الواجهة الرئيسيةحواراتشؤون دولية
قراءة في كتاب “المسيحيون والمواطنة في البلاد العربية”
الثقافة الإسلامية لا يمكن أن تكون تعددية بلا وجود مسيحي

كيوبوست
يتعمق كتاب (المسيحيون والمواطنة في البلاد العربية بين الحقوق والواجبات) في دراسة وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني والقوانين الكنسية والأحوال الشخصية، ويعود إلى تاريخ المسيحية في المشرق العربي ودور الحوار المسيحي- الإسلامي في تعزيز المواطنة والعيش المشترك.
ويعالج الكتاب الصادر حديثاً للمؤلف الأرشمندريت الدكتور بسام شحاتيت، القوانين المتعلقة بالحقوق والواجبات؛ خصوصاً في موضوعات الإرث والمرأة والطفل والتبني والحرية الدينية وحرية الضمير والمعاملة بالمثل.
الكتاب يتحدث عن حقوق المسيحيين وواجباتهم المدنية والكنسية في البلاد العربية
ويتحدث الكتاب عن حقوق المسيحيين وواجباتهم المدنية والكنسية في البلاد العربية التالية: الأردن، فلسطين، منطقة الجليل، لبنان، سوريا، مصر، العراق، كما يسلط الضوء على الوضع القانوني المسيحي في الجزيرة العربية والخليج العربي: المملكة العربية السعودية، الكويت، قطر، الإمارات العربية المتحدة، عمان، البحرين، بالإضافة إلى اليمن؛ وذلك من أجل بناء المواطنة الصالحة التي تسود فيها مبادئ الحقيقة والعدالة والمساواة والحرية.

العمل بالكتاب استغرق ١٣ سنة ليصدر كرسالة دكتوراه لمؤلفه
ويدون الكتاب الذي استغرق العمل عليه مدة ١٣ سنة ليصدر كرسالة دكتوراه لمؤلفه سنة ٢٠١٣، وكتاب باللغة الإيطالية سنة ٢٠٠٧، وبالحلة العربية سنة ٢٠٢١، بطريقة مدروسة وبحرفية يتطرق بها الكاتب إلى الحضارة المسيحية، مشيراً إلى انسجام والتصاق الحضارة المسيحية بالحضارة والثقافة الإسلامية التي لا يمكن أن تكون تعددية بلا وجود مسيحي.
اقرأ أيضاً: حركة شهداء قرطبة.. موتى باسم الدين المسيحي على يد مسلمين
الدعوة إلى استخدام المواطنة بدلاً من مصطلحات دخيلة ونشر الثقافة الصحيحة التي تصب في إطار المساواة والكرامة للجميع
الكتاب الذي يحتوي على خمسة فصول، يؤكد ضرورة استخدام المواطنة بدلاً من مصطلحات دخيلة؛ خصوصاً أننا أمام مرحلة ترغب فيها قوى الشر في زيادة الاحتقان في البلاد العربية، والدعوة إلى مواجهة هذا الاحتقان بالوعي والمواطنة ونشر الثقافة الصحيحة والسلم والإجراءات القانونية التي تصب في إطار المساواة والكرامة للجميع.
ويجد القارئ في فصول الكتاب معالجة للقوانين المتعلقة بالحقوق والواجبات؛ خصوصاً بالنسبة إلى موضوعات الإرث والمرأة والطفل والتبني والحرية الدينية وحرية الضمير والمعاملة بالمثل.

وفي ما يلي نص الحوار الذي أجراه “كيوبوست” مع مؤلف الكتاب الأرشمندريت الدكتور بسام شحاتيت:
* إلى ماذا يتطرق الكتاب وماذا يقدم لمسيحيي الشرق بالتحديد؟
– هذا الكتاب لكل إنسان يحلم بعالم أفضل ويبحث عن الحقيقة والعدالة والمساواة؛ الكتاب يتطرق إلى البحث عن موضوع حقوق المسيحيين وواجباتهم والأحوال الشخصية والحوار الإسلامي- المسيحي من أجل بناء دولة المواطنة، أتمنى أن يكون هذا العمل خطوة إيجابية نحو الأمام لبناء مستقبل أفضل، وأن يكون مدماكاً في بناء وتطوير الحقوق والواجبات والثقافة القانونية وقوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية؛ من أجل تعزيز دولة القانون والمواطنة والمؤسسات.
وتُعد هذه الدراسة ضرورية لمسيحيي الشرق الأوسط في العصر الحديث؛ خصوصاً بعد “السينودس من أجل الشرق الأوسط”، وصدور وثيقة الإرشاد الرسولي بعد ذلك بعنوان: “الكنيسة في الشرق الأوسط”، حيث تم فيها تأكيد حقَّي المساواة والمواطنة الكاملة للمسيحيين. ويعلن قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر فيها أيضاً أن “الحرية الدينية هي تاج كل الحريات” (الكنيسة في الشرق الأوسط، رقم 26). إن التطرُّق للحرية على المستوى المدني والديني والسياسي في وقتنا الحاضر، مرتبط بالحقوق على المستوى القانوني.
اقرأ أيضاً: صحف دولية تشيد بمكانة الإمارات كواحة للتسامح وحرية العبادة
* في مراحل إعداد الكتاب.. هل تطرقت إلى مراجع إسلامية؟
– إن المسيحيين العرب أُصلاء على الأرض العربية، وجذورهم ضاربة في عمق التاريخ، وثقافتهم مسيحية عربية، التقت معها واندمجت الثقافات التي حلَّت بعدها؛ إذ تطرق الكتاب إلى المراجع القانونية والكنسية، كما أن شمولية الدراسة اقتضت أيضاً التطرق إلى المراجع القانونية الإسلامية.
اقرأ أيضاً: الأب عمانويل غريب: تمسك البابا بإتمام زيارته إلى العراق يؤكد معاني المحبة والسلام
* الكتاب بالأصل هو رسالة لنيل درجة الدكتوراه، فما أهداف الدراسة وما التحديات التي تعاملت معها؟
لقد واجهت هذه الدراسة بعض الصعوبات؛ إذ كانت تقتضي الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية والدستور المعتمد في كل دولة، بالإضافة إلى المراجع والكتب التي تتطرق إلى حقوق المسيحيين العرب وواجباتهم، وكانت هذه المراجع والكتب شبه نادرة.
استغرقت هذه الدراسة جهود بحث وتحقيق وسهر لنحو عشر سنوات، وتم نشرها باللغة الإيطالية كأطروحة دكتوراه سنة 2012، ونُشرت في كتاب تضمن 533 صفحة، وصدر عن دار النشر التابعة لجامعة اللاتيران- روما عام 2017.
آمل أن تساعد هذه الدراسة في تطوير الأحوال الشخصية للمسيحيين والمسلمين. إن البطاركة والأساقفة يسعون بكل طاقاتهم لينال المؤمنون حقوقهم المشروعة كاملةً.
ومن هذه الضرورة ولدت الفكرة لدى قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، في إقامة سينودس أساقفة من أجل الشرق الأوسط تحت عنوان: “شركة وشهادة”. وخلال رحلته الأخيرة إلى لبنان، قام قداسة البابا في بازيليك القديس بولس في حريصا، بتقديم وثيقته الإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط” التي أعقبت الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط، الذي عقد في الفاتيكان من 10 إلى 24 أكتوبر 2010م.

* ما المصادر التي اعتمدتها الدراسة ومنهجية البحث في الكتاب؟
– المصادر الرئيسية هي الكتاب المقدس، ووثائق المجمع الفاتيكاني الثاني؛ خصوصاً دستور عقائدي “نور الأمم”، وإعلان بشأن “الحرية الدينية”، وقانون عام 1917، والقوانين 208- 223 من مجموعة الحق الكنسي، والقوانين 7- 26 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، والقرآن الكريم، بالإضافة إلى القوانين في الإسلام ومصادر الشريعة الإسلامية، وكتب التاريخ الإسلامي والعربي، والدستور الأردني وقانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة رقم 2 لسنة 1938، والإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط”، ودساتير وقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية.
سنرى لاحقاً أن المسيحيين في كل دولة لديهم حالات قانونية متشابهة في بعض الجوانب ومختلفة في بعضها الآخر؛ لذلك كان لا بد من العودة إلى المراجع الأصلية في كل دولة، لمعرفة أوضاع المسيحيين فيها.
حاولت هذه الدراسة إظهار جميع الآراء والمراجع المختلفة، التي تعتبر المسيحيين مواطنين على قدم المساواة مع المسلمين، وتم التركيز كذلك على آراء كتَّاب آخرين يعتبرون المسيحيين أهل ذمةٍ؛ أي مواطنين من الدرجة الثانية وليس لديهم حقوق متساوية مع المسلمين.
إن المواطنين المسيحيين في الدول العربية يعيشون في دولهم؛ حيث يشير دستور الدولة فيها إلى أن دين الدولة الإسلام، باستثناء لبنان، وهذا يعني أن الشريعة الإسلاميّة والقرآن هما المصدران الأساسيان لدراسة حقوق المسيحيين العرب؛ خصوصاً أن الحوار الجاد يساعد على فهم أعمق وانسجام أوثق، كما يُسهم في تطوير القوانين للمساواة في الحقوق والواجبات؛ لما فيه خير الدول وشعوبها معاً.

* الكتاب يتطرَّق إلى التاريخ والعلاقات مع المسلمين والاتصالات بين الرسول العربي محمد والمسيحيين، كيف تناولت هذه الزاوية؟
– الفصل الثالث من الكتاب يدرس تاريخ المسيحية في الأردن والحوار مع المسلمين؛ النقطة الأولى من هذا الفصل تتطرَّق إلى التاريخ والعلاقات مع المسلمين، والاتصالات بين الرسول العربي محمد والمسيحيين، والنقطة الثانية تتعمَّق في الوضع القانوني للمسيحيين في الإسلام. وفي الختام قُمنا بدراسة الحالات التي تهم الحوار المسيحي- الإسلامي، وأكدنا أن الحوار والعلاقات البناءة والعلاقات الأخوية القائمة على المحبة بالنسبة إلى المسيحي تجاه المسلم مسألة بالغة الأهمية، إن التعمق بدراسة القانون الكنسي يساعد المسيحي ليعرف حقوقه ويمارسها. وتهدف هذه الدراسة في ما تهدف إليه أيضاً إلى توطيد علاقة المحبة بين المواطنين بأطيافهم كافة؛ فالمحبة والوعي والتعاون أسلحة مهمة بوجه مَن يحاولون إثارة الفُرقة والنزاعات والصراعات.
وقد تم التطرق إلى العلاقة التاريخية بين الرسول العربي محمد والمسيحيين، والوضع القانوني والمدني لمسيحيي البلدان العربية؛ بهدف إحداث نقلة نوعية في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين.

كما يتناول الفصل الخامس لمحة تاريخية وقانونية عن حقوق المسيحيين وواجباتهم في البلاد العربية: فلسطين، لبنان، سوريا، مصر، العراق، الكويت، قطر، المملكة العربية السعودية؛ حيث إن لكل دولة مراحلها التاريخية وقوانينها الخاصة بها، وتتناول هذه الدراسة الوضع القانوني للمسيحيين والقوانين الأساسية التي تتعلَّق بتاريخهم وحقوقهم وواجباتهم وكيفية تطوير الحقوق والواجبات في الأحوال الشخصية؛ هنالك أوجه تشابه واختلاف بين الدول العربية في ما يتعلَّق بهذه المسائل.
اقرأ أيضاً: بالأرقام: دول الخليج العربي تستقطب مسيحيي الشرق والغرب
* وما الرسالة التي تسعى لإيصالها من خلال هذا الكتاب؟
– أود أن أقول إن المسيحيين العرب يقومون بواجباتهم ويمتثلون للقوانين والأنظمة المرعية؛ لذا من حقِّهم أن ينالوا حقوقهم كاملة لتتحقق المساواة الكاملة وتتكافأ الفرص في الأصعدة المختلفة؛ خصوصاً أن عملية تطوير الدساتير وقوانين الأحوال الشخصية وتعديلها يساعد المسيحيين في البلاد العربية على أن يكونوا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، فالشعور بالأمان والعدالة والمساواة يساعد جميع المواطنين على بناء مستقبل أفضل ومشرق ومزدهر لأوطانهم.