الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةرفوف المكتبة
قراءة في كتاب “الإخوان من السلطة إلى الانقسام.. أزمة تنظيم أم تنظيم أزمة”
مؤلفا الكتاب تحدثا لـ"كيوبوست" عن الأزمات التي تعيشها الجماعة خلال الفترة الحالية وسيناريوهاتها المستقبلية

كيوبوست
كشْف كتابُ «الإخوان من السلطة إلى الانقسام» طبيعةَ الانقسام الحاد في جماعة الإخوان المسلمين، وتفاصيله وتطوراته، واحتمالات إعادة الجماعة هيكلة ذاتها، والطرق الممكنة لتكيفها ومخططها للعودة إلى المشهد من جديد، معتبراً أن الجماعة تمر بحالةٍ لافتة من الانقسام بين جبهتين، وكيانين متصارعين، لكل منهما مكتبُ إرشاد ومجلس شورى، وكيانات إعلامية تعبر عنه، وهما جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير الذي تولى القائم بأعمال المرشد في أعقاب إلقاء القبض على محمود عزت القيادة التاريخية في 2020، وجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين الأمين العام السابق للتنظيم.
اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. انقسام و صراع من أجل البقاء
وتناول الكتاب الذي تشَارك في تأليفه الأكاديمي الإماراتي محمد بشاري، والباحث المصري ماهر فرغلي، حالةَ الانقسام الحالية في التنظيم، ففي الفصل الأول يحلِّل الكتاب الانقسامات الداخلية، التي طالت العديد من الملفات، مشيراً إلى أن الاتهام الأوضح المتبادل بين الإخوان هو عدم الالتزام بلائحةِ الجماعة، التي لم تجرِ عليها أي تعديلات حقيقية منذ صيغت على يد حسن البنا مرشد الجماعة الأول.
سيناريوهات مختلفة

يختلف سيناريو التعامل مع مستقبل التنظيم من دولةٍ لأخرى، ومن مجموعةٍ إلى أخرى، بحسب مؤلف الكتاب الدكتور محمد بشاري، الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الحالة المصرية التي تعتبر الجماعةَ الأم هي الآن في أحلك مراحل التنظيم، حيث الانقسام التي تعيشه؛ فهو حقيقي بجهازين إداريين، يمتلك كلٌّ منهما أدواتٍ إعلامية وتنظيمية.
يشير بشاري إلى أن الخلاف أكبر من تفسير اللوائح التنظيمية الداخلية، لكنه بسبب كرهٍ شديد بين جبهتي الانقسام، واتهام كلٍّ منهما الآخر بالتخوين والعمالة لصالح الأجهزة، وخيانةِ أمانة الجماعة والمعتقلين، مؤكداً أهمية مواجهة الجماعة عبر عدة مستويات، خاصة على المستوى الفكري، من خلال تفنيد مزاعمهم لتحصين الأجيال الناشئة من أفكارهم المتطرفة.
اقرأ أيضًا: رسائل “حسن البنا”.. بيان مؤسس أم اعتقاد في “دعوة” جديدة؟
يؤكد الكتاب أن ما يحدث حالياً هو حالة “حرب صلاحيات ونفوذ وأموال”، وتوجيه اتهاماتٍ من كل فريقٍ للآخر بعدم الشرعية، حيث بدأ كلٌّ منهما يعمل على تجميد الطرف الآخر، معتبراً أن الحدث الأهم في أزمة الجماعة هو ما حدث في 2021، حينما تولى إبراهيم منير قيادة التنظيم، بهدف لم شمله، ووجد أن كثيراً من العناصر ترفض محمود حسين والقرارات التي كان يصدرها.
وفصَّل الكتاب -في هذا الصدد- الأزمةَ، مشيرا إلى أن جبهة إبراهيم منير ومكتب الجماعة في لندن، رأوا أنه لا يُعتد بقرارات مجلس الشورى، لأنه لم يبلغ النصاب القانوني، كما أن أغلبَ أفراده مسجونون أو هاربون في أقطارٍ مختلفة، وأن المجلس لم يجتمع في أي مرة بشكلٍ قانوني.

وأوضح أن جبهة محمود حسين أعلنت أن المجلس عقد أكثر من 12 اجتماعاً رسمياً، وصدر عنه قرارات بنفس الآلية، ونفس الأشخاص خلال السنوات الماضية، منها قرار بتشكيل اللجنة الإدارية الأولى وغيرها، وصولاً إلى إعفاء إبراهيم منير، وتشكيل لجنةٍ للقيام بعمل المرشد العام بقيادة مصطفى طلبة.
خلخلة بنيوية
يُحيل الكتابُ في الفصل الثاني إلى أن أسباب الانقسام تعود إلى “الخلخلة البنيوية” التي حدثت في مفاصل الجماعة، والاختلاف حول المواجهة مع الدولة المصرية، مشيراً إلى أن الحراك المناهض للنظام توزع إلى قسمين: القسم الأول “العام”؛ وهو المسؤول عن المسيرات والفعاليات السلمية. أما القسم الثاني؛ فهو الخاص بالعمل النوعي شبه المسلح، الذي اعتمد على استقطابِ أبناء الجماعة المعروفين بولائهم التام للتنظيم، والذين سيقومون بتأمين المسيرات، وقطع الطرق، وأحياناً إشعال النيران في أكشاك الكهرباء.
اقرأ أيضاً: جماعة الإخوان المسلمين وحالة الانهيار المستمر
ويشرح الكتاب أن إخوان مصر تعرضوا لجملةٍ من الانقسامات، والتفككات الداخلية، بدءاً من عام 2016 وحتى الآن، كانت محصلتها النهائية طرح التصدع للعلن، ثم تسويق التنظيم لملف المصالحة، واتهام كل فريقٍ للآخر بأنه يتواصل مع النظام المصري سراً من أجل المصالحة، راصداً تشرذم الجماعة لـ 4 مجموعاتٍ وفرق، لكل منها قائدٌ، تتصارع على جسد الجماعة، بعد سقوط محمود عزت:
الأولى تابعة لإبراهيم منير في لندن، والثانية لمجدي شلش، وهو من قيادات الداخل المصري خلال الفترة التي أعقبت سقوط حكم الإخوان، والثالثة لمحمود حسين، والرابعة تدين بالولاء لمكتب الجماعة بإحدى الدول الخليجية.

جزء رئيسي من الأزمات التي تعيشها الجماعة، في الفترة الحالية، بسبب الرغبة بالعودة إلى كرسي الحكم والتفاوض مع الدولة، بحسب ماهر فرغلي مؤلف الكتاب الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الجماعة طرحت -في سبيل رغبتها بالعودة إلى الحكم- سياساتٍ واستراتيجيات قائمة على المواجهة، عبر عدة محاور منها استقطاب المواطنين، وإثارة حماس الأفراد جماهيرياً، والتظاهر ضد الدولة، واستهداف النقاط المؤثرة للدولة، والدعوة لعمل محاكمات لقادة الجيش، ووصلت سياستها لتكون أكثر إيلاماً بالتحالف مع الجماعات المسلحة، بل وصناعة جماعة مسلحة خاصة بها، تستهدف مفاصل الدولة المصرية.
وأضاف أن فشل هذه السياسات، ووجود تباين في الرؤى، من أجل الطريقة المثالية للتعاون معها داخل الجماعة، والخلاف على النفوذ المالي ولائحة الجماعة، زادت من هوة الخلافات وخلقت خلافاتٍ بنيوية، وأصبح لدينا فريقان، كل فريق يقول إنه قائدٌ للجماعة، وبالتالي وصلت الانقسامات لذروتها.

علاقات معقدة
ويشير الكتاب إلى أن كلًّا من الفريقين يمتلكان علاقاتٍ ليست بالهينة بأجهزة استخبارات مختلفة. ففي حالة جبهة لندن، فإن لديها علاقات قوية بالاستخبارات البريطانية، في حين تمتلك جبهة إسطنبول علاقات ممتازة بالاستخبارات التركية، بالإضافة إلى امتلاك كلٍّ منهما لمصادر تمويل تمكنهما من استمرار الصراع، لافتاً إلى أن فشل احتواء الأجنحة الشبابية، وظهور مجموعة من التفاعلات بسبب الانهيارات التنظيمية، أظهرت كياناتٍ شبابية منشقة، إما على يمين الجماعة، وإما على يسارها، ومنها أيضاً من اختارت الكمون والانعزال.
ويخلص الكتاب إلى أربعة أسبابٍ أساسية لحالة الانقسام الحاد التي ضربت التنظيم، وتتمثل في غياب القادة المؤثرين، والكوادر التنظيمية الفاعلة، سواء لوجودهم في السجون أو هروبهم للخارج، ووجود حالة من الصراع داخل الجماعة، والإطاحة بعددٍ كبير من قيادات التنظيم مثل عمرو دراج، وفشل محاولة الإرباك التي تبنتها الجماعة ضد الدولة المصرية، خلال السنوات الماضية.
اقرأ أيضًا: صراع العجائز يعمق أزمة التنظيم ويزيد الانشقاقا
انقسام حقيقي أم مصطنع
يتساءل الكتاب في الفصل الثالث: أهي أزمة تنظيم في غياب قيادة متحكمة، ووجود مشروع رؤية لإخراج التنظيم من مرحلة التصادم مع الأنظمة وإحداث حلحلة للوضع من خلال مراجعات فكرية حقيقية تنبذ العنف، وتحل تنظيماتها المسلحة، وتتصالح مع شعوبها، وتنخرط كأعضاء في حماية الدولة الوطنية، أم هي فقط مرحلة “تنظيم أزمة” تعتمد فيه على مناورات “التمسكن” ولملمة جروحها لتصل إلى مرحلة “التمكين”؟
بمعنى آخر، يحاول الإجابة عن سؤال: هل الانقسامات حقيقية أم مصطنعة؟ مدللاً على أنه في النموذج الإخواني -خاصة فرعه المصري- تختلف حركية التنظيم ما بين (فقه التمكين) و(فقه الاستضعاف) الذي سيسمح بالكمون والتلون، وارتداء الأقنعة المختلفة حتى يحين وقت الوصول للهدف، من ثم يشرح هل الانقسام لتسويق المصالحة؟ وكيف تكون المصالحة؟ وما الفرق بينها وبين المراجعة؟

ويشير الكتاب أيضاً إلى أن الجماعة يمكن أن تصنع الانقسامات، من أجل تمريرِ جناح على حساب آخر، أو تغيير سياسات بعينها، أو ترويج ضعفها أمام خصومها للعودة بعد ذلك، في إطار واستراتيجية مستجدة، وأنه ليس انشقاقاً بين منهجين، حيث يحدث تعميقُ الانشقاق في أقطارٍ متعددة ومتنوعة، من أجل تمرير عمل الجماعة، في حال حصول حصارٍ وضغط عليها، ويبدو أن تلك خطة ممنهجة ومتفق عليها من جانب الإخوان المصريين، لكي يسهل عليها النفاذ أولاً للمجتمع المصري الشعبي الغاضب منها، وأيضاً للنظام المصري، وهذا ما حدث كثيراً في عصورٍ مختلفة منذ نشأة الجماعة وحتى الآن.
مستقبل التنظيم
يقر الكتاب أن الصراع الحالي لا يحسمه حسابٌ على (فيسبوك)، أو صفحة على الإنترنت، وإلا لكان الآن من يقود الجماعة جبهة المكتب العام، فقد كانت كل المواقع والحسابات معها، وكانتِ الأكثر حضوراً في الإعلام، وكان لديها عددٌ كبير من المؤيدين على مستوى الصف، وعلى مستوى القطرين المصري والتركي، ومع ذلك، فلم تحسم الأمر، وبالنظر إلى الانشقاق الحالي في الجماعة، فإنه يشير إلى انقسام بين فريقين حول مصالح ونفوذ وأموال، وليس انشقاقاً أيديولوجيا بالمعنى المفهوم.
اقرأ أيضًا: الانشقاقات.. الخاصرة الهشة لتنظيم الإخوان المسلمين
يؤكد أن الإخوان قد يتخلون عن الوضع التنظيمي، وينتقلون إلى حالة «السيولة الفكرية» والتحول إلى تيارٍ فكري، يؤصل لفقه المرحلة، ويبتعد عن إدارة الشأن العام السياسي، على الأقل في الأدبيات المعلنة، مع العمل على الحفاظ على شكل ما توجد به الهرمية التنظيمية.
وأضاف أنه من الممكن أن ينتقل المكون التنظيمي إلى ساحة التيار الفكري بسبب بعض الأصوات الداعية إلى ضرورة الانفتاح على المجتمعات، وصياغة خطاب ينتقل من المحلي إلى العالمي، من خلال تأسيس مسارات الكيانات المنفذة «القوة الناعمة» التي تغذِّي الرأي الجماعي للمجتمعات العربية، وتعالجها حسب الأدبيات والأطروحات، لافتاً إلى أن الانقسامات الحالية تشير إلى تحولاتٍ في عناصرهم فيما يتعلق بنظرتهم لبعض القضايا، ووجود تحول كلي في كيفية التعامل مع ما كان يُعتبر ثوابت خاصة بهم.

تمدد فكري
يشير ماهر فرغلي إلى مدخل الجماعة الفكري الذي تسعَى لنشره في المجتمع، عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد، والتي تعتمد على نشر الأفكار وإيمان الاشخاص بها، حتى لو لم يكونوا منتمين للجماعة أو تنظيميين بداخلها، بما يخدم فكرة تحويل الإخوان إلى تيارٍ فكري، ولتكون الجماعة نظاماً بلا تنظيم، بما يخدم أهدافَ وطبيعة المرحلة الحالية.
يخلص الكتاب إلى أن ما حدث في الجماعة هو “انقسام”، وليس انشقاقاً، وما يحدث هو سيناريو وقتي، مشيراً إلى أن هناك جيلاً جديداً من الإسلام السياسي أكثر ذكاء يمثله الشباب الغاضب على كبار السن من قيادات الجماعة، ويساعده أن التنظيم لديه قدرة على سحق المنشقين، وقتل الخلافات الداخلية مهما طالت، وأيضا الحصول على التمويل بشكلٍ جيد.
اقرأ أيضًا: “مغارة علي بابا”.. المال والنفوذ يغذيان صراع الإخوان
وأكد أن التنظيم قام بوضع خطة ممنهجة لإعادة هيكلةِ وصناعة جماعة جديدة، ستكون بمثابة اتحاد فضفاض، يختار فيه كل فرع تكتيكه الخاص لتحقيق أهدافٍ قصيرة المدى، وهي أسلمةُ القواعد الشعبية، ثم التوغل للوصول إلى السلطة من جديد، لافتاً إلى أن الجماعة لن تنتهي بشكلٍ تام، وهناك من سيدفعها إلى البقاء.
واختتم بالتأكيد على ضرورة الوعي بأن الجماعة تضخِّم الانقسام لمداراة حالة الارتباط للأقسام المختلفة في دول الشتات، ومتابعة الانتقالات المقبلة لعناصر الجماعة في ملاذاتٍ جديدة، ومتابعة الجبهة الكمالية (نسبة إلى محمد كمال قائد الجناح المسلح للجماعة، وقتل على يد قوات الأمن) حيث تُعتبر القطب الأخطر داخل الجماعة.
معلومات أساسية حول الكتاب:
- صدر الكتاب عن دار مدبولي المصرية في يونيو 2022.
- الكتاب من تأليف كلٍّ من: الباحث الإماراتي محمد بشاري (باحث في مجال الفكر الإسلامي والأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة)، والصحافي المصري ماهر فرغلي.
- يقع الكتاب في 288 صفحة، وينقسم إلى 9 فصول.