الواجهة الرئيسيةرفوف المكتبةشؤون دولية
كتاب فرنسي جديد يتساءل: إلى أي مدى ستذهب تركيا أردوغان؟
يؤكد الباحث الفرنسي جان فرانسوا كولوسيمو -صاحب كتاب "السيف والعمامة"- أن أردوغان يقوم بعمل مشابه لأتاتورك.. رغم تناقضهما في الأسلوب فإن هدفهما هو استعادة هيمنة تركيا على المنطقة

كيوبوست
إلى أي مدى ستذهب تركيا أردوغان؟ هذا هو السؤال الذي طرحه الباحث والمؤرخ الفرنسي جان فرانسوا كولوسيمو، في كتابه الجديد “السيف والعمامة” (Le Sabre et le Turban)، الصادر عن (Éditions du Cerf).
بالنسبة إلى المؤرخ الفرنسي، فإن مشروع أردوغان لاستعادة ما ضيعته الدولة العثمانية في أواخر أيامها بات واضحاً؛ ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً في البحر الأبيض المتوسط؛ في القوقاز وربما غداً في آسيا والبلقان، إلى حد يصل لتهديد السلام العالمي.
ويطرح الباحث كولوسيمو، في بداية كتابه، أطروحة جدلية مفادها أن الولايات المتحدة وأوروبا قد أنكرتا الخطر لفترة طويلة؛ ليس بدافع التردد والخوف فقط، ولكن أيضاً “بسبب العمى الأيديولوجي والجهل التاريخي”، حسب قوله.
لكي تفهم إلى أي مدى ستذهب تركيا، عليك أن تفهم من أين أتت، هذا ما يقوله كولوسيمو الذي حاول التركيز في كتابه على قرن مضطرب عاشته الجمهورية التركية الحديثة منذ تأسيسها، جمهورية تطاردها ذكريات الإمبراطورية العثمانية. ويظهر فيها الإسلامي أردوغان وكأنه وريث أتاتورك. رغم أنه يحرص على قطع أية علاقة له بالعلمانية الأتاتوركية؛ فإنه في كثير من الأحيان يتقاسم مع سلفه اللامع الرغبة في تطهير الأقليات العرقية والطمع في فرض الهيمنة التركية.

ويحاول الكاتب اختصار مسيرة رجب طيب أردوغان في كونه مَن يصادر الديمقراطية داخل حدوده ويطهر جهاز الدولة ويقمع المعارضة والصحفيين ويضطهد الأقليات؛ وهو مَن يذهب إلى حربٍ مفتوحة ضد قطاعات كاملة من السكان (الأكراد)، وخارج حدوده يتحدى أمريكا وينافس روسيا ويبتز أوروبا ويغطي “داعش” ويلاحق الأكراد في الشرق الأوسط ويرسل المرتزقة إلى ليبيا ويطارد الأرمن في القوقاز؛ من أجل تتويجه رئيساً للحركة الإسلامية الدولية، هو مَن يريد أن يكون سلطاناً جديداً، ويدَّعي أنه خليفة جديد ينوي استعادة الإمبراطورية العثمانية.
اقرأ أيضاً: الوجود التركي في الصومال.. مصالح متبادلة أم زواج كاثوليكي؟
وجهان لعملة واحدة
يعتبر كولوسيمو أن العمل السياسي الذي يقوم به أردوغان لا يعدو كونه امتداداً لعمل مصطفى كمال أتاتورك، والد تركيا الحديثة. “غالباً ما يتم تقديمهما على أنهما نقيضان -أحدهما علماني على الطراز الغربي، والآخر بطل جماعة الإخوان المسلمين- لكن في الحقيقة هما يسعيان فقط نحو استعادة عظمة تركيا”.
وها هو بعد قرن من معاهدة سيفر، التي قضت بتقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية، يواصل أردوغان دفع بيادقه: سواء داخل بلاده ضد المعارضين الذين تم القضاء عليهم وسجنهم، أو خارجها عن طريق إرسال الأسلحة والمسلحين إلى أراضي النزاعات.

لا يهمل كولوسيمو الحديث في كتابه عن استخدام أردوغان السبل كافة؛ من أجل تحقيق حلمه، في وقت تفشل فيه أوروبا كل مرة في توقع نيَّاته، كما حدث في عام 2016، عندما وقَّعت أوروبا مع أنقرة اتفاقية للحد من الهجرة غير الشرعية، متأملةً أن يلتزم أردوغان بعهوده؛ لكن النتيجة مؤسفة للغاية، حيث تحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة للمهاجرين، بينما يدفع الاتحاد الأوروبي ثمن انتهاكات تركيا لحقوق الإنسان.
وفي خريف عام 2020، ها هو أردوغان ينقض على الأرمن مجدداً متحالفاً مع الأذريين، وقد تم استخدام جميع الأسلحة المحظورة في وجه هذا البلد الصغير؛ لقد أعاد أردوغان خلط أوراق “اللعبة الكبرى” متحدياً حلف شمال الأطلسي بشكل مباشر هذه المرة، رغم أنه أحد أعضائه؛ وذلك من أجل إظهار العجز السياسي للتحالف العسكري الذي يتآكل من الداخل.
أكثر من وسيلة إعلام فرنسية تطرقت إلى هذا الكتاب ووصفته بالمرجع المهم الذي يدخل المكتبات الفرنسية؛ ليكشف عن أبرز الأخطاء التي وقع فيها المجتمع الدولي منذ البداية، أي منذ أن وضع ثقته بتركيا الحديثة ووقَّع معها الاتفاقات والمواثيق والمعاهدات الدولية، معتقداً أنها ستتغير، ومنذ أن تفاءل بوصول رجب طيب أردوغان إلى السلطة، معتقداً أنه يمثل صورة حديثة من الإسلام.