ثقافة ومعرفةمجتمع

“كاروشي”.. تقتل آلاف اليابانيين سنويًا

ما الذي يدفعهم إلى العمل حتى الموت؟

كيو بوست –

باتت ثقافة العمل الصارمة في اليابان تقتل الآلاف في كل عام. هذه الثقافة التي تعرف اصطلاحًا باسم “كاروشي” أي “اعمل حتى الموت”، أصبحت ذات قلق حقيقي، ومشكلة قومية تعاني البلاد منها، وعرفت بالمرض الجديد لليابان. ودفع هذا الأمر أصحاب الاختصاص لاتخاذ خطوات عملية وجدية في سبيل إنهائها. فعلى ماذا تقوم هذه الثقافة؟  

 

العمل حتى الموت

نتيجة “لعشق” نسبة كبيرة من اليابانيين للعمل، أو حتى دول أخرى كالصين على سبيل المثال، يؤدي بهم الأمر إلى العمل حتى الإدمان، وهذا ما يتسبب بالموت المفاجئ نتيجة لأعراض عدة منها التوتر، والحرمان من الطعام، وقلة النوم، والإجهاد، وسوء التغذية والضغط؛ إذ شخصت النسبة الأكبر من هذه الحالات إما بالسكتة الدماغية أو توقف القلب الناتج عن الإجهاد.

في حين أن الانتحار نتيجة الإرهاق يلعب دورًا كبيرًا أيضًا؛ فهناك ما يقارب 93 موظفًا أقدموا على الانتحار من مارس 2014 وحتى مارس 2015، وهذه الحالات هي ما رصدتها الحكومة، وقررت حينها صرف تعويضات لأهالي الضحايا.

في المقابل، أكد ناشطون ضد “الكاروشي” أن الأرقام المعلنة هي أدنى بكثير من الواقع، فهناك أعداد كبيرة من الأشخاص تعرضوا للموت المفاجئ خلال العمل ولم يعلن عنهم.

نحو ربع الموظفين في اليابان تقريبًا، يعملون أكثر من 80 ساعة إضافية في الشهر الواحد، ما يؤدي إلى مقتل حوالي 2000 شخص سنويًا.

وبحسب بعض التقارير، فإن ثقافة “العمل حتى الموت” قد نتجت بعد اندلاع الحرب العالمية، في مساعي من الحكومة من أجل إنعاش اقتصاد البلاد.

 

عش حياة ذات قيمة

يقول البعض إن سر هذه الثقافة يكمن في فكرة أن السعادة في أن يعيش المرء حياة ذات قيمة ومغزى، التي تعرف بالمفهوم الياباني “إيكيغاي”، وهو ما يدفع اليابانيين إلى الاستيقاظ في كل صباح لتحقيق أهدافهم والسير في ركب الحياة.

وبحسب دراسة أجريت في عام 2010 حول ماذا يعني “إيكيغاي” بالنسبة لليابانيين، أجاب 31% من أصل 2000 شخص من النساء والرجال، أن هذا المفهوم يقتصر على العمل فقط.

وبحسب كتاب شهير بعنوان “حول مفهوم الإيكيغاي” نشر في 1966 للمؤلف الطبيب النفسي “مايكو كامايا”، ورد أن هذا المصطلح يشبه إلى حد ما مفهوم السعادة، إلا أن الفارق بينهم أن الإيكيغاي، يسمح لك بأن تتطلع لمستقبل مشرق، حتى وإن كانت ظروفك بائسة وتعيسة، مضيفًا أن هذا المفهوم يرتبط بأهداف الحياة اليومية، إذ أن اليابانيين يعتقدون أن أوقات الفرح القليلة التي يحصلون عليها خلال يومهم، ستؤدي في نهاية المطاف إلى حياة أكثر رغدًا وسعادة.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد لليابانيين دافع لأن يكونوا “نافعين” في مجتمعهم وللآخرين، وأن ينالوا احترام زملائهم، في ظل ثقافة تفوق العمل الجماعي على الفردي.

فبحسب دراسة أجراها آدم جرانت من كلية وارتون للإدارة في جامعة بنسلفانيا، جاء أن أكثر ما يحفز العاملين هو القيام بعمل يؤدي إلى سعادة الآخرين، وأن يقابلوا أشخاصًا تأثروا بعملهم، لذلك يركزون على الاجتهاد في مساعدة الأشخاص من حولهم، كالمتطوع في الأعمال الخيرية.

 

دور الحكومة

تعهد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في عام 2017، بإجراء إصلاحات في ميزان العمل والحياة، وذلك عن طريق تقييد ساعات العمل الإضافي. كما قامت الحكومة اليابانية في خطوة هي الأولى من نوعها بنشر قائمة تضم اسم 300 شركة انتهكت قوانين العمل، على أمل أن تساعد هذه الخطوة في إنهاء المخالفات وتفادي الوفيات وحالات الانتحار.

 

استغلال الشركات

في الوقت ذاته، تحاول الشركات الاحتيال على القيود التي تفرضها الحكومة اليابانية على ساعات العمل الطويلة، كتشجيع الموظفين على تزوير فترات عملهم الإضافي.

في المقابل، هناك بعض الشركات تحاول التقليل من “الكاروشي”، وذلك باتباع عدد من الأساليب، كإجبار الموظفين العاملين لوقت متأخر في الليل على سبيل المثال، على ارتداء قبعات محرجة بلون أرجواني، عليها طائرات صغيرة.

كما قامت بعض الشركات بالتفكير في أساليب جديدة لإخراج الموظفين من أماكن العمل، كتشجيع العمل من المنازل، وبعضها اتبع نظامًا لقطع التيار الكهربائي في الساعة 7:30 مساءً لإجبارهم على التوجه لمنازلهم.

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات