الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
قناة إسطنبول.. مغامرة أردوغانية غير محسوبة العواقب
يثير إنشاء القناة الجديدة مخاوف بيئية عديدة وغضباً داخلياً في تركيا لا سيما من قِبل العسكريين المتقاعدين

كيوبوست
متحدياً الانتقادات والتحذيرات البيئية من مخاطر المشروع، يعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، توجيه حكومته للبدء في شق قناة إسطنبول الجديدة في الجانب الأوروبي من المدينة؛ لتكون ممراً ملاحياً موازياً لمضيق البوسفور.

المخططات الأولية للقناة الجديدة تشير إلى أنها بطول 45 كم، وعمق 21 متراً، وعرض يصل إلى 350 متراً. وتقول تركيا إن القناة الجديدة التي ستتكلف 9.2 مليار دولار تقريباً ستخفف حركة الملاحة في مضيق البوسفور -أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً- حيث يصل إجمالي السفن العابرة في المضيق سنوياً إلى نحو 30 ألف سفينة.
اقرا أيضاً: كتاب فرنسي جديد يتساءل: إلى أي مدى ستذهب تركيا أردوغان؟
وحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن الطاقة الاستيعابية للمضيق تبلغ 25 ألف سفينة سنوياً، وأن القناة الجديدة ستنهي الازدحام والتكدس، وستمنع وقوع حوادث مماثلة على غرارِ ما حدث في قناة السويس مؤخراً.

غضب عسكري
وتعتزم تركيا عدم إخضاع القناة الجديدة لاتفاقية مونترو الدولية الموقعة عام 1936، والمتعلقة بالملاحة في المضايق بالمنطقة، مع تحصيل رسوم على السفن العابرة، وذلك على غرار قناتَي بنما والسويس؛ لكنّ عسكريين متقاعدين من البحرية التركية وقعوا عريضة طالبوا فيها بعدم المساس بالاتفاقية، وهو ما أدى إلى توقيف 11 منهم، واتهامهم بالسعي لقلب نظام الحكم.


غالبية العسكريين الذين تم توقيفهم جرى إخلاء سبيلهم، حسب المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، والذي يقول لـ”كيوبوست”: إن المسألة معقدة من الناحية القانونية في ما يتعلق بالبيان الذي وقعوه؛ فهم مارسوا عملاً سياسياً برتبهم العسكرية السابقة، وإذ ما أرادوا الانخراط في العمل السياسي بالداخل التركي فالمجال موجود؛ سواء من خلال الأحزاب السياسية أو البرلمان.
وأضاف أوغلو أن البيان اعتبر بمثابة محاولة لتأليب الرأي العام بالداخل التركي؛ خصوصاً مع وجود خلاف في الداخل على القناة الجديدة، وكثير من التفاصيل الخاصة بها، مؤكداً أن توقيع العسكريين على البيان قد يؤدي إلى حرمانهم من الامتيازات والمخصصات المالية التي يحصلون عليها بعد تقاعدهم.
اقرأ أيضاً: انتهازية أردوغان في التعامل مع أقلية الأويغور المسلمة تثير القلق
لكن المحلل السياسي التركي جواد غوك، يرى أن بيان العسكريين جاء للتحذير من تداعيات إلغاء العمل باتفاقية مونترو على الاستقرار في المنطقة؛ لا سيما أن هذه الاتفاقية سبق أن وفرت حماية لتركيا خلال الحرب العالمية الثانية، وإلغاء العمل بها ستكون له تبعات كبيرة على الاستقرار في منطقة البحر الأسود.
وهو ما يشير إليه فراس أوغلو؛ حيث إن إنشاء القناة الجديدة سيحدث حالة من التوتر المنضبط مع روسيا على وجه التحديد، لكون القناة لن تخضع للاتفاقية في حركة مرور السفن، مؤكداً أن العلاقات الروسية- التركية تشهد مصالح مشتركة باستمرار.

وتضع الاتفاقية المكونة من 29 بنداً، قيوداً على حركة مرور السفن من وإلى البحر الأسود، خلال أوقات السلم والحرب، وتشترط أن تكون تركيا على علم مسبق بموعد مرور السفن الحربية لدول حوض البحر الأسود، وأن لا تزيد حمولة السفن على 15 ألف طن، وعدم السماح بمرور أكثر من 9 سفن لنفس الدولة في وقتٍ واحد، فضلاً عن تحديدها فترة الوجود القصوى للسفن الأجنبية بثلاثة أسابيع فقط.
اقرأ أيضًا: أردوغان يحكم قبضته على المشهد السياسي في ألمانيا
اعتراضات بيئية
ورغم أن المشروع موجود كفكرة منذ نحو 10 سنوات؛ فإن عملية تنفيذه تواجه اعتراضات من خبراء البيئة، بسبب ما يوصف بالمخاطر المحتملة نتيجة حفر القناة التي ستخترق مناطق الغابات المتبقية بإسطنبول، وما ستؤديه من إدخال مياه البحر الأسود الملوثة إلى بحر مرمرة؛ وهو ما سيحدث خللاً بالنظام البيئي، وفقدان حياة بيئية فريدة قبالة شواطئ العاصمة، حسب تقرير جمعية حماية الطبيعة التركية الصادر عام 2018 والذي أجرى دراسات معمقة حول المشروع.

ما سبق يؤكده جواد غوك، لافتاً إلى أن إنشاء القناة يحمل مخاطر بيئية متعددة، وسيؤدي إلى تدمير مناطق بها مياه صالحة للشرب؛ وهو الأمر الذي سيضر إسطنبول بشدة، ولن يكون في صالح المدينة وسكانها، مؤكداً أن جميع الأطروحات المقدمة من النظام تتجاهل بشكل شبه كامل التحذيرات البيئية، ولا تقدم معلومات كافية عن التعامل معها.
ويقدر تقرير جمعية حماية الطبيعة مساحة الغابات والأراضي الصالحة للزراعة، والتي ستتم إزالتها من أجل القناة الجديدة، بنحو 66 ألف هكتار؛ غالبيتها في الجزء الشمالي من المدينة، بجانب الأضرار التي سيسببها المشروع من نقص المياه؛ حيث يتوقع أن تؤدي تسريبات من القناة لمكامن المياه الجوفية في إسطنبول إلى زيادة نسبة الملوحة في المياه العذبة، بما سيؤثر على نسبة المياه الصالحة للشرب.
اقرأ أيضًا: في تركيا.. اقتصاد يرزح تحت الركود والنساء أُوْلَى ضحايا الأزمة
ورغم الأزمات التي تحيط بالاقتصاد التركي، وتراجع النمو والناتج المحلي الإجمالي؛ فإن الرئيس التركي متحمس لتنفيذ المشروع ووضع حجر أساسه الصيف المقبل، ما يطرح تساؤلات عدة حول الجدوى الاقتصادية من المشروع الجديد، وهو ما يفسره فراس رضوان أوغلو، في ختام حديثه، باحتمالية وجود شراكات مع شركات عالمية؛ للدخول في مفاوضات حول عملية التكلفة والإنشاءات، حيث جرت بالفعل مفاوضات سابقة مع كوريا الجنوبية قد يتم إحياؤها، أو تتم الاستعانة بشركاتٍ أخرى من خلال المناقصة العالمية التي يفترض أن تطرح للمشروع.