الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

قضية آنا نيتريبكو

كيوبوست – ترجمات

خافيير هيرنانديز 

بين عشيةٍ وضحاها، تحولت نجمة الأوبرا الروسية آنا نيتريبكو من واحدة من أشهر نجوم الموسيقى الكلاسيكية في العالم إلى شخصيةٍ منبوذة. في أعقاب غزو أوكرانيا، قالت نجمة السوبرانو إنها تعارض الحرب، ولكنها رفضت انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كانت تدعمه منذ فترة طويلة.

تم إلغاء حفلات نيتريبكو في ميلانو وزيوريخ وهامبورغ، وألغت دار “ذا ميت أوبيرا” عقودها لمدة موسمين معها، وحذرت من أنها قد لا تعود أبداً. وبعد أكثر من شهرين من الانقطاع قدَّمت النجمة حفلاً في كازينو مونتي كارلو كان بمثابة خطوة لترميم حياتها المهنية. تم استدعاء نيتريبكو في اللحظة الأخيرة، بعد أن أصيب المغني بفيروس كورونا، وتعثرت محاولتان لإيجاد بديل له.

لقيت نيتريبكو ترحيباً حاراً وبالكثير من التصفيق والهتاف في نهاية أدائها. بعد الحفل عادت مع زوجها إلى فندق دي باريس مونتي كارلو، حيث قالت إنها تعرضت للكثير من الانتقادات في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك في روسيا، بعد أن قالت إنها تعارض الحرب. وقالت: “لقد أطلقوا النار عليّ من كلا الجانبين”.

اقرأ أيضاً: المقاطعة الثقافية لروسيا.. ضغط سياسي أم خسارة إنسانية؟  

دفع ظهور نيتريبكو الأخير الصحفي خافيير هيرنانديز إلى كتابة مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” يلقي فيه الضوء على قضية نجمة السوبرانو العالمية، وعلى السؤال غير المريح الذي يواجه العديد من المنظمات الثقافية بشأن كيفية التعامل مع الفنانين الروس، وخاصة أولئك الذين أعربوا عن دعمهم للرئيس الروسي أو الذين تربطهم به علاقة قوية.

يشير هيرنانديز إلى أن اسم نيتريبكو ظهر في قائمة تؤيد انتخاب بوتين في عام 2012. ويقول إنها تحدثت عنه بحماسة كبيرة خلال السنوات الماضية، ووصفته بأنه “رجل جذاب للغاية”. وقالت لوكالة أنباء روسية إنه “من المستحيل التفكير في رئيس أفضل لروسيا”. ومن جهته أمطر الرئيس بوتين نيتريبكو بالثناء والجوائز على مرِّ السنين، وأرسل لها في سبتمبر الماضي رسالة بمناسبة عيد ميلاها الخمسين، وصفها فيها بأنها “فخر روسيا”. وقد تلا هذه الرسالة السكرتير الصحفي لبوتين أثناء الحفل الذي أقيم بمناسبة عيد ميلادها في قصر الكرملين.

آنا نيتريبكو في الحفل الذي أقيم بمناسبة عيد ميلادها الخمسين في الكرملين- أرشيف

قبل الحرب في أوكرانيا كانت نيتريبكو في أوج حياتها المهنية، وهي الآن تأمل في إقناع الأوساط الثقافية بالنظر إلى ما هو أبعد من علاقتها ببوتين. وقد تعاقدت مع شركة علاقات عامة لهذا الغرض، وتضغط على دور الأوبرا والمسارح للسماح لها بالمشاركة، كما تقدمت بشكوى ضد دار ميت للأوبرا التي لا تزال تصر على مقاطعتها بسبب علاقتها مع الرئيس الروسي.

ولكن في المقابل، أعلنت بعض المؤسسات الأوروبية التي ابتعدت عن نيتريبكو، في وقتٍ سابق، عن خطط لإعادة التعامل معها، وقد غنَّت النجمة في أواخر مايو الماضي أمام حشودٍ متحمسة في باريس وميلانو، ولاقت إقبالاً كبيراً من الجمهور والصحافة. على الرغم من وجود بعض المحتجين الذين تظاهروا خارج قاعة فيلهارموني دي باريس احتجاجاً على حفلها.

اقرأ أيضاً: لويس بوينو لـ”كيوبوست”: آثار العقوبات على روسيا لن تظهر فوراً

مع بداية الحرب في أوكرانيا، بدأت نيتريبكو تتعرض لضغوطٍ كبيرة للتنديد بالغزو، وفي 26 فبراير نشرت بياناً يعارض الحرب، لكنها عبرت فيه عن امتعاضها من الضغوط التي تُمارس عليها، حيث قالت: “إن إجبار الفنانين على التعبير علناً عن آرائهم السياسية، والتنديد بوطنهم، هو أمر خاطئ”.

ومع اشتداد الحرب اتصل المدير العام لدار ميت، وطلب منها إدانة بوتين، ولكنها رفضت طلبه، وقالت له إنه يجب عليها الوقوف إلى جانب بلدها. كما أوضحت نيتريبكو في مقابلة مع صحيفة “دي تسايت” الألمانية موقفها، وقالت إنها لن تنتقد بوتين “إنه لا يزال رئيس روسيا، وأنا ما زلتُ مواطنة روسية، ولا يمكنني فعل شيء من هذا القبيل”.

يُعرف عن نيتريبكو أنها تتبنى إلى حد كبير نظرة بوتين القومية، وتم التقاط صور لها وهي ترتدي شريط سان جورج باللونين الأسود والبرتقالي الذي يرمز للجيش الروسي، وقميصاً قطنياً يحمل عبارات تحتفل بالنصر في الحرب العالمية الثانية.

آنا نيتريبكو تغني على مسرح أوبرا دي مونتي كارلو- نيويورك تايمز

ويُذكر عنها أنها قالت في مقابلة عام 2009 مع صحيفة روسية حكومية: “أنا دائماً أؤيد روسيا بشكلٍ لا لبس فيه”. لكنها في الأيام الأخيرة كانت تسعى للنأي بنفسها قليلاً عن بوتين، وقالت في مقابلةٍ الشهر الماضي مع صحيفة “لوموند” الفرنسية إنها لم تصوِّت في انتخابات 2018. كما ألغت حفلاتها في روسيا، وتوقفت عن الحديث في السياسة على موقع إنستغرام، وفي أواخر مارس أصدرت بياناً نأَت فيه بنفسها بشكلٍ واضح عن بوتين، وقالت فيه إنها “لم تكن متحالفة مع أي زعيم لروسيا”، ولكنها تجنبت انتقاد بوتين بطريقة مباشرة.

وربما يكون هذا النهج قد كلفها بعض الشعبية في روسيا، إلا أنه نجح في إعادة التواصل مع بعض المؤسسات الفنية في أوروبا، وفي إقامة حفلاتٍ لها في مونتي كارلو وبرلين.

قال جان لوي غريندا، مدير دار أوبرا دي مونتي كارلو إنه يشعر بالارتياح إلى تصريحات نيتريبكو التي تعارض الحرب، ووصف بيانها بأنه كان “واضحاً جداً بهذا الشأن”. وأعرب ماتياس شولز، مدير أوبرا برلين الذي يخطط لاستضافتها في خريف 2023 إن نيتريبكو بدَت متألمةً من الغزو خلال مكالمة فيديو استمرت أربعين دقيقة، وقال: “استطعت حقاً أن أرى أنها تعاني في ظلال هذا الوضع”. وأوضح أنه لا يرى أنه من المناسب أن يطلب منها أن تنأى بنفسها عن بوتين بالنظر إلى المخاطر التي قد تواجهها كونها مواطنة روسية.

اقرأ أيضاً: انقسام في إيطاليا بسبب حرب روسيا وأوكرانيا

وقبل حفل مونتي كارلو اجتمعت نيتريبكو مع المسؤولين في دار الأوبرا لمناقشة ما يجب فعله في حال وقوع أعمال شغب، وقالت إيلينا ماكسيموفا، عازفة الميزو ومغنية السوبرانو التي شاركت في العرض: “كانت آنا مستعدة لتلقي أي رد فعل سلبي من الجمهور، ولكن الجمهور استقبلها كملكة”.

وفي بداية الحفل صرخ رجل بصوت عالٍ بشأن الحرب في أوكرانيا، فتوقفت نيتريبكو وابتسمت، وحافظت على هدوئها، بينما أطلق الجمهور صيحات الاستهجان على الرجل الذي سرعان ما غادر المسرح.

المصدر: نيويورك تايمز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة