
عمد التنظيم الدموي إلى التمثيل بحياة السكان وارتكاب أبشع الجرائم بحقهم، قُتل الرجال وشُرد الأطفال وأستعبدت النساء، وكانت نادية ممن تم استعبادهن جنسيًا من بين فتيات القرية المنكوبة.
نادية مراد التي كانت تعمل في صالون تجميل، فقدت والدتها وأشقاءها، خلال حملة القتل التي شنها التنظيم ضد أبناء قريتها.
من الموصل هربًا إلى ألمانيا
بعد فقدان عائلتها، اقتاد التنظيم نادية مراد وغيرها من الآيزيديات المستعبدات، إلى مدينة الموصل التي كانت تقع تحت سيطرة التنظيم، هناك تم استعبادها جنسيًا لثلاثة أشهر.
عن تلك الأشهر المريعة، قالت مراد لقناة بي بي سي: “تحت حكمهم، المرأة التي تتعرض للسبي تتحول إلى غنيمة حرب، وإذا حاولت الفرار، فإنها تُحبس في غرفة منفردة، ثم يغتصبها الرجال الموجودون في المبنى، وبدوري كنتُ عُرضة للاغتصاب الجماعي”.
وأضافت أنهم “أخذوها إلى مناطق عدة، وباعها مسلحو التنظيم لأشخاص كُثُر، لكنها تمكنت في النهاية من الهرب”.
تمكنت مراد من الهرب إلى ألمانيا، وبدأت الفتاة الوحيدة حياتها من جديد، وخضعت للعلاج من الكابوس الذي عاشته، وأطلقت حملة مناصرة ومؤازرة لآلاف الضحايا الذين تعرضوا لجرائم على أيدي “الدواعش”، كما قادت مع المحامية الحقوقية، أمل كلوني، حملة من أجل محاكمة التنظيم على جرائمه في المحكمة الجنائية الدولية.
وقبل أن تتوج مسيرتها المستمرة بجائزة نوبل للسلام، كانت قد حصلت على جوائز أخرى، منها تتويجها بلقب السفيرة الأولى للأمم المتحدة لضحايا الاتجار بالبشر، وجائزة سخاروف الأوروبية لحرية الفكر، وجائزة فاتسلاف هافيل لحقوق الإنسان.
في كتابها الذي ألفته تحت عنوان “الفتاة الأخيرة”، كتبت نادية عن قصتها: “لكوني ناجية من الإبادة الجماعية تقع على عاتقي الكثير من المسؤولية، كنت محظوظة لأنني نجوت بعد أن قتل أشقائي ووالدتي… إنها مسؤولية كبيرة وعليّ أن أتحملها، دوري كناشطة ليس فقط نقل معاناتي، بل نقل معاناة الكثير من الناس الذين يعانون من الاضطهاد”.
وارتبطت نادية بعد مرور 4 سنوات على مأساة اختطافها من قبل داعش، بعابد شمدين، وهو ناشط أيضًا في الدفاع عن قضية الإيزيديين. وقالت في تغريدة عبر “تويتر” تعليقًا على الارتباط: “لقد جمعنا [أنا وعابد] نضال شعبنا وسنكمل معًا على هذه الطريق”.
مفارقة
نادية مراد الضحية التي أبت أن تنكسر رغم جراحها العميقة، أدخلت نفسها في مفارقة عجيبة، عندما زارت دولة الاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكب الجرائم اليومية بحق الشعب الفلسطيني، ووراءه تاريخ من ارتكاب مجازر لا تقل بشاعة عن تلك التي ارتكبت بحق قرية نادية.
وجهت نادية “مناشدة للشعب الإسرائيلي لكي يقف مع ضحايا داعش”، في مقابلة موثقة بالفيديو العام الماضي. المفارقة أنه في العام 2014، وفي الشهر ذاته الذي تعرضت فيه نادية وقريتها للمأساة على يد داعش، شنت الحكومة الإسرائيلية عدوانًا دمويًا على قطاع غزة المحاصر وقتلت الآلاف من أبنائه، وألحقت دمارًا هائلًا بعشرات الآلاف من المنازل والبنى التحتية.
وفي الفيديو، يظهر متحدثون إسرائيليون يبدون أسفهم لما حدث مع نادية، ويعدون بتقديم الدعم لضحايا قريتها. حكومة هؤلاء المتحدثين، تفرض حصارًا من البر والجو والبحر على قطاع غزة منذ 12 عامًا، إلى أن أعلنت الأمم المتحدة أن القطاع سيكون بقعة غير صالحة للحياة في غضون أعوام قليلة قادمة.
المئات من مرضى السرطان ماتوا في غزة لمنع إسرائيل سفرهم للخارج لتلقي العلاج، كل هذا بذريعة الدفاع عن النفس ومنع قطاع غزة من التسلّح.
وفي الضفة، حيث القبضة العسكرية الإسرائيلية تسيطر على مفاصل الحياة كافة، ينكل الاحتلال بالفلسطينيين يوميًا بفرض حواجز عسكرية أمام تنقلهم، واعتقال العشرات بشكل يومي وطردهم من أراضيهم، بالتعاون مع المستوطنين المتطرفين ممن ارتكبوا جرائم قتل بشعة بحق الفلسطينيين.
ربما وقعت نادية ضحية مرة أخرى، لكن هذه المرة للرواية الإسرائيلية، الأمر الذي أثار تساؤلات المتعاطفين معها على مواقع التواصل الاجتماعي: “تنجو من مجرم وتستغيث بمجرم آخر؟“.
وروى نشطاء فلسطينيون معلومات حول استخدام إسرائيل لاسم نادية مراد، من أجل تلميع صورتها أمام العالم، إذ تعتقد تل أبيب أن استقبال مراد سيدفع العالم إلى تناسي الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية بحق الأسيرات الفلسطينيات.