الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
قطر وحماس.. خلافات مالية وتوقعات بانسحاب وشيك

كيوبوست – غزة
تمر العلاقات بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحليفها الأكبر في المنطقة النظام القطري، بأسوأ مراحلها رغم محاولات الأولى التستر على التوتر والخلافات المتصاعدة بين الجانبَين على خلفية مواقف سياسية مرتبطة بإسرائيل، ومشروعات اقتصادية حيوية تنفذها الدوحة في قطاع غزة.
بداية التوتر الذي ظهر للعلن كانت حين تحدَّث الإعلام العبري عن قرار قطري رسمي بتقليص نسبة المدفوعات التي تُخصَّص لشراء الوقود لتشغيل شركة الكهرباء في غزة إلى النصف؛ الأمر الذي سارعت “حماس” إلى نفيه في ظل تكتُّم من الطرف القطري حتى اللحظة، في وقت أشعل فيه رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة، السفير محمد العمادي، غضب الفلسطينيين؛ ومن بينهم حركة حماس بتصريحات وُصِفت بـ”الصادمة” حول المصالحة وإعمار غزة والتبادل التجاري مع مصر، الشهر الماضي.
اقرأ أيضًا: حماس “تقاوم” غزة
وقال العمادي، في تصريحات أدلى بها إلى قناة “الجزيرة”: “لا يوجد أمل في تحقيق السلام بين الفصائل الفلسطينية، وبين الفلسطينيين مع إسرائيل في المستقبل القريب، وإن كثيرًا من الناس والأحزاب محليًّا وفي المنطقة يستفيدون ماليًّا وسياسيًّا من إبقاء غزة في حالة من النسيان”، على حد قوله.
التوغل القطري في غزة
وتقدر قيمة الأموال القطرية التي تُصرف لغزة و”حماس” منذ بدء العلاقات القطرية- الحمساوية علنًا في عام 2012، والتي سبق لـ”حماس” أن رفضتها، بنحو مليار دولار، وحتى الوقت الحالي، وزادت بعد الأزمة المالية التي تمر بها “حماس” عقب انطلاق مسيرات العودة، والتي أسفرت عن عدم دفع رواتب موظفي الحكومة الموازية في غزة، فضلًا عن زيادة أزمة الكهرباء.

ولعل آخر الخلافات المالية بين “حماس” وقطر ظهر بعد إلغاء مشروع زراعي كان من المقرر تنفيذه في قطاع غزة، ووَفق الخطة حسب ما كشفت عنها الإذاعة الإسرائيلية، فإن “حماس” خصَّصت أرضًا تقع بملكية السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، لصالح تنفيذ مزرعة في غزة لزراعة الخضراوات عالية الجودة، على أن يستثمر العمادي أموالًا قطرية في تنفيذها، إلا أن خلافًا ماليًّا بين المندوب القطري العمادي و”حماس” أدَّى إلى إلغاء المشروع الذي كان من المفترض أن تستفيد منه عائلات فلسطينية؛ حيث أراد العمادي تسويق المنتجات في الخارج على أساس أنها علامة تجارية قطرية على الرغم من أنها من مزروعات الأراضي الفلسطينية؛ وهو ما يكشف عن السعي لاستغلال الأراضي الفلسطينية بغرض الربح، بعد أن حاول الترويج لنفسه وكأنه يقدم مساعدات إلى الفلسطينيين.
أدوار وهمية خطيرة
وأضاف العمادي، في تصريحاته الصادمة: “غزة تستورد منتجات بقيمة تزيد على 45 مليون دولار من مصر شهريًّا؛ تحصل المخابرات المصرية والجيش المصري على نحو 15 مليون دولار؛ بسبب العمولات التي تقوم بها على المنتجات الرئيسية المستوردة، مثل الوقود والسجائر وغاز الطهي، بينما تجني (حماس) نحو 12 مليون دولار من الضرائب المفروضة على الواردات”.
اقرأ أيضًا: بتوافق الرؤى: قطر تخدم أهداف إسرائيل في اتفاق التهدئة مع حماس.
تصريحات العمادي التي فجَّرت معها موجة غضب فلسطينية فصائلية وشعبية عالية، رغم أنها أزاحت الستار عن العلاقات الحقيقية بين “حماس” والدوحة، وكشفت فعليًّا عما يحاول الطرفان إخفاءه عن الفلسطينيين؛ فإنها في الوقت ذاته وضعت تساؤلًا يُطرح بقوة في الساحة الفلسطينية، إن كانت تلك المواقف والتصريحات تمهِّد لخروج قطري آمن وتدريجي من قطاع غزة، والاستغناء عن حركة حماس.
سياسيون ومحللون فلسطينيون، أجمعوا في أحاديث خاصة إلى “كيوبوست”، أن تصريحات العمادي الأخيرة كشفت عن وجه قطر الحقيقي في التعامل مع قطاع غزة والملفات الفلسطينية الأخرى المرتبطة بإسرائيل، معتبرين ما جاء على لسان العمادي تدخلًا غير مقبول في الشؤون الفلسطينية ستكون له نتائج “مقلقة للغاية”.

عضو المجلس الثوري لحركة فتح، الدكتور يحيى رباح، توقَّع أن تشهد العلاقات بين حركة حماس وقطر المزيد من التوترات خلال الفترة المقبلة، كون الجانبَين تُحركهما لغة المصالح الخاصة قبل أية قضية أخرى.
وأضاف رباح، في تصريح خاص أدلى به إلى “كيوبوست”: “تصريحات العمادي الأخيرة حول المصالحة وقطاع غزة واستفادة (حماس) بـ12 مليون دولار من البضائع التي تدخل قطاع غزة المحاصر، تعد مؤشرًا قويًّا على توتر العلاقات وكشف ما يحاول الطرفان إخفاءه عن الناس”.
محاولات إرضاء إسرائيل وإيران
عضو المجلس الثوري لحركة فتح ذكر أن “حماس” تريد أن ترضي الأطراف كافة؛ من بينها إسرائيل وإيران وغيرهما، ويبدو أن هذا الأمر لا يعجب قطر كثيرًا؛ فبدأت علامات التوتر تظهر من خلال تصريحات العمادي ومواقف الدوحة الأخيرة.

وأشار رباح إلى أن “حماس” بالنسبة إلى دولة قطر قد تكون جسرًا للمرور به نحو إسرائيل، معتبرًا ما يجري على الساحة الفلسطينية من قِبَل الدوحة مجرد أدوار وهمية أكبر من حجمها سيقودها إلى مسارات خاطئة متحكمة بقوى خارجية أمريكية وإسرائيلية.
وفي المقابل، حاول السفير القطري تبرير ما قاله، معتبرًا أن تصريحاته فُهمت بشكل خاطئ، قائلًا، في بيان: “إن هناك في غزة انهيارًا شبه كامل في القطاعات كافة، وعلى كل المستويات، والأوضاع تشير إلى حدوث انفجار مجهول النتائج، يتخوف منه الجميع، فلا شيء يخسره المواطن الغزي”.
ويلعب العمادي دور السفير القطري بين إسرائيل و”حماس”، وقد عمل فترة طويلة على ترسيخ تفاهمات التهدئة وقدَّم أموالًا إلى “حماس” ونُفذت مشروعات اقتصادية كبيرة في القطاع من أجل ذلك.
اقرأ أيضًا: كاتب إسرائيلي: لهذه الأسباب دعمت إسرائيل إنشاء حماس.
انسحاب قطر من غزة
“التوترات المتصاعدة التي ظهرت مؤخرًا بين قطر وحركة حماس قد تقود فعليًّا نحو خروج تدريجي للدوحة من قطاع غزة”، كما يقول الكاتب الفلسطيني والمحلل السياسي طول عوكل.
ويبرر عوكل رؤيته في تصريحات خاصة أدلى بها إلى “كيوبوست”، بقوله: “العمادي هاجم (حماس) ومصر، وكان هناك اتهام صريح لتلقِّي الطرفَين أموالًا مقابل إدخال البضائع، وهذه تصريحات سيكون لها ردود فعل فلسطينية ومصرية وحتى قطرية بالانسحاب التدريجي من قطاع غزة”.
وأضاف الكاتب الفلسطيني والمحلل السياسي: “الدور القطري في قطاع غزة سياسي وموجه وله أهداف خفية كثيرة ومتشعبة، والهجوم على الأطراف المصرية والفلسطينية وامتداح العلاقات مع إسرائيل، ما هي إلا بداية لكشف هدف الدور القطري على الساحة الفلسطينية، ورفع الستار عن كل ما يُخفى حول هذا التحرُّك”.
وحذَّر عوكل من أن يكون التصعيد القطري على غزة والانسحاب التدريجي المرتقب منها جزءًا من محاولات الضغط على الفلسطينيين؛ لتمرير سياسات أخرى خطيرة.
من جانبه، يقول د.إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة: “بعد أن أنجزت قطر مهمتها كعرّابة للانقسام ومسؤولة عن تدجين (حماس) بشكل متدرج؛ وهي المهمة التي بدأها وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، منذ عام 2004، وواصلها السفير العمادي، هي تريد الآن تبرئة نفسها”.
وأضاف أبراش: “قطر تريد أن تبرِّئ نفسها مما آلت إليه الأمور من تكريس للانقسام وإفشال وتسخيف للمقاومة ورهن مستقبل قطاع غزة بالأموال القطرية، وتريد تحميل أطراف أخرى المسؤولية؛ كالسلطة الفلسطينية ومصر”.
وتابع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة: “هذا مغزى التصريحات الأخيرة للعمادي، وهي تصريحات تنذر بأيام صعبة قادمة على غزة وبورطة كبيرة ستواجهها حركة حماس؛ خصوصًا إن كشف العمادي مستور الأموال القطرية التي تسلمتها حركة حماس وما مقابلها”.