الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
كارولا راكيتي.. عندما تصارع امرأة أمواج البحر وعواصف السياسة

كيوبوست
“بشرتي بيضاء، لقد نشأت في بلد غني، ولديَّ جواز السفر الصحيح، درست في ثلاث جامعات مختلفة، وأنهيت دراستي وعمري 23 عامًا؛ لكنني أرى أن ما أقوم به هو التزام أخلاقي لمساعدة الأشخاص الذين لم يتمتعوا بنفس ظروف الحياة التي أتمتع بها”.
بهذه الكلمات بررت كارولا راكيتي، ما قامت به وهي في طريقها إلى موطنها ألمانيا، بعد خروجها من إيطاليا؛ حيث أوقِفت من قِبَل السلطات، وكانت مهددةً بالسجن ثلاث سنوات؛ إثر قيامها بإنقاذ أربعين مهاجرًا إفريقيًّا كانوا على وشك الغرق قرب السواحل الليبية، ونقلتهم حتى سواحل لامبيدوزا الإيطالية؛ متحديةً خفر السواحل الإيطاليين الذين أعاقوا طريقها؛ فاضطرَّت إلى صدم مركب الشرطة والمضي قدمًا.. الأمر لم يرق كثيرًا لوزير الداخلية الإيطالي اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، الذي وصفها بـ”الشيوعية الألمانية”، ونصحها قبل رحيلها بـ”البقاء في ألمانيا وتوفير جهدها لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن”.
مَن هي كارولا راكيتي؟
هي قبطانة ألمانية، تبلغ من العمر واحدًا وثلاثين عامًا، تعود أصولها إلى شمال ألمانيا، وتتحدث أربع لغات. بدأت راكيتي في قيادة سفينتها “Sea-Watch 3” منذ عام 2016، لكنها عملت أيضًا مع منظمة “Pilotes Volunteers” غير الحكومية، والتي تقوم بعمليات بحث عن قوارب متعثرة قبالة سواحل ليبيا.
تقوم راكيتي بعمل ما زال مقصورًا على الرجال إلى حد كبير في أوروبا؛ فمن بين مئة سفينة متداولة في العالم من هذا النوع هناك امرأة تقود واحدة منها.
لكن كارولا راكيتي هي قبل كل شيء ناشطة بيئية، تطوَّعت في الرابطة الفرنسية لحماية الطيور؛ حيث كتبت أطروحة مهتمة بحماية الحياة البحرية، ويُعرف عن كارولا نشاطها البحري منذ فترة طويلة؛ إذ أبحرت في المحيط المتجمد الشمالي على متن باخرة تتبع “السلام الأخضر” (Greenpeace).
شيئًا فشيئًا، تحوَّل نشاطها من أجل البيئة إلى التزام اجتماعي؛ ما دفعها إلى تكريس عطلاتها للقيام بمهام في البحر المتوسط مع المنظمة الألمانية غير الحكومية “Sea-Watch”، قبل أن تكرِّس حياتها بالكامل لهذه المهمة الإنسانية.
وهي ناشطة أيضًا ضد سياسات الاتحاد الأوروبي؛ خصوصًا توجهات اليمين المتشدد في إيطاليا الذي يستهدف، منذ العام الماضي، مراكب وسفن إنقاذ المنظمات الإنسانية في البحر الأبيض المتوسط.
بداية صعبة
يعود تاريخ مهمتها الأولى إلى صيف عام 2016. في ذلك الوقت كانت السفن التي تشرف عليها منظمات إنسانية في أوروبا معتمدة من قِبَل الاتحاد الأوربي، وتعتبر دعمًا إضافيًّا لعديد من السفن العسكرية الإيطالية والأوروبية الناشطة في عمليات الإنقاذ قبالة السواحل الليبية.
كانت أولى الصعوبات التي واجهتها راكيتي في البحر، كما تقول، هي تلك المآسي التي تخلفها حوادث الغرق في الزوارق المطاطية، كما في إحدى المرات عندما لم يتمكن رجال الإنقاذ من إيجاد سوى عدد قليل من الناجين وسط الجثث المبعثرة بين الأمواج، وكما حدث عندما عانقت صبيًّا صغيرًا فقد والده للتو.. قصص عذابات المهاجرين هي ما شحذت عزيمة راكيتي للمضي قدمًا في هذا الطريق.
بالنسبة إلى راكيتي إنها مسألة مبدأ: “هناك أسباب كثيرة قد تجعلك في موقف صعب، نقص رجال الإنقاذ أو عدم توفُّر المراكز الطبية أو وجود خلل في التشريعات والقوانين، المهم أنه يتعين عليك إنقاذ أي شخص يحتاج إلى المساعدة في عرض البحر، وتنتهي مهمتك عندما يصل هذا الشخص إلى مكان آمن”.. لكن منذ أن تولَّت الحكومة الشعبوية السلطة في يونيو 2018 في إيطاليا، لم يعد هذا المكان الآمن مضمونًا.
دعم لا محدود
كانت ردود الفعل الأوروبية الداعمة لكارولا فورية، كما لو أن الأوروبيين؛ خصوصًا أولئك المتعاطفين مع قضية الهجرة، قد شعروا بالاشمئزاز وهم يشاهدون لسنوات حطام سفن المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط ، ورأوا في ما تقوم به هذه المرأة الكرامة التي تفتقر إليها حكوماتهم.
الفيلسوف والمفكر الفرنسي المعروف برنارد هنري ليفي، قال عنها: “كارولا راكيتي شجاعة ومثيرة للإعجاب، تحية لهؤلاء العاملين في مجال البحار”. وفي غضون أيام قليلة، أصبحت راكيتي بطلة ورمزًا للدفاع عن القيم الإنسانية. ورغم كل الصعاب؛ فإنها تمثل الآن شعارًا لنُبل عمليات الإنقاذ البحري، والمرأة الحديدية التي استعادت شرف القارة الأوروبية المفقود بعد سقوط نحو 20 ألف مهاجر غرقوا على أبوابها منذ عام 2014، وهو أمر دفع بلدية باريس إلى الكشف عن أنها ستمنح كارولا راكيتي وزميلة لها قلادة مدينة باريس؛ لكي تؤكد دعمها للنساء والرجال الذين ينقذون المهاجرين يوميًّا.