الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
قيس سعيّد.. قانوني “بلا برامج” هزم الماكينات الحزبية

كيوبوست – خاص
قيس سعيّد الرئيس التونسي الجديد، مثَّل المفاجأة المدوية للنخبة السياسية في البلاد؛ فهو من الأسماء التي اكتشفها التونسيون في فترة ما بعد ثورة 14 يناير 2011؛ وهي الفترة التي شهدت طفرة إعلامية وسياسية وعرفت ظهور كثير من الشخصيات السياسية والحقوقية والإعلامية في سياق النقاش السياسي الذي ارتفع نسقه، فبزغ نجمه بحضوره التليفزيوني المتواتر للتعليق على النقاش حول الدستور والنظام الانتخابي.
اقرأ أيضًا: نتائج الانتخابات التشريعية بتونس تضع “النهضة” في ورطة
وجد فيه التونسيون شخصية طريفة ومختلفة في الوقت نفسه.. إنه خبير في القانون الدستوري، وضليع في اللغة العربية، وهادئ الطباع، وصاحب مواقف رصينة وتدخلات غير متشنجة، يمتلك لغةَ تعبير جسدي حازمة وصلبة، وتماسكًا فكريًّا ومهنيًّا مثيرًا.
وسعيد الذي لم يقُم بأية حملة جدية، واقتصر عمليًّا في الدور الأول من الانتخابات على جولات مع بعض أنصاره في مدن مختلفة والمقاهي دون أي اجتماعات شعبية ضخمة أو لافتات دعائية، ودون أية ميزانية ضخمة؛ مثل ميزانيات عديد من الأحزاب، ودون حتى الحضور المكثف في الإعلام.. استطاع أن يلتقي مع تطلُّع عدد واسع من الناخبين الراغبين في صورة رمزية لمرشح متعفف بسيط، وأن يلقَى دعمًا واسعًا؛ خصوصًا من طلبة الجامعات، مردِّدًا أن ترشحه يخلو من الوعود الواهية والتعهدات التي لا يمكن تحقيقها، قائلًا: “أنا لا أبيع الوهم للشعب التونسي، وبرنامجي الذي أعلنته واضح؛ وهو أن الشعب هو مصدر السلطات، والدستور يجب أن يكون قاعديًّا، ولا توجد ما تسمى دولة مدنية ولا دينية”!
استقلالية مشكوك فيها
أثارت مسألة استقلاليته كثيرًا من الجدل؛ خصوصًا على إثر إعلان حركة النهضة دعمها التام ومساندتها له في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية ودعواتها أنصارها إلى التصويت له؛ الأمر الذي جعل عددًا من المتابعين يشككون في هذه الاستقلالية، وهو الذي عُرف بعدم انتمائه إلى أي طرف سياسي قبل الثورة أو بعدها؛ بل كثيرًا ما أكد أنه ناقم على الأحزاب التي يرى أن عهدها “أفلس وولَّى”، وأن السلطة “ستكون بيد الشعب الذي يقرر مصيره ويسطِّر خياراته”، وهذا ما أطلق عليه عبارة “الانتقال الثوري الجديد”، أساس شعار حملته الانتخابية “الشعب يريد”.
اقرأ أيضًا: إخوان تونس متورطون بنقل المقاتلين لصالح تنظيم داعش عبر قطر وتركيا!
موجات من التشكيك في “ثورجيته” انطلقت قبل تقديم سعيّد ملف ترشُّحه؛ حين تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ما يشير إلى أنه التقى عددًا من الأسماء المثيرة للجدل في البلاد، تُعرف بقربها ودفاعها عن التيار السلفي المُتطرف، وأنه التقى القيادي بحزب التحرير الذي يُنادي بالخلافة رضا بالحاج، إلى جانب عدد من الوجوه الأخرى التي تُعرف بأنها تدور في فلك حركة النهضة الإسلامية والتيار السلفي المُتطرف؛ مما خلَّف انطباعًا بأنه غير بعيد عن دائرة تنظيمات الإسلام السياسي، أو على الأقل يلتقي معها كثيرًا في سياقات “الخط الثورجي”.

خطاب ثوري
واستطاع سعيّد أن يكسب صوت الناخب التونسي، الذي فقد ثقته في السياسة والسياسيين وتناحرهم المتواصل على الكراسي والمكاسب.. دغدغ مشاعرهم ووعدهم، معلنًا تعففه عن السلطة والقصور والمآدب الفاخرة. ويطرح في أكثر من مداخلة وجهة نظره الخاصة حول الدور الاجتماعي المكفول للدولة تجاه أبنائها، مؤكدًا أنه سيكون “موظفًا لدى الدولة” إذا تم انتخابه رئيسًا.. “أنهي عملي وأعود إلى بيتي.. سأنهي العهد مع القصور والسيارات الفارهة”.
أطلق عليه البعض “رجل المبادرات والمخارج القانونیة بامتیاز”؛ فما من مسألة إلا ويجد لھا سعیّد مخرجًا قانونیًّا ينم عن سعة دراية وثقافة قانونیة واسعة، فقد أطلق سعیّد مبادرة تُعرف بمبادرة “صلح جزائي” بین رجال الأعمال المتھمین بالفساد في عھد النظام السابق والدولة التونسیة، وذلك في إطار التسريع بتفعیل قانون العدالة الانتقالیة وإرساء مشروع محاسبة يعود بالنفع على المجموعة الوطنیة.
اقرأ أيضًا: في الاستثمارات القطرية في تونس.. فتش عن حزب النهضة
وتتمثل فحوى المبادرة في أن يدفع كل رجل أعمال متورط في الفساد أو تأخَّر عن سداد المعالیم الجبائیة للدولة، غرامات تُدفع إلى الخزينة العامة عوضًا عن سجنه أو تحجیر السفر علیه .كما اقترح في وقت سابق خلال الأزمة السیاسیة الخانقة التي مرَّت بھا البلاد مبادرة التأسیس الجديد للخروج من الأزمة يتم بموجبھا إنشاء مجلس وطني تشريعي منتخب من نواب محلیین من داخل الجھات؛ يتكون من 264 عضوًا، شرط أن يكونوا مسؤولین أمام منتخبیھم لا أمام السلطة المركزية لأحزابھم.
لكنه يبدو في جانب آخر شخصية “غريبة ” في آرائه ومواقفه؛ منها عودته إلى إعادة هيكلة النظام السياسي برمّته أو ما سمّاه بـ”رؤية مغايرة للحكم والتنمية”، وهو الذي صرَّح في أحد لقاءاته الإعلامية بأنه سيلغي الانتخابات التشريعية في حال فوزه، والحال أنه يُدرك تمامًا دائرة الصلاحيات المحدودة التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية؛ لا سيما أنه يفتقد حزامًا حزبيًّا أو كتلة برلمانية بما يكفل القدرة على المناورة وشبك تحالفات لتفعيل الحد الأدنى مما يُبَشِّر به.