الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
قلعة “غازي عنتاب” الشاهدة على صمود المدينة دمرها الزلزال الأخير
تعاقبت عدة حضارات على القلعة التي سيطر عليها العرب والسلاجقة والمماليك والصليبيون والأيوبيون وأخيراً العثمانيون

كيوبوست
تعرضت قلعة غازي عنتاب التاريخية إلى أضرار جسيمة، بفعل الزلزال المدمر الذي ضرب، صباح الإثنين، جنوب تركيا وشمال سوريا، ووصف بأنه “أكبر زلزال تشهده تركيا منذ قرن على الأقل”؛ إذ بلغت قوته 7.8 درجة في كهرمان مرعش، وراح ضحيته آلاف القتلى والجرحى.
وأظهرت صور ولقطات لقلعة غازي عنتاب، أجزاء من جدرانها الحجرية منهارة بجانب الحصن. بينما ذكرت وكالات أنباء أن الزلزال دمَّر بعض الأجزاء الشرقية والجنوبية من القلعة، وأن أنقاضاً من القلعة تناثرت على الطريق، كما انهار الدرابزين الحديدي المحيط بالفناء وسقط على الأرصفة المحيطة، إضافةً إلى الجدار الاستنادي المجاور للقلعة، كما أُصيبت جدران القلعة بتصدعات كبيرة.
اقرأ أيضاً: آيا صوفيا.. القلب النابض للعالم المسيحي الأرثوذكسي
تاريخ القلعة
بُنيت أجزاء من قلعة غازي عنتاب ذات الشكل الدائري غير المنتظم، على صخرة طبيعية فوق تل بارتفاع نحو 25 متراً في وسط مدينة غازي عنتاب الحديثة، في القرن الثاني قبل الميلاد خلال الإمبراطورية الحثية؛ نسبة إلى الحثيين، وهم شعب أناضولي، واستخدمت القلعة كنقطة مراقبة.

بينما أخذت القلعة شكلها الحالي خلال الحكم الروماني؛ فقد شيَّد الرومان المبنى الرئيسي من القلعة في القرنَين الثاني والثالث، واستخدموه للمراقبة أيضاً. في حين تم توسيع القلعة وتعزيزها في القرن السادس الميلادي، خلال فترة الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول، الذي أطلق عليه لقب “مهندس القلاع”، عندما أمر بإضافة تحصينات؛ بما في ذلك اثنا عشر برجاً على طول جدران القلعة. كما أحاط البيزنطيون القلعة بخندق مائي، يتم عبوره من خلال جسر يصل إلى بوابة القلعة الرئيسية.
اقرأ أيضاً: قلعة “وندسور”.. أقدم قلعة مأهولة في العالم
وتعاقبت عدة حضارات على القلعة، فقد سيطر عليها العرب والسلاجقة والمماليك والصليبيون والأيوبيون الذين رمموا القلعة، وأخيراً العثمانيون. بينما أُعيد بناء أجزاء من القلعة في عام 1557 من قِبل سليمان القانوني.
مرافق وآثار
وتضم القلعة مرافق عديدة اكتشفت خلال حفريات؛ منها حمام وغرفة بخار يرجعان إلى العهد العثماني، ومسجداً له مخطط مستطيل اكتُشف عام 2000م، وخنادق عثر فيها على آثار تؤرخ للحضارات التي تعاقبت على المنطقة، كشظايا فخارية تعود إلى حقبات مختلفة، ابتداء من العصر الإسلامي إلى البيزنطي، وصولاً إلى العثماني، وشظايا معدنية ورصاص وأساور ومصابيح وعملات بيزنطية وعثمانية، وعظام حيوانات.

وفي عام 2020م، اكتشفت أنفاق تحت القلعة، كان يُعتقد سابقاً أنها غير موجودة وجزء من أسطورة، إلا أن علماء اكتشفوا ما يقرب من كيلومتر واحد من الأنفاق تحت الأرض، وخلال عمليات تنظيف الأنفاق عثروا على صلبان منحوتة على الجدران، يُعتقد أنها تعود إلى العصر الروماني.
متحف الدفاع والبطولة
وتعتبر القلعة شاهداً على بسالة سكان المدينة في وجه المستعمر؛ ففي نهاية الحرب العالمية الأولى، احتلت قوات الحلفاء إسطنبول ومساحات واسعة من تركيا، وسيطر البريطانيون في عام 1919م على مدينة غازي عنتاب، وكان اسمها حينها عنتاب، ثم انسحبوا لصالح الفرنسيين، بينما أظهرت عنتاب مقاومة شديدة في وجه الغزاة بقيادة شاهين بك، خلال حرب الاستقلال التركية؛ ما أجبر القوات الفرنسية على الانسحاب منها في عام 1921م، وتقديراً للمقاومة الباسلة التي قدمها سكان المدينة، أضاف مؤسس الدولة التركية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، كلمة “غازي” بمعنى “محارب” قبل عنتاب؛ ليصبح اسم المدينة “غازي عنتاب”.

وجرى تحويل القلعة إلى متحف مفتوح للجمهور، اسمه متحف “غازي عنتاب للدفاع والبطولة”؛ يستعرض مقاومة السكان المحليين، إذ يضم المتحف تماثيل نصفية لرجال لعبوا أدواراً مهمة في المقاومة؛ أسماؤهم مذكورة تحت كل تمثال، كما تفصِّل لافتات أدوارهم المختلفة في القتال، إلا أن القلعة لم تنجُ من القتال الأخير ضد الطبيعة.