الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية

قرار الأمم المتحدة باللجوء لمحكمة العدل الدولية بشأن التغيرات المناخية… خطوة للحل أم للتعقيد؟

لا تُعتبر فتوى محكمة العدل الدولية ملزمةً وسط مخاوف من القرار المتوقع صدوره في غضون عامين وانعكاساته على العمل المشترك للحدِّ من آثار التغيرات المناخية

كيوبوست

أثار القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي بأغلبية عددٍ كبير من الدول الأعضاء، تطلب فيه فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول فيما يتعلق بتغير المناخ، العديد من التساؤلات حول جدوى الفتوى المطلوبة من الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة في وقتٍ تتخلف فيه الدول الصناعية عن تنفيذ تعهداتها بشأن التصدي للتغيرات المناخية.

واعتمدت الجمعية العامة القرارَ بموافقة 130 دولة، بعد مفاوضاتٍ وتحركات قادتها جمهورية فانواتو ومبادرة شبابية في المحيط الهادئ، فيما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الفتوى، وإن لم تكن ملزمة، فمن الممكن أن تساعد على “اتخاذ الإجراءات المناخية الأكثر شجاعة وقوة التي تشتد حاجة العالم إليها”.

اقرأ أيضاً: مكافحة تغير المناخ تتطلب نهجاً جديداً عابراً للحدود

نضال مستمر

أحمد توفيق

جاء القرار بعد نضال سنواتٍ من جمهورية فانواتو، ومبادرة شبابية في المحيط الهادئ، كما يقول الدكتور أحمد توفيق، مستشار البيئة والتغيرات المناخية، لـ”كيوبوست”.

ويرى أن القرار لا يعد إقحاماً لمحكمة العدل الدولية أو ضغطاً مالياً على الدول الصناعية، وإنما رسالة قوية ورمزية تفتح نافذة للمرة الأولى بشأن أثر تغير المناخ على البلدان حول العالم باعتبارها من القضايا العابرة للقارات.

وأضاف توفيق أن رأي محكمة العدل الدولية الذي ننتظره بعد عامين سيشكِّل حافزاً لقادة الدول وصناع القرار من أجل اتخاذ إجراءات أقوى وأكثر جرأة لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية.

وأشار إلى أن القرار سيضع الدول عند مسؤولياتها، وسيكون له وزن قانوني إلى جانب الوزن الأخلاقي.

عبد المسيح سمعان

يدعم هذا الرأي، أستاذ الدراسات البيئية في جامعة عين شمس، د.عبدالمسيح سمعان، الذي يؤكد أن القرار قد يكون خطوةً صحيحة من أجل الإسراع بتنفيذ التعهدات التي وافقت عليها دول العالم منذ اتفاق باريس 2015 وحتى الآن، والتي -على الرغم من ضآلتها- لم يتحقق الحدُّ الأدنى منها، وفي مقدمتها مبلغ الـ100 مليار دولار الموجهة لمساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية.

من جهته، يرى المسؤول السابق لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، د.هشام عيسى، أن قرار الجمعية العامة “هو والعدم سواء”، ولا يتجاوز الجانب الدعائي غير الواقعي، لكون مناقشة قضايا المناخ تنظمها الاتفاقية الإطارية، التي يتم على أساسها تنظيم مؤتمر المناخ بشكلٍ سنوي، والذي يتوجب أن يطرح عليه الأمر، للحصول على إجماع عليه من جميع الدول، الأمر الذي يتعذر حدوثه فعلياً.

هشام عيسى

وأضاف أن القرارات التي تُتخذ بين الدول الأعضاء البالغ عددها 197 يجب أن تكون بالإجماع، وهو ما يؤخِّر عادة النتائج النهائية في كل قمة تُعقد بشكلٍ سنوي، بسبب خلافاتٍ حول الصياغات، وغيرها من الأمور. وأوضح عيسى أن الالتزام بخفض الانبعاثات الحرارية يجب أن يتبعه التزام بتوفير التمويل اللازم، وهو أمر يصعب تحقيقه من الناحية العملية.

ويلفت إلى أن الشق السياسي يسيطر على مثل هذه النوعية من القرارات، وهو ما يؤدِّي لإطالة أمد التفاوض بالشهور، وربما بالسنوات، من أجل التوصل إلى اتفاقٍ وتطبيقه ودخوله حيز التنفيذ بشكلٍ واضح، في ظل وجود تحفظات ومصالح لدى بعض الدول، لدرجة أن هناك نصوصاً يجري عرقلتها من أجل التوافق على كلمة أو جملة كي لا تتعرض دولة للضرر منها.

شهدت عدة دول فيضانات كبيرة ومفاجئة نتيجة التغيرات المناخية- أرشيف

خلافات جوهرية

وأشار عيسى إلى أن الإحالة لمحكمة العدل الدولية لم تجرِ بالإجماع من الدول الأعضاء في الجمعية العامة، وإنما بالأغلبية، وهو أمر متوقع لكنه يطرح تساؤلاتٍ مهمة عما يمكن أن تقدمه المحكمة في قضية التغيرات المناخية.

 وتساءل: هل تحميل المسؤولية للدول الكبرى سيمكّن الجمعية العامة من توقيع عقوباتٍ على الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى في أوروبا وآسيا؟

يرى عيسى أن الأجدى، بالتالي، هو الدخول في مفاوضاتٍ جادة خلال قمة المناخ المقبلة في دبي من أجل تنفيذ إجراءاتٍ سريعة.

اقرأ أيضاً: ما هو أسوأ من السيناريو الأسوأ لتغير المناخ!

وتتفق رؤية عيسى مع التصريحات التي صدرت عن ممثل الولايات المتحدة، نيكولاس هيل، بالتأكيد على المخاوف من أن تؤدِّي هذه الخطة لتعقيد الجهود الجماعية، مع تفضيل بلاده الدبلوماسية على المسار القضائي الذي من شأنه أن يفاقم الخلافات، وهو نفس ما نقلته وكالة “فرانس برس” عن الخبير في القانون الدولي بجامعة هونج كونج، بونوا ماير، الذي حذر من سيناريو كارثي إذا ما أصدرت المحكمة رأياً واضحاً ومحدداً لكنه مخالف لتمنيات مقدمي الطلب.

التزام أخلاقي

لا يتوقع المستشار أحمد توفيق أن تعمد محكمة العدل الدولية إلى توجيه أصابع الاتهام إلى دولٍ بعينها أو مؤسسات، وتصفهم بالمجرمين، أو تحملهم المسؤولية وتطالبهم بتعويضاتٍ مالية أو التزام مالي وأخلاقي بشأن تغير المناخ، خاصةً وأننا نعرف أن الدول التي تتسبب بأقل انبعاثات من غازات التدفئة هي ضحية تغير المناخ، وبالتالي سيكون هذا الأمر غير مفيدٍ على الإطلاق، إلا أنه يشير إلى أن رأي محكمة العدل الدولية سيساعد المؤسسات القضائية في الدول الغنية والصناعية على وضع المسؤولين والمواطنين أمام مسؤوليتهم.

أما المسؤول السابق لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، هشام عيسى، فيختم حديثه بالتأكيد على أن العدالة المناخية تتطلب منح الدول النامية، الوصول لمرحلة الدول المتقدمة والصناعية، وهو أمرٌ يستحيل تطبيقه من الناحية الواقعية.

ويشير إلى أن محاولات إدخال فكرة الأمن المناخي تحت مظلة مجلس الأمن واجهت الرفضَ من دولٍ عدة مهمة، مثل روسيا والصين والهند، ومن ثم فإن تأثير مثل هذا القرار سيكون هو والعدم سواء.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة