الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةرفوف المكتبة

كتاب.. الوجه الآخر للخلافة الإسلامية

كيوبوست

عن دار ميريت للنشر، صدرت طبعة جديدة من الأعمال الكاملة للكاتب والروائي الراحل سليمان فياض؛ أحد أبرز الأسماء في ما عرف بجيل الستينيات الشهير. ورغم إسهاماته الثقافية المتنوعة في كل مجالات الإنتاج المعرفي والأدبي؛ فإنه قد طغت شهرة الإبداع الروائي والقصصي على جوانب إبداع سليمان فياض المتعددة، ومنها دراساته الرصينة في التاريخ العربي والإسلامي.

غلاف الكتاب

من بين الأجزاء التي صدرت، يعد كتابُه “الوجه الآخر للخلافة الإسلامية” (صدرت طبعته الأولى عام 1999) أهمها وأكثرها انفرادًا بالاهتمام والقراءة في دائرته الثقافية، ومجاله المعرفي، ومن الكتب الخطيرة للغاية التي أزالت الأقنعة وكشفت الحجب، ونقبت في المصادر المعتمدة لدى أهل السُّنة بالأخص، لبيان حقيقة نظام الخلافة الذي لطالما قدَّسه أنصار الإسلام السياسي، وفي سبيل إحيائه (أو بالدقة وَهْمُ إحيائه) شنُّوا الحروب ومارسوا العنف وأراقوا الدم، وما زالوا يفعلون حتى الآن.

يُقَدِّم الكتاب الوجه الآخر من الخلافة الإسلامية؛ الوجه الحقيقي المختلف عن الوجه الزائف الذي صاغه وصقله وزينته المدارس التقليدية في كتابة التاريخ الإسلامي، ودعت إليه جماعات التأسلم السياسي في دعايتها الأيديولوجية التخييلية المضللة. يكشف الكتاب عن الكوارث والانتهاكات التي ارتُكبت تحت مظلة الخلافة الإسلامية في عصور كثيرة، فلم تكن الخلافة إلا مجرد اجتهاد بشري انتهى إلى استغلال مفجع وكارثي للدين؛ من أجل تصفية الخصوم والاستيلاء على الحكم، فدخل المسلمون في فتنٍ لا أول لها ولا آخر.. الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يستخلف أحدًا، ولكن البعض أراد أن يجعل الخلافة أصلًا من أصول الإسلام، وكانت هذه الكارثة الكبرى التي حاقت بالمسلمين طوال تاريخهم.

اقرأ أيضًا: مراجعة كتاب: «النزعة الجهادية في أوروبا: الشباب الأوروبي والخلافة الجديدة»

الفكرة الجوهرية التي ظلَّت غائبةً تمامًا عن أذهان كل مَن عالجوا موضوع الخلافة من منظور ديني دعوي أنهم كانوا لا يفرِّقون على الإطلاق بين تصور للدولة التي يقرّها الإسلام (ولا يحدد شكلها أو نظامها)، أو تلك الصورة المثالية المتخيلة، كما يستخرجها الفقهاء والمفكرون من الكتاب والسُّنة، وبين الدولة الإسلامية الواقعية على نحو ما ظهرت في مجرى التاريخ؛ فإذا تحدث بعض الفقهاء والمفكرين عن “نظام الحكم في الإسلام” الذي يوجب “إسناد الأمر إلى إمام فاضل عالم حسن السياسة.. إلخ”، “يمنع الظالم وينصف المظلوم”، وأن يكون “عادلًا لئلا يجور، عاقلًا ليصلح التصرفات، بالغًا لقصور عقل الصبي، ذكرًا إذ النساء ناقصات عقل ودين، حُرًّا لئلا تشغله خدمة السيد؟.. إلخ، فهذه الصفات مشروطة بالإجماع” (وكل هذا الآن أصبح في ذمة التاريخ وتجاوزته قوانين العمران والتطور البشري وسُنن الخلق التي فطر الله عليها الكون والموجودات)، كان علينا أن نكون على وعي بأن هذه الصفات شروط “مثالية” تتحدث عما ينبغي أن يكون، ويستخرجها المفكرون من الكتاب والسُّنة؛ لتشكيل صورة مثالية لما ينبغي أن تكون عليه الدولة في الإسلام. وهي صورة كانت تختلف بالكلية عن الدولة التي ظهرت طوال التاريخ الإسلامي والتي شاع فيها ألوان من الظلم والعسف والجور لا حدّ لها، ولم نجد من الحكام -إلا في ما ندر- مَن لا يعرف من العدل شيئًا؛ لا سيما في معاملة خصومه والمختلفين معه في الرأي.

اقرأ أيضًا: ترجمات: النشاط الجهاديّ على الإنترنت في أعقاب انهيار “الخلافة”

كان صدور الكتاب بمثابة لطمة ناقدة على وجه جماعات التأسلم السياسي، في وقت كان فيه هدير العنف يشتد ويكتسح مساحات هائلة في عالمنا العربي والإسلامي، وستتسارع الوتيرة بصورة مجنونة وصولًا إلى ما حدث في 11 سبتمبر، بعد صدور الكتاب بعامين فقط. وستبرز القيمة الناقدة والمسائلة للمفاهيم التي يروج لها دعاة العنف والدم؛ وعلى رأسها فكرة الخلافة الإسلامية.

عناصر متطرفة- أرشيف

سيثبت الكتاب من خلال إيراد الوقائع التاريخية، وتحليلها في سياقها الثقافي والاجتماعي، أن الخلافة أمر دُنيوي تمامًا وغير مرتبط بالدين الإسلامي؛ مجرد نظام من أنظمة السلطة، ينتج عن سياقات محددة ليؤدي وظيفة محددة؛ ولذا فقد كان الخلفاء مجرد بشر يصيبون ويُخطئون وهم يمارسون فعلًا دنيويًّا محددًا هو ممارسة السلطة والحكم بكل ما يعنيه ذلك من عنف مادي ومعنوي، وبكل ما يغري به من استبداد وترف وطغيان.

اقرأ أيضًا: تقرير دولي: تركيا دولة ترعى الإرهاب من أجل استعادة الخلافة العثمانية

ولقد أثبت تاريخ المسلمين فشل تجارب الخلافة الإسلامية السُّنية والشيعية على السواء، وبأيدى مؤرخين مسلمين ثقات في نظر مَن يؤمنون بموثوقيتهم، في العصور الوسطى، وفي العصر الحديث ممن كتبوا عن وقائع الخلافة، وأحداثها، وممن كتبوا عن خفايا بلاطات هذه الخلافات، وعن انشقاق الشعوب الإسلامية، في دول مسلمة، عن جسم دولة الخلافة؛ هربًا بدينهم ودنياهم معًا من القهر الخلافي ومظالمه، وتحقيقًا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، واستغلالها لثرواتها، وعائد عملها وعرقها. وكتبوا عن وقائع مفزعة لخلفاء القهر في حكم الشعوب، وفي صراعات هؤلاء الخلفاء بعضهم مع بعض، ومع أمرائهم وولاتهم وعمالهم.

يقول فياض: “ومع ذلك يسعى سفهاء العقل، والذين لم يستفيدوا من دروس التاريخ، وتجارب الخلافات الإسلامية، إلى عودة نظام الخلافة، وهم يعلمون أن مثالب هذا النظام في إدارة أمور الدنيا، تطغى على أحلام الحالمين”.

هذا كتابٌ شديد الأهمية والقيمة جاء في وقته تمامًا، وطبعة جديدة منه تحقق هذا الغرض أيضًا؛ ليكشف بل يُعَرِّي جماعات التأسلم السياسي، استنادًا إلى التاريخ المكتوب، وبالوقائع المؤلمة التي يتكرر بعضها في زمننا الراهن بحذافيره وقتامته ووحشيته.. وكأن أحدًا لا يقرأ ولا يتعلم.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة