الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

قضايا بنيوية تعرقل مكافحة الإرهاب في جزر المالديف

كيوبوست- ترجمات

أديتيا جودارا شيفاميورث♦

تُشتهر جزر المالديف بكونها وجهة سياحية شهيرة، وتواجه تحديًا قد لا يعرفه الكثيرون يتمثل في التطرف. إذ يوجد في الدولة أكثر من 1,400 متطرف، كما أن لديها أعلى رقم قياسي في العالم للمقاتلين الإرهابيين الأجانب، نسبة إلى عدد السكان. وفي ظلِّ تزايد الوعي بهذا التحدي، اتخذت جزر المالديف العديد من المبادرات المؤسسية والفنية والقانونية في السنوات الأخيرة لمعالجة المشكلة. ومع ذلك، فإن إصلاحاتها لا تزال أقل بكثير من التحديات البنيوية المحلية الأوسع نطاقًا التي تغذِّي التطرف. ففي الواقع، تسهم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، بشكلٍ مباشر وغير مباشر، في تحديات التطرف التي تواجه الدولة، بل وتزيد من تأجيجها.

إدراكًا منها لهذه التحديات، اتخذت جزر المالديف العديد من المبادرات المؤسسية والفنية والقانونية في السنوات الأخيرة. ومنذ عام 2014، انتهجت سياسة عدم التسامح مطلقًا مع الإرهاب والتطرف العنيف. وتواصل باستمرار تعديل لوائحها القانونية لمراقبة الإرهاب والتطرف. في هذا الصدد، أنشأت المالديف قبل عامين، في أكتوبر 2020، أول مركزٍ وطني لإعادة الإدماج لإعادة تأهيل وإعادة دمج المقاتلين الإرهابيين الأجانب وأفراد أسرهم مرة أخرى في المجتمع. وفي مايو 2022، وافقت الحكومة على إعادة بعض النساء والأطفال المالديفيين من سوريا، وإعادة تأهيلهم.

إضافة إلى ذلك، بدأت المالديف تعاونًا متعدد الأطراف مع منظمات مثل الإنتربول ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومؤخرًا مع مؤتمر كولومبو للأمن. وعلى الصعيد الثنائي، سعَت إلى الحصول على مساعدة مالية ولوجستية وفنية من كندا والهند واليابان والولايات المتحدة. كما بدأت مناورات عسكرية ومكافحة الإرهاب مع بعض هذه الدول. كما بدأ الاتحاد الأوروبي في إظهار المزيد من الاهتمام. في عام 2020، قدم الاتحاد الأوروبي لجزر المالديف 2.5 مليون يورو لزيادة التنسيق والقدرة المؤسسية والقدرة على الصمود في الدولة الجزرية لمنع الإرهاب ومكافحته.

اقرأ أيضًا: هل تتحول جزر المالديف إلى مركز للجماعات الجهادية؟!

ومع ذلك، فإن هذه التدابير لا تكفي للتصدي للتحديات البنيوية الأساسية التي تغذي التطرف في الدولة. لذلك، تهدف هذه المقالة إلى توضيح خطوط الصدع البنيوية في جزر المالديف من خلال تسليط الضوء على المشكلات الرئيسة.

المشهد السياسي

يُسهم المشهد السياسي في المالديف، منذ فترة طويلة، في تحدي التطرف الذي تواجهه الدولة. فلقد بدأت التفسيرات المتشددة للوهابية تتجذر في جزر المالديف في فترتي السبعينيات والثمانينيات. شهد نظام عبد القيوم الاستبدادي (1978-2008) ترقي العديد من النخب المتعلمة في الخارج لشغل مناصب رفيعة في الحكومة. وأدّت محاولته لحشد الشرعية من خلال تسييس الدين إلى بعض السياسات التي لا تزال تؤثر على النسيج الاجتماعي للدولة. وبموجب قانون حماية الوحدة الدينية لعام 1994، أصبح يُحظر ممارسة أي دين غير الإسلام السني؛ وأضحى التعليم الإسلامي إلزاميًا في المدارس؛ وأنشئ مجلس أعلى للشؤون الإسلامية لتعزيز السياسات القائمة على تفسيرات الإسلام.

ومع ذلك، فإن المتشددين الذين كانوا يعظون دون موافقة الحكومة، أو ينتقدون سياسات عبد القيوم، تعرضوا لعقوبات وتعذيب شديدين. وقد خلق ذلك مساحة أكبر للعناصر المتطرفة في الدولة. وقد تسببت سياساته المتعلقة بالسياحة في نشوء معارضة قوية من قبل المحافظين والمتطرفين، خاصة أولئك الذين تلقوا تعليمهم في المدارس الباكستانية. واكتسبت المعارضة المزيد من الشعبية والشرعية في أعقاب الدمار الاقتصادي الذي سببته أمواج تسونامي عام 2004. كما أظهر الهجوم الذي استهدف “متنزه السلطان” في عام 2007، واشتباكات مسجد دار الخير، التحدي المتزايد للتطرف.

عناصر إرهابية- أرشيف

مع ظهور الديمقراطية في عام 2008، بدأ الدعاة المهمشون في نشر أيديولوجيتهم عن طريق المناقشات والمحاضرات. وكثيرًا ما تعامل السياسيون والأحزاب السياسية بشكلٍ سلبي مع هذه التطورات في محاولة للظهور بمظهر أكثر إسلامية، وتجنب وسمهم “بالكفار”.

ففي دولة مسلمة سنية 100%، غالبًا ما يصاحب هذا الوسم تكاليف سياسية مرتفعة. ولكي تبدو الأحزاب الرئيسة أكثر إسلامية، وتتجنب المعارضة الدينية، غالبًا ما تشكّل حكومات أو تتحالف وتتعاون مع الأحزاب المتطرفة مثل حزب العدالة، ومنظمات متطرفة مثل “جمعية السلف” و”المؤسسة الإسلامية في جزر المالديف”.

وقد أدّى ذلك إلى وضع عناصر متشددة في مناصب رفيعة. على سبيل المثال، واصل حزب العدالة إدارة الوزارة الإسلامية منذ انتقالها الديمقراطي. وتعرّضت الحكومات اللاحقة في جزر المالديف للضغط أو التحفيز لانتهاج سياساتٍ تستند إلى تفسيراتٍ متشددة. وقد أسهم هذا في كثيرٍ من الأحيان في زيادة أسلمة الدولة والمجتمع.

اقرأ أيضًا: التيارات الإسلامية في المالديف وتنظيم داعش

اقتصاد قائم على السياحة

لا تزال السياحة أكبر صناعة في جزر المالديف. ففي عام 2020، وعلى الرغم من الأضرار الهائلة الناجمة عن جائحة كوفيد-19، مثّل القطاع 15% من الناتج المحلي الإجمالي و23% من إيرادات الحكومة. ومرة أخرى، يسهم هذا الاعتماد المفرط أيضًا، جزئيًا، في تحدي التطرف الذي تواجهه الدولة.

السياسة السياحية للدولة أفرزت عالمين مختلفين داخل جزر المالديف. بدءًا من فترة ولاية عبد القيوم، أجّرت الحكومة الجزرَ غير المأهولة لأصحاب المنتجعات بغية تعزيز السياحة الدولية. هذه المنتجعات معفاة من اللوائح المحلية الصارمة بشأن استهلاك الكحول ولحم الخنزير، وهي بعيدة جغرافيًا عن السكان المحليين.

وغالبًا ما يُشكِّل سلوك هؤلاء السياح الدوليين وعادات ونمط حياتهم وملابسهم نقطة نقاش للعديد من الجماعات الإسلامية المتشددة التي تنتقد المنتجعات باعتبارها “غير إسلامية”. وقد شجّع ذلك الخطاب الأوسع نطاقًا المتمثل في “الدفاع عن القيم والعادات الإسلامية” التطرف، لكنه نادرًا ما يجعل السياح هدفًا للهجمات المتطرفة.

بالنظر إلى القيمة السياسية والاقتصادية للسياحة، تخضع هذه المنتجعات لرقابة وتنظيم مشددين. وقد أدّى ذلك إلى وجود علاقة بين الطبقة السياسية وأصحاب المنتجعات. ولا يزال العديد من السياسيين البارزين يمتلكون حصصًا في هذه المنتجعات، والعكس صحيح، حيث يُزعم أن أصحاب المنتجعات كثيرًا ما يموِّلون الأحزاب السياسية وحملاتها.

وتشير الأدلة المُتناقلة أيضًا إلى أن أصحاب المصلحة هؤلاء يخفِّفون من الضغط الذي قد يتعرضون له من المتشددين والمحافظين من خلال التبرع بمبالغ كبيرة من المال لقضاياهم.

جزر المالديف- أرشيف

العوامل الاجتماعية-الاقتصادية

علاوة على ذلك، يعكس ازدهار قطاع السياحة في المالديف انقسامًا اجتماعيًا واقتصاديًا أوسع نطاقًا. على الرغم من الزيادة الهائلة في اقتصاد الدولة وإيراداتها، يُقال إن 5% فقط من أغنياء جزر المالديف يسيطرون على 95% من الثروة. ولا يزال العديد من المواطنين يعيشون في أماكن مزدحمة ويتحملون نفقات إقامة عالية، ويعانون من الفساد والجريمة.

وهناك أيضًا فجوة تتسع بين الشباب المتعلم وسوق العمل. وتشير دراسة استقصائية بحثية ميدانية إلى أن الأفراد يشعرون بخيبة أمل في الحكومة. وهذا بدوره أسهم في خسارة التحوّل الديمقراطي، ما يجعلهم عُرضة للمجندين المتطرفين الذين يسعون لإقناعهم بفكرة تطبيق الشريعة، والقتال من أجلها، في أماكن أخرى. هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية تدفع الأفراد للمشاركة في الجريمة والعصابات والاتجار غير المشروع.

وهنا أيضًا توجد علاقة قوية بين السياسيين والمجرمين والعصابات والمتطرفين. وكثيرًا ما تستأجر الأحزاب السياسية مجرمين وعصابات للمشاركة في التجمعات السياسية، ومنع الانتقادات، وتحقيق المصالح السياسية، وحشد الأصوات في الانتخابات. الأفراد المرتبطون بالجريمة وعنف العصابات هم أهداف سهلة للمُجندِين المتطرفين الذين يعدونهم بحياة جيدة وهادفة من خلال الجهاد والدين. كما أن الافتقار إلى الإصلاحات في السجون وإعادة التأهيل يزيد من ضعف هؤلاء المجرمين ومدمني المخدرات أمام من يحاولون تجنيدهم.

الجدير بالذكر أن لدى حوالي 50% من المقاتلين المالديفيين في سوريا نوع من الخلفية الإجرامية. وهناك اتهامات بأن السياسيين سمحوا لهؤلاء المجرمين بالفرار من الدولة والقتال في أماكن أخرى. وفي حالات أخرى، استطاع الأفراد المرتبطون بالجريمة والتطرف الإفلات من العقاب بمساعدة من السياسيين. لذلك، فمن بين 188 حالة، في الفترة ما بين عامي 2014 و2019، بلغ عدد الحالات التي خضعت للمحاكمة 14 حالة فقط حتى الآن.

اقرأ أيضًا: دراسة في التضليل الذي تمارسه التنظيمات الإرهابية

الخلاصة

إن تحدي التطرف الذي تجابهه جزر المالديف متجذر بعمق في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية للدولة، حيث تسهم هذه العوامل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في تحديات التطرف التي تواجهها الدولة، وتستمر أيضًا في تأجيجها بشكلٍ أكبر.

وعلى الرغم من تزايد الوعي والالتزام بالتصدي لهذه التحديات في السنوات الأخيرة، فإن الدولة لم تعالج بعد التحديات البنيوية الأساسية. وللتخفيف من تحديات التطرف، ليس أمام جزر المالديف بديل سوى إدخال إصلاحات بنيوية محلية جذرية، إصلاحات غالبًا ما تأتي بتكاليف سياسية باهظة لصانعي السياسات.

♦باحث في برنامج الدراسات الاستراتيجية في مؤسسة أوبزرفر للبحوث. يركِّز على التطورات الاستراتيجية والأمنية الأوسع نطاقًا داخل جنوب آسيا، وعلاقات الهند مع المنطقة، والسياسة الخارجية لدول جنوب آسيا.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات