الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
كتاب “المؤمن الصادق” للكاتب الأمريكي إيريك هوفر
نُشر لأول مرة في سنة 1951، وقام بترجمته الأديب السعودي الراحل غازي القصيبي.

كيوبوست
قراءة: عبدالرحمن النقبي
غازي القصيبي، في أثناء قراءته للكتاب كان يبحث عن جواب لسؤاله “لماذا يُصبح الإرهابي إرهابيًّا؟”، ووجد ضالته في هذا الكتاب.
يُعزي هوفر سبب انضمام الإنسان إلى الحركات الجماهيرية؛ بما فيها المتطرفة، إلى الشعور بالإحباط. فالمحبط يرى عيبًا في كل ما حوله ومَن حوله، وينسب مشكلاته إلى فساد عالمه، ويتوق إلى التخلص من نفسه المحبَطة وصهرها في كيان جديد. وهنا يجيء دور الجماعة الثورية الراديكالية التي تستغل ما ينوء به المحبَط من مرارة وكراهية وحقد، فتُسمعه ما يشتهي أن يسمع، وتتعاطف مع مظالمه، وتقوده إلى الكيان الجديد الذي طالما حنّ إلى الانصهار فيه.

من هذا اللقاء الحاسم بين عقلية الفرد المُحبَط الضائع وعقلية القائد الإجرامي المنظّم، ينشأ التطرُّف، ومن التطرُّف ينبت الإرهاب.
يرى الكاتب أن الحركات الجماهيرية تشترك في صفات رئيسية تخلق بينها نوعًا من الشبه العائلي. كما تُولِّد الحركات الجماهيرية كافة، في نفوس أتباعها استعدادًا للموت وانحيازًا للعمل الجماعي، وجميعها يُولِّد التطرف والكراهية وعدم التسامح ويطلب من أتباعها الإيمان الأعمى والولاء المطلق.
إن الحركات الثورية، كما يعتقد هوفر، هي أداة من أدوات التغيير، ووجود الحماسة والانفعال ضروري لتحقيق تغيير كبير وسريع، وكانت الحركات الدينية في الماضي إحدى هذه الوسائل؛ حيث كان الإسلام عند ظهوره حركة تنظيمية وتحديثية. أما في العصور الحديثة فأصبحت الحركات ذات طابع ثوري وقومي.
اقرأ أيضًا: هل ينجح شيوخ الزهد في مواجهة خطاب الموت والتطرف؟
التذمُّر وحده غير كافٍ لإحداث تغيير، لذلك تحتاج الجماهير المتذمرة إلى الإحساس بالقوة، وأنها تمتلك قوة لا تُقهر لإحداث تغيير، ومن المهم إيجاد أمل لها تُقاتل من أجله ويُشعل فيها جذوة الأمل، مع جهلها التام بما قد يعترضها من عقبات.
تُعتبر الكراهية من أهم عوامل نجاح الحركات الجماهيرية في سبيل استقطاب عناصرها وتوحيد صفوفها، فالحركة الجماهيرية كما يقول هوفر، لا تبدأ أو تنتشر دون الإيمان بالشيطان. أحد أبرز الأمثلة على استغلال عامل الكراهية هو ما قام به هتلر في توحيد صفوف الألمان ضد اليهود. وعندما يبدأ المتطرف بممارسة العنف ضد خصومه، فهو لا يفعله لسحق خصومه بل لتقوية إيمانه في عقيدته الجديدة؛ وهو الأمر الذي قامت به المسيحية في سبيل نشر تعاليمها.

تجذب الحركات الجماهيرية أولئك الذين يودُّون التخلص من أنفسهم نهائيًّا والتضحية بها في سبيل الحركة التي ينضوون تحت رايتها، وذلك بسبب شعورهم بأن أنفسهم ميتة وميؤوس منها. لذا تكون رغبته الأساسية هي الهرب من نفسه وطمس ذاته والذوبان في العمل الجماعي؛ لكي ينسى نفسه فيه. فاليأس الذي تسببه البطالة لا ينبع من خوف الفقر فحسب، وإنما من مواجهة مستقبل من الفراغ، لذلك ينزع العاطلون إلى اتّباع مَن يبيعونهم الأمل، في حين أن الفقراء فقرًا مدقعًا يرهبون محيطهم ولا تراودهم رغبة في التغيير.
يرى هوفر أن متى ما التحق الناس في حركة جماهيرية، فإنهم على استعداد للانتقال إلى حركة أخرى قد تكون مُعادية للأولى. ويستشهد بذلك تحوُّل “شاؤول” كاره المسيحيين، إلى بول المسيحي الصادق. يقوم بعض الحكومات أيضًا، متى ما اقتضى الأمر، بضرب الحركات ببعضها الآخر؛ للتخلص من أكثرها خطورة.
اقرأ أيضًا: في صعوبات تعريف التطرف
إن مسرح التاريخ يُمثله طرفان؛ الصفوة من جانب، والغوغاء من جانب آخر، دون أن يكون هناك تأثير لمَن يقعون في الوسط. لذلك يُعتبر المنبوذون والمهمشون وقود التغيير في الأمم على مر التاريخ.
تُعتبر الحركات الجماهيرية، حسب هوفر، الملجأ الآمن لمرتكبي المعاصي وأصحاب السوابق؛ حيث يرون فيها مكانًا مثاليًّا لتطهير أنفسهم من ذنوبهم وآثامهم وبمثابة باب الخلاص. لذلك تسعى الحركات لتنمية الشعور بالذنب لدى هؤلاء الأتباع.
لا تكتفي الحركات الجماهيرية بتصوير الحاضر على أنه بغيض وبائس؛ بل إنها تسعى عامدةً لجعله على هذا النحو. لذا، فعندما يخسر المرء حياته فهذا يعني أنه لا يخسر سوى الحاضر الذي لا يعني له كثيرًا، وما الأهداف غير الواقعية التي تضعها الحركات الجماهيرية لنفسها إلا جزء من حملتها ضد الحاضر.

وسيلة أخرى لتحقير الحاضر هي تمجيد الماضي، وهو ما يُرى بشكل جلي في الحركات الدينية المتطرفة التي تعيش على عظمة الماضي.
يرى هوفر أن فاعلية العقيدة لا تنبع من مضمونها؛ ولكن من عصمتها من الخطأ، وأنها وحدها تحتوي على الحقيقة الكاملة. لذلك ليس من المهم فهم المؤمن للعقيدة بل الإيمان بها دون تدقيق أو تمحيص، وصُنع عقيدة في منزلة تفوق منزلة المنطق تشلّ حركة الذكاء عند الفرد. وعندما يؤمن المتطرف بعقيدة أو قضية ما، فليس بالإمكان إبعاده عن قضيته بالمنطق والنقاش؛ لأنه يخشى أنصاف الحلول. ورغم صعوبة إقناعه بالتخلي عن قضيته المقدسة؛ فإنه لا يُمانع بالقفز إلى قضية أخرى مقدسة. وعندما يجد المتطرف نفسه بلا قضية، فإنه لا يستطيع أن يعيش حياة فردية مستقلة، وسرعان ما يبحث عن قضية أخرى.
اقرأ أيضًا: الرومانسية والتطرف اليميني
الكاتب لا يغفل أهمية دور المثقف في تكوين الحركات الجماهيرية وبث الروح فيها؛ لذلك من الصعب أن تنجح حركة ثورية دون دعم الطبقة المثقفة المؤثرة. لذا، تُحاول الحكومات الواعية ضم هذه الطبقة إلى صفوفها؛ لتقليل احتمال ظهور حركات معارضة مستقبلًا.
في النهاية، يؤكد الكاتب أمرًا مهمًّا وهو أن الحركات الجماهيرية بعد توليها الحكم تمنح حريات أقل من التي كانت موجودة في عهد النظام القديم. كما أن مصير المثقف في الغالب لن يكون أفضل مما جرى للنظام القديم. وعندما يغيب عن المتطرفين الأعداء الخارجيون، يبدؤون في معاداة بعضهم بعضًا.
اقرأ أيضًا: فرص مكافحة التطرف وتحدياته
باختصار، الحركة الجماهيرية يُخطط لها رجال الكلمة، ويظهرها إلى حيز الوجود المتطرفون، ويُحافظ على بقائها الرجال العمليون.