اسرائيلياتالواجهة الرئيسيةشؤون دولية
قصة يهود “الفلاشا”.. من رفض الاعتراف بيهوديتهم إلى التمييز العنصري ضدهم

كيوبوست
التمييز العنصري الذي حرَّك شباب يهود “الفلاشا” في المدن الإسرائيلية مؤخرًا، لم يكن وليد لحظة قتل الشاب الإسرائيلي ذي الأصول الإثيوبية، سليمان تيكا، على يد ضابط شرطة، خلال راحته، ولكنه تمييز ممتد على مدى عقود؛ بدأ برفض اعتبار “الفلاشا” من اليهود، بسبب طقوسهم مع إعلان قيام إسرائيل، وصولًا إلى تغيُّر الموقف في السبعينيات وبدء عمليات التهجير من إثيوبيا لأسباب سياسية، ونهايةً بمعاناتهم التمييز السلبي تجاههم.
وحسب كتابات إسرائيلية عديدة، فإن يهود “الفلاشا” أو الإثيوبيين اليهود الذين أصبحوا إسرائيليين، تركوا بيئتهم الريفية الزراعية؛ لينتقلوا إلى بيئة مدنية صناعية. ومن الطبيعي أن لا تؤهلهم البيئة أو طريقة النشأة الإثيوبية للمشاركة بصورة فعالة في الصناعات المتقدمة؛ مما أدى إلى وجود فجوات اجتماعية واقتصادية وعدم مساواة في المعاملة بين يهود إثيوبيا ويهود إسرائيل، لأن يهود إثيوبيا بعد ترحيلهم إلى إسرائيل لم يُخضعهم جهاز التأهيل المهني الإسرائيلي للدورات التأهيلية المناسبة والكافية؛ لإعدادهم حتى يُستوعبوا في المجتمع ويستطيعوا الاندماج مع أفراده، والانخراط في أسواق الإسكان والتعليم والعمل في إسرائيل؛ مما أدى إلى معاناتهم التفرقة العنصرية في إسرائيل من قِبَل يهود إسرائيل الذين يتشابهون معهم في الدين، ويختلفون عنهم في العرق والثقافة والعادات والتقاليد والتاريخ.
وفي دراسة تحليلية حول يهود الفلاشا، نشرتها مجلة بحوث الدبلوماسية السودانية، يقول حماد الرويلي: “إن إسرائيل استفادت من أعداد يهود الفلاشا؛ لتخصص أماكن إقامة لهم في المستوطنات التي تعتبر أمنيًّا حصونًا على الحدود تدافع عن وقف أي هجوم مفاجئ؛ خصوصًا في ظل رفض (الأشكيناز) الاستيطان بها؛ باعتبارها مناطق غير آمنة وعرضة للعمليات الفدائية الفلسطينية، كما تم تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي”.
“الفلاشا” هي كلمة مشتقة من اللفظ العبري “فالاشاه”، وتعني (مَن يهاجر أو يدخل الأرض عنوةً)، وتطلق على اليهود الإثيوبيين الذين أقاموا في منطقة بحيرة تانا، وكانت تشير التقديرات إلى أن أعدادهم تتراوح بين 30 و40 ألف شخص؛ لكن تبقى إقامتهم في هذه المنطقة سببًا في خلاف حول سبب وجودهم، فهناك مَن يقول إنهم من سلالة إمبراطور ملك إثيوبيا منليك الأول، والذي يزعمون أنه ابن الملك سليمان، عليه السلام، من زوجته الملكة سبأ، وهي الرواية الأكثر تداولًا في كتابتهم.
اقرأ أيضًا: مواجهات حادة بين الشرطة ويهود “الفلاشا” في إسرائيل بسبب مقتل مراهق من أصول إثيوبية
ورفض حاخامات اليهود الاعتراف في البداية بيهود الفلاشا كيهود، ومن ثَمَّ لم يتم منحهم الجنسية الإسرائيلية بصورة تلقائية، وهي السياسة التي كانت تعتمدها إسرائيل مع المهاجرين اليهود الوافدين إليها؛ بل إن رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، كانت تعتبرهم أفارقة فقط، وهو الموقف الذي تغيَّر عام 1975 وارتبط بمتغيرات سياسية أكثر منها دينية.

تغيَّر الموقف السياسي الإسرائيلي تجاه يهود الفلاشا، وارتبط بتزايد الهجرة العكسية من إسرائيل في منتصف السبعينيات وتحديدًا بعد حرب أكتوبر 1973، وتراجعت معدلات التدفق لليهود الشرقيين القادمين من أوروبا؛ لتبدأ إسرائيل مع صعود مناحم بيجن إلى منصب رئيس الحكومة، في التحرك من أجل تشجيع يهود الفلاشا على الهجرة إلى إسرائيل؛ للاستفادة منهم.
وكانت بداية عمليات التهجير في عامَي 1976 و1977؛ حيث هجَّرت إسرائيل مباشرةً نحو 121 يهوديًّا من الفلاشا، عبر مجموعتَين على متن طائرات عسكرية مباشرةً من إثيوبيا إلى تل أبيب، بموجب اتفاق إثيوبي- إسرائيلي تضمن مساعدات عسكرية من تل أبيب إلى أديس أبابا التي كانت تواجه اضطرابات داخلية، وبدأت بعدها التصريحات الرسمية من المسؤولين الإسرائيليين عن يهود الفلاشا؛ حيث تم تبنِّي مسألة هجرتهم إلى إسرائيل من قبل اللوبي اليهودي وجماعات الضغط في المجتمع الإسرائيلي للمساهمة في سد النقص العددي الناجم عن تراجع الهجرة.
اقرأ أيضًا: ماذا لو سقطت حكومة نتنياهو وتزعم “غانتس” إسرائيل؟
وتعتبر عملية موسى التي جَرَت عبر السودان خلال الفترة من 1983 حتى 1985، واحدة من أضخم عمليات التهجير الخاصة بيهود الفلاشا؛ حيث جَرَت باتفاقات مع الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، وكُشف عن بعض تفاصيلها بعد الإطاحة به من السلطة في وقت حُدِّدت فيه 6 مسارات لعمليات التهجير؛ من أهمها بالنسبة إلى السودان هو الرحلات التي تمت بشكل سري من مطار الخرطوم ومن مطار العزازة الذي شهد العدد الأكبر من الرحلات عبر طائرات عسكرية، بينما خرج يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى جوبا، ومنها إلى نيروبي التي استقلوا منها الطائرات إلى تل أبيب.
وخرج المئات من يهود الفلاشا من مطار الخرطوم تجاه وجهات أوروبية؛ باعتبارهم في طريقهم لإعادة التوطين بعدة دول، من بينها كندا والولايات المتحدة، لكن الطريق يتغيَّر بعد الوصول إلى الوجهة الأولى كترانزيت؛ ليكون إلى إسرائيل، حيث جرت عملية النقل بشكل بسيط في البداية، ليتم نقل نحو 6 آلاف يهودي بين 1983 و1984؛ ليتم بعد ذلك التوسع في عمليات النقل، حيث نُقل في نحو 3 أشهر فقط نفس العدد عن طريق رحلات جوية من السودان إلى بلجيكا، ومنها إلى إسرائيل؛ تجنبًا لإحراج السودان الذي لا يقيم علاقات دبلوماسية مع تل أبيب.
أما عملية سبأ التي جَرَت حتى أوائل عام 1985، فلم يكن من ضمنها تهجير كهنة الفلاشا وأعداد كبيرة أخرى جرى تهجيرها برعاية أمريكية من السودان؛ خلال عملية أُطلق عليها اسم “عملية سبأ” التي جَرَت بنقل آلاف من يهود الفلاشا من مطار العزازة في مارس 1985، إلى صحراء النقب بطائرات عسكرية أمريكية حملت أعدادًا كبيرة منهم.
كما جَرَت عملية تهجير لنحو 16 ألفًا من يهود الفلاشا مع بداية التسعينيات عقب تفجُّر الأوضاع الداخلية في إثيوبيا خلال الفترة الأخيرة من حكم الرئيس الإثيوبي منغستو؛ حيث جَرَت عملية التهجير على نطاق واسع في عملية أُطلق عليها اسم “جسر سليمان”، وانتهت عام 1991 بدعم أمريكي قوي.
وطبيعة تكوين المجتمع الإسرائيلي تاريخيًّا تؤكد أنه مجتمع قائم على الهجرة؛ حيث تضاعف عدد اليهود قبل الإعلان عن تأسيس الدولة إلى 24 ضعفًا خلال الفترة من 1900 حتى 1948، بعدما تم الاستقرار على أرض فلسطين لإقامة الوطن اليهودي عليها بعد مفاوضات على أكثر من مكان آخر بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ وتحديدًا في الأرجنتين.