الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

قرارات تعليق العضوية في الاتحاد الإفريقي: محفِّز للسلام أم مساهم في انعدام الأمن؟

كيوبوست- ترجمات

ناتاشا لويس♦ 

تعطي قرارات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية دولٍ مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا والسودان، انطباعًا بأن المجلس يتخذ إجراءات عملية لكبح جماح الحكم غير الدستوري. وفي الوقت الذي يمكن أن يؤدِّي قرار التعليق إلى الضغط على قادة تلك الدول لتوفير حكم أفضل، فإن المجلس لم يكن متسقًا في إجراءاته ضد مثل هذه التغييرات في الحكومات، إذ سمح المجلس باستمرار عضوية تشاد على الرغم من استيلاء الجيش عليها العام الماضي. كما أنه وجد صعوباتٍ في التوصل إلى قرار بعد الانقلاب في السودان، ولم يستطع التصرف بسرعة كما فعل مع الدول الأخرى. هذا ألحق الضرر بمصداقية الاتحاد الإفريقي على نحو خاص.

في هذا الصدد، قالت مارثا آما أكيا بوبي، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون إفريقيا لقسمي الشؤون السياسية وبناء السلام وعمليات السلام، الشهر الماضي: “إذا وقع المدنيون ضحايا لعمليات مكافحة الإرهاب، فإن هذه الجهود لن تؤدي إلا إلى تقويض الثقة في الدولة”. وهذا أمرٌ حسّاس، لأن السكان الضعفاء الذين يعانون من صعوباتٍ اقتصادية و/أو تغيّر المناخ و/أو ضعف الحكم والأمن معرّضون لخطرٍ كبير يتمثل في الانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي تستفيد من عدم الاستقرار هذا.

 اقرأ أيضاً: بين الحرب والحوار.. هل تحقق مقاربة (بازوم) في الساحل ما فشلت فيه برخان؟

وتشير بوبي إلى نقطةٍ مهمة مفادها أن دول المنطقة يجب أن تنحي خلافاتها جانبًا، وتركّز على أهدافها الأمنية المتوائمة. وفي حين يرى العديد من المندوبين والمحللين أن إعطاء الأولوية للتنمية على حساب الأمن ينبغي أن تكون له الأسبقية، فإن المساءلة والمعايير ينبغي أن تكون مصدر اهتمامٍ كبيرًا.

تغذية التطرف

وفقًا للجنة من المحللين، فإن “الحكم الضعيف والاستبدادي يولّد التطرف والإجرام عبر الحدود الوطنية، ويشعل العنف، ويقوِّض الجهود المبذولة لبناء الديمقراطيات”. وفي هذا الإطار، أدّى الصراع بين الاستبداد والتحوّل الديمقراطي في منطقة الساحل على تمدد رقعة التطرف الإسلاموي، بشكلٍ كبير خلال العام الماضي.

مثلث الإرهاب في غرب إفريقيا- بي بي سي

ويعتقد جوزيف ساني، رئيس برامج إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام، أن قرارات التعليق، المذكورة أعلاه، تهدد “بزيادة تقويض التعاون العسكري في مكافحة الإرهاب بشأن منطقة الساحل، ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الذي ساعد في إشعال الانقلابات في المقام الأول”.

ومن المؤكد أن مالي ستواجه المزيد من عدم الاستقرار، وعدم اليقين، بمجرد انسحاب القوات الفرنسية من عملية برخان في الأشهر المقبلة. وقد حذّر رئيس ساحل العاج الحسن واتارا من أن هذا الانسحاب سيخلق فراغًا في السلطة، ومن المعروف أن العديد من الدول التي تواجه اضطراباتٍ تتحول إلى مرتزقة خطرين في مثل هذه الأوقات.

 اقرأ أيضاً: مكافحة الإرهاب في إفريقيا.. هل ثمة حلولٌ جذرية؟

وفي ظلِّ وجود مرتزقة مجموعة فاغنر المدعومين من روسيا، المعروف بارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان في جميع أنحاء إفريقيا، فإن الإرهاب سيتصاعد بالتأكيد في منطقة الساحل. في هذه الأثناء، هناك تنامٍ مستمر في الاستياء ضد فرنسا من خلال المعلومات المضللة، وسوف تستفيد الجماعات الإرهابية من مثل هذه الانتقادات ضد الغرب، وانتهاكات مجموعة فاغنر.

التعهدات غير كافية

شدّدت كارين كانيزا نانتوليا مديرة برنامج المناصرة لإفريقيا، في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، على أنه ينبغي على الاتحاد الإفريقي الوفاء بتعهداته. وأشارت إلى أنه “ليس بوسع القادة الأفارقة إغفال معالجة كيف أن الإفلات من العقاب على الفظائع، التي ترتكبها قوات الأمن الخاصة بهم، يخلق المظالم التي تغذِّي التجنيد من قبل الجماعات المتطرفة”. فلقد وثّقت عمليات القتل غير المشروع بشكلٍ جيِّد في بوركينا فاسو، ودول أخرى على يد مدنييها وجيوشها، خلال عمليات مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فلم يحصل الضحايا على العدالة. ولا شك أن إنكار الاعتراف بمثل هذه الانتهاكات ومقاضاة مرتكبيها هو المحفّز الرئيس لمزيدٍ من عدم الاستقرار، والدعم الشعبي للانقلابات.

إضافة إلى ما سبق، يحتاج أعضاء الاتحاد الإفريقي إلى “معالجة أوجه القصور والقضايا المتعلقة بالفساد والإفلات من العقاب وتحديد فترات الولاية والحاجة إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة”. أحد الحلول التي يشير إليها الخبراء هو أنه ينبغي للاتحاد الإفريقي “تركيز المزيد من الدعم على تعزيز المجتمع المدني والديمقراطية في كل دولة، في فترات ما بين الانتخابات، بدلًا من التركيز بشكلٍ ضيق للغاية، كما فعلنا في الماضي، فقط على الانتخابات نفسها”.

مفرزة من مجموعة فاغنر الروسية في بانغي عاصمة إفريقيا الوسطي- وكالات

هذا اقتراحٌ وجيه لأن العديد من الدول الإفريقية ترتكب هذا الخطأ مرارًا وتكرارًا مع حلول مواسم الانتخابات. فعلى سبيل المثال، لم تطلب الجهات الفاعلة الحكومية والفاعلة في المجتمع المدني في كينيا التمويل إلا مؤخرًا، وأثارت مخاوف بشأن اندلاع أعمال عنف في الانتخابات في أغسطس المقبل.

يجب على مجلس السلم والأمن وغيره من الجهات الفاعلة إيلاء الأولوية باستمرار للتخفيف من مخاطر العنف وقضايا المعلومات المضللة بدلًا من التركيز فقط على الأحداث، عندما يكون الأوان قد فات. وبالتأكيد فإن من شأن بذل جهود منتظمة ومنسقة أن يقلّص من إمكانية حدوث انقلابات فاشلة أو ناجحة.

تحديات جسيمة

في حين أن تعليق عضوية هذه الدول يبدو منطقيًا، فمن الواضح أن مثل هذه الأعمال غير مؤثرة ولا رادعة، لأن الانقلابات لا تزال تحدث بهذا المعدل المثير للقلق. يواجه الاتحاد الإفريقي تحدياتٍ هائلة، وهناك شكوك فيما إذا كان قادرًا على إبقاء التحولات على المسار الصحيح، وما إذا كان التعليق يؤدِّي حقًا إلى ممارسة الضغط المطلوب على هذه الدول.

اقرأ أيضاً: تمدُّد الحركات الجهادية في إفريقيا.. نومُ الحكومات وإغفاءة الغرب!

ففي كثيرٍ من الأحيان، لم يعزِّز المجلس الإدانات اللفظية للانقلابات أو الاستبداد بإجراءاتٍ ملموسة لمعالجة انعدام الأمن الذي يخلق أرضيّة خصبة للانقلابات.

ومن الأخطاء الشائعة في التفاوض خلال هذه الأزمات أن الجهات الفاعلة تركّز في المقام الأول على المدة الانتقالية حتى تُسلم السلطة إلى الحكم المدني، ولكنها تغفل المضمون المتمثل في ضمان تلبية احتياجات المدنيين بشكلٍ صحيح. لذا، يتعين على الجهات الفاعلة أن تبحث بدقة وعناية عن دوافع عدم الاستقرار وتعالجها. وإذا كنا نبحث في المقام الأول عن حلٍّ سريع لتحقيق المصالحة، فإن الأسباب الجذرية ستظل قائمة وتشكِّل خطرًا يُنذر بحدوث المزيد من الانقلابات.

فعالية حوارية مع مفرزة من الجهاديين شمالي مالي- وكالات

إن دعم الحوار بين المجتمع المدني والحكومات هو العنصر الأكثر أهمية في تحقيق السلام والأمن. ومع ذلك، يجب على الاتحاد الإفريقي أن ينظر إلى تاريخ إفريقيا في عمليات السلام المتسارعة التي تجاهلت العديد من الفئات المهمشة. وسيراليون مثال بارز يوضح إشكاليات التحوّل الذي ترك أولئك الذين أصيبوا بصدماتٍ نفسية، ولا سيّما النساء، يواجهون تحدياتٍ نفسية، وإدمان المخدرات، وانعدام الأمن الاقتصادي، وكلها محفّزات رئيسة للتطرف والتجنيد.

الخلاصة

في حين ينبغي على الحكومات مواصلة دعم الحوار المحلي، فإن المفاوضات رفيعة المستوى مع كبار القادة الجهاديين تستحق الاستكشاف كخيارٍ يمكن أن يسفر عن فرص أقوى للسلام.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يصطف في وجه هذه الطُغم العسكرية، وأن يمارس ضغطًا كبيرًا لتنفيذ التغييرات اللازمة في الوقت المناسب. وينبغي للاتحاد الإفريقي أن يساعد في جهود الوساطة في هذه الدول، حتى وإن لم يكن يبدو أن عملية الانتقال ستحدث في المستقبل القريب.

اقرأ أيضاً: بعد الانسحاب الفرنسي.. كيف ستبدو خارطة الإرهاب في مالي والساحل؟

وإذا كان الاتحاد الإفريقي يؤمن حقًا بمهمته المتمثلة في “إفريقيا مسالمة وآمنة”، فيتعين على مجلس السلم والأمن أن يحلِّل الفروق الدقيقة، وأن يعطي الأولوية لتوفير الظروف الأساسية التي تتطلبها المجتمعات المدنية من أجل تشكيل حكومات دستورية قابلة للاستمرار لفتراتٍ طويلة في إفريقيا.

باحثة متخصصة في الشؤون الأمنية العابرة للحدود الوطنية، تركز على حقوق الإنسان والصراعات ومكافحة الإرهاب.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة