boogaloo (مصطلح يستخدمه المتطرفون للدلالة على حالةٍ وشيكة من الفوضى والعنف الواسع النطاق، والحرب الأهلية) تزدهر بسبب هستيريا فيروس كورونا.
بين الهستريا ونظرية المؤامرة
لكن دعونا نكون واضحين حول هذه النقطة: “الهيستيريا” شيء مختلف عن الخوف المشروع، وليس من السهل تجاهل جميع الشكوك المحيطة بأصل العامل المسبب للمرض بوصفها “نظريات مؤامرة”. ذلك أن المخاوف المتعلقة بإمكانية تصنيع فيروس كورونا تُثار حتى من قبل الدوائر العلمية ومجلس الشيوخ الأمريكي. وفي نهاية الأمر، لا يمكن لدكتاتورية تفتقر إلى أي صحافة حرة، ونظام قضائي مستقل، ومعارضة برلمانية، والتزمتِ الصمتَ على انتشار الوباء لأسابيع، وعاقبت أولئك الذين دقُّوا ناقوس الخطر، أن تدعي الجدارة بالثقة. فالنظام الصيني الذي يتسم بالسرية الشديدة، والتعطش للتفوق العالمي لدرجة كبيرة، لا يمكنه أن يقنع الرأي العام الدولي بأن مختبراته العسكرية لن تلعب دور الساحر المبتدئ (الذي يقوم بأشياء يعجز بعد ذلك عن السيطرة عليها).

وبغضّ النظر عن مصدر الفيروس، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال”، بوجاهة، إلى أن “الشكاوى في بكين حول رفض الولايات المتحدة دخول غير المواطنين الذين قضوا وقتًا في الصين مؤخرًا لا يمكن أن تخفي حقيقة أن القرارات التي سمحت للوباء بالانتشار بهذا القدر، وبهذه السرعة، كانت كلها مصنوعة في ووهان وبكين”. وبالمناسبة، كان رد فعل الصين هو طرد ثلاثة مراسلين للصحيفة انتقامًا لنشر المقال.
ليست التخمينات حول النظام هي التي تكشف الجانب المظلم من روحنا، ولا هو الخوف المبرر من فيروس لا يزال المجتمع العلمي لا يعرف إلا القليل جدًا عنه. لكن ما ينبغي أن نقلق بشأنه، هو استخدام نظريات المؤامرة لتشويه صورة بعض الشعوب، وأعمال الشغب العنصرية والهجمات الواقعية ضد الأفراد.
اقرأ أيضًا: سباق مع الزمن لتطوير مصل مضاد لوباء الصين الجديد
ومن المؤكد، كما كتبت مجلة “الإيكونومست”، أن “الخوف من العرقيات الأخرى الناجم عن الفيروس يكون في بعض الأحيان دقيقًا، ومن الصعب فصله عن المخاوف المبالغ فيها من المرض نفسه”. غير أن بعض المقالات الصحفية تتجمع بشكل فضفاض للغاية، في إطار القواسم المشتركة المتمثلة في “التمييز” و”كراهية الأجانب”، سواء من الاعتداءات العنصرية أو مجرد التدابير الاحترازية، مثل قرار بعض مديري المدارس برفض القبول لجميع الطلاب القادمين من الصين (بغض النظر عن الجنسية) حتى يثبتَ الفحص الطبي لهم خلوهم من المرض.
بين الكراهية والرهاب
بداية، ينبغي التمييز بين “كراهية الأجانب”، و”رهاب الفيروسات”، وهو أمر مهم؛ أي عدم التمييز ضد الناشرين المحتملين للفيروس على أساس لون البشرة البيضاء أو الصفراء أو البنية. ومن هذا المنظور، فإن حادثة الأوكرانيين الذين يهاجمون بالحجارة وكرات النار الحافلات التي تقل مواطنيهم الذين تم إجلاؤهم من الصين هي حادثة ذات دلالة. (تمثل الحالة الأوكرانية أيضًا درساً في التضليل الإعلامي: فرسائل البريد الإلكتروني الجماعية التي فجّرت الذعر والعنف كانت مفبركة من خارج الدولة، على الأرجح من قبل الحكومة الروسية).

ردود الفعل الهيستيرية هذه تختلف كثيرًا في طبيعتها عن الإفراط في الحذر الذي ليس بالضرورة غير عقلاني: وفقًا لبعض علماء الطب، السلطات في الواقع تقلل من خطورة الفيروس، وبالتالي لا تتخذ التدابير الكافية لتجنب انتشاره. وقد ذهب أحد أكثر الخبراء الإيطاليين احترامًا في مجال اللقاحات إلى حدّ مطالبة السلطات بتطبيق الحجر الصحي على جميع القادمين من الصين، مؤكدًا أن هذا لا علاقة له بالعرق، ولكنه مسألة ممارسة الحصافة الطبية أمام مرض شديد العدوى، ولا يزال غير معروف إلى حد كبير. ويبدو أن الحالة الأخيرة لرجلٍ إيطالي، في حالة خطيرة بعد أن أصيب على ما يبدو من قبل رجل أعمال بلا أعراض عائد من الصين، تؤكد هذه الرسالة.
بعد توضيح هذه النقطة، دعونا نعود إلى ما ينبغي أن يقلقنا حقًّا.
يستغل دُعاة تفوق البيض على تطبيقات “تلجرام”، و4chan، وGab، الوباءَ لنشر معاداة السامية، إما بتصوير اليهود على أنهم العقل المدبر لانتشار الفيروس، أو الاعتزاز بالفيروس على أنه قوة غيبية لمحرقة جديدة أو لإبادة إسرائيل: “3 سقطوا، وباقٍ 5,999,997!” هذا ما كتبه أحد الأشخاص على “تلجرام” بعد أن تم الحجر الصحي على ثلاثة إسرائيليين.
اقرأ أيضًا: اطمئنوا.. ليست هناك علاقة مباشرة بين فيروس كورونا والإيدز
ولكن الأكثر استهدافًا، ولأسبابٍ واضحة، هو الشعب الصيني أو أي شخص يبدو على هذا النحو. وقد وصف بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الشعبَ الصيني بأنه “مثير للاشمئزاز“، وأنه “يستحق” هذا المصير كشكل من أشكال انتقام الطبيعة، واعتبر أن الفيروس “عقاب إلهي“، بل تمنى أن يُبيد فيروس كورونا جميع “الوحوش القذرة” الصينيين مرة واحدة وإلى الأبد.
خارج الإنترنت أيضًا، يتعرض الصينيون أو الشعوب الشرقية، للإهانة لمجرد أن عيونهم لوزية الشكل. يصل هذا إلى حد الهجمات عنيفة عليهم، ففي لندن، تعرض شاب من شرق آسيا للاعتداء والسرقة واللكم، من قبل مراهقين يصرخون في وجهه “فيروس كورونا”. وفي الحي الصيني في نيويورك، هاجم رجلٌ امرأةً آسيوية في مترو الأنفاق واصفاً إياها بأنها “ع**** مريضة”. وفي إيطاليا، أُدخل رجل فلبيني إلى المستشفى بعد أن هاجمه بلطجية لكونه “صينيًا مصابًا”.

هذه الحوادث تلخص اتجاهًا أوسع نطاقًا، لكن ليس جديدًا. في كلٍّ من التاريخ البعيد والقريب، كانت الجماعات التي وصفت بأنها أجنبية كبش الفداء الأول الذي يلقى عليه اللوم عند تفشي أي نوع من الأوبئة. وهذا الأخير هو مجرد حافز، يُفجر مشاعر أكثر عمقا وظلامية، إنها “كراهية الأجانب” الخاملة، الحاضرة دائمًا.
في هذه الأيام التي نحزن فيها على تسعة أشخاص قُتلوا بوحشية على يد إرهابي من دعاة تفوق البيض في هاناو بألمانيا، فإننا مدعوون إلى استخلاصِ بعض الدروس من بيانه. لقد دعا في هذيانه الواعي إلى إبادة غير البيض، وتدمير دول الشرق الأوسط، وإبادة “الأعراق المدمرة”.

رسائل مثل “3 سقطوا، وباقٍ 5,999,997!”، أو “دعونا نأمل أن يبيد الفيروس تلك الوحوش القذرة مرة واحدة، وإلى الأبد” لا تختلف نوعيًا عن هذه الأفكار. وهذا لا يعني الادعاء بأن الأشخاص المعنيين إرهابيون محتملون، بنفس الطريقة التي لا يكون بها المسلم الذي يهتف لمجازر داعش ضد الكفار بالضرورة مؤشرًا على أنه سيحمل السلاح في سوريا أو يُفجِّر نفسه في مطار. بل إن بعض هذه الرسائل قد تمثل فورة عرَضية، وإن كانت غير مبررة، من الإحباطات الشخصية من أشخاص مسالمين يعيشون بحياة اجتماعية طبيعية.
اقرأ أيضًا: بين مكافحة الأمراض وصناعة الأدوية.. البيولوجيا الاصطناعية مفهوم جديد للحياة
ومع ذلك، فهذا يجعل الأمور أكثر سوءًا. هذا يعني أن الكراهية تصبح شيئًا طبيعيًا، وأن بعض الأفكار قادرة على التجذر بين الجمهور العادي، مثل خلية سرطانية في الدماغ السليم. لم يكن الـ 17 مليون ألماني الذين صوَّتوا لهتلر في عام 1933 يحلمون جميعًا بالهولوكوست. لكن لسوء الحظ، لدى الخلايا السرطانية القدرة على التكاثر بسرعة، وبشكل لا يمكن السيطرة عليه عندما تجد أرضًا خصبة، والمجتمع الذي يفقد الأجسام المضادة يصبح في خطر الإصابة بسرطان من دون أن يشعر.
هناك تسعُ جثثٍ تذكرنا بأن العلاج، في تلك المرحلة، يأتي متأخرًا جدًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باحث زائرٌ في مركز ويلفريد مارتنز للدراسات الأوروبية
المصدر: عين أوروبية على التطرف