الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
قراءة في أهم ردود الفعل الروسية حول مقتل قاسم سليماني والضربات الأمريكية في العراق

موسكو – رنا الشهري
أثار اغتيال قاسم سليماني دهشة صانعي القرار والدبلوماسيين الروس، وانعكس ذلك في بيان الخارجية الروسية الذي اعتبر أن هذا العمل “مغامر للولايات المتحدة، وأن خطوة واشنطن هذه محفوفة بعواقب وخيمة على السلام والاستقرار الإقليميين”. من جهته، كتب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الروسي قسطنطين كوساتشيف، قائلًا: “إن مقتل الجنرال سليماني في بغداد لا يسهم بأية حال من الأحوال في تحسين الأوضاع في العراق والشرق الأوسط بأسره. وآثاره السلبية واضحة بالفعل”.
وأضاف كوساتشيف: “لابد أن يتبع ذلك رد إيراني، لا أريد أن أتنبأ بهذا؛ ولكنَّ المواطنين الأمريكيين قد يُستهدفون بالقتل في أي مكان. كما أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وأهمهم إسرائيل قلقون، وهم يناقشون بالفعل الآثار المترتبة. وأخيرًا فإن الآمال الضئيلة التي كانت لا تزال قائمة بالنسبة إلى الاتفاق النووي قد نُسفت بالكامل، وقد تقوم إيران الآن بزيادة إنتاجها للأسلحة النووية؛ كرد فعل حتى لو لم يكن لديها مثل هذه الخطط من قبل”.

يُذكر أن قاسم سليماني كان قد زار موسكو في زيارة سرية في يوليو 2015؛ لتنفيذ مهمة حاسمة لإشراك روسيا عسكريًّا في الأزمة السورية. كان التوقيت مهمًّا جدًّا؛ فعند هذه النقطة تحديدًا كان الجيش السوري على ما يبدو يقف على ساقَيه الأخيرتَين، وكانت قوة القدس و”حزب الله” اللبناني وميليشيات شيعية أخرى مدعومة من إيران تساعد دمشق هناك؛ لكنها افتقرت جميعًا إلى القوة الجوية لإحداث نقلة حاسمة على الأرض. واعتبرت رحلة سليماني تلك علامة فارقة لمشاركة روسيا النشطة في المنطقة. ثم قام سليماني بعدها برحلة إضافية واحدة على الأقل إلى موسكو في فبراير 2017. وورد أن هذا كان لمناقشة التعاون الثنائي لروسيا مع الأنظمة الملكية السُّنية في الخليج العربي. وحينها اكتسبت اجتماعاته مع كبار قادة الاستخبارات العسكرية الروسية شهرةً في موسكو، واعتبروه فاعلًا استراتيجيًّا بارعًا. ومن ثَمَّ فإن هناك مسألتَين رئيسيتَين لموسكو حتى الآن على خلفية مقتل سليماني؛ هما: “ما إذا كانت طهران قادرة على إيجاد بديل مناسب لسليماني” و”مَن سيقود الآن العشرات من الجماعات والميليشيات العاملة في سوريا؟”.
اقرأ أيضًا: تحديات “الانتقام الساحق” لخليفة سليماني
هل ستجد إيران البديل المناسب لسليماني؟
يعلِّق قسطنطين بوغدانوف، زميل معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في الأكاديمية الروسية للعلوم، بقوله: “كان سليماني مسؤولًا عن العمليات العسكرية والسرية الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وإحدى مهامه الأساسية كانت تنسيق وإدارة مجموعات فضفاضة ومتنوعة من الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في سوريا إلى جانب الرئيس الأسد.. وتجدر الإشارة إلى أن العدد التراكمي للمقاتلين في الميليشيات الموالية لإيران يكاد يكون مساويًا للجيش العربي السوري، وأيضًا مساويًا له في صفاته القتالية، بل وربما يتفوق على الجيش السوري. إن وجود مثل هذه الميليشيات بالتأكيد يعقّد قضايا السيادة السورية وحرية الحركة لدمشق؛ ولكن الآن من المرجح أن يؤدي فقدان سليماني إلى تقييد قدرة إيران على التأثير على الأسد لبعض الوقت على الأقل. وفي هذه الظروف ربما سيتعين على روسيا اتخاذ موقف أكثر نشاطًا في سوريا من خلال ترسيخ نفسها كوسيط رئيسي في التسويات السورية، ورعاية الاتفاقات بين الأطراف المتحاربة”.

مواجهة مفتوحة بين إيران والولايات المتحدة
اعتبر العقيد المتقاعد فيكتور موكراخوفسكي، رئيس تحرير المجلة العسكرية “أرسنال أوتيتشستفا”، أن قرار ترامب بقتل سليماني يفتح فصلًا جديدًا في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، قائلًا: “هذا قتل لرجل دولة، وهي دولة تعد ممثلة رسميًّا وعضوًا في الأمم المتحدة؛ وهي ليست في حالة حرب فعلية رسمية مع الولايات المتحدة. وقد قُتل على أرض دولة ثالثة. هذا ليس صراعًا سريًّا لأجهزة المخابرات، لقد أعلنت الولايات المتحدة علانيةً أنها قامت بعمل انتقامي وهي تفخر بهذا الإنجاز، وهو فعل يحاول أن يختبر رد فعل المجتمع الدولي بشكل عام والقيادة الإيرانية بشكل خاص”.
أما كوساتشيف فقد استدعى في ما كتبه عما حدث المواجهات الأمريكية على مر السنين مع رجال أقوياء في دول مختلفة؛ مثل صدام حسين في العراق، وسلوبودان ميلوسوفيتش في صربيا، وفيكتور يانوكوفيتش في أوكرانيا، والعقيد الليبي معمر القذافي في ليبيا، قائلًا: “هذا خطأ كبير ينبع من عادة أمريكية نموذجية تتمثل في شخصنة أية مشكلة؛ إذ يرون أنه يجب عليهم التخلص من هؤلاء؛ مثل (صدام وميلوسوفيتش ويانوكوفيتش والقذافي…)، وبعدها ستستقر الأمور. لكن هذا هو منطق الاستعراض فقط، وليس منطق السياسة. وهذا المنطق لا يفيد على المدى الطويل، بل قد يرتد ضد منفذي ذلك الاستعراض”.
اقرأ أيضًا: كيف تعاون “الموساد” و”CIA” لاغتيال سليماني؟
الموقف الروسي
لا يشعر الكرملين ووسائل إعلامه الحكومية بالسعادة تجاه دونالد ترامب وقراره بقتل سليماني، وقد أنشأ موقع “فيستي” الحكومي الروسي، حديثًا، قسمًا للأخبار يتحدث عن “الصراع بين الولايات المتحدة وإيران”، وصف الموقع سليماني بأنه (أسد إيراني)، وانتقد ترامب باعتباره ضعيفًا. ثم سخر أعضاء آخرون في الصحافة المدعومة من الكرملين من أن أمريكا التي كانت ذات يوم متفوقة على المسرح العالمي، أصبحت الآن لا تقدر إلا فقط على “التصفيات الغريبة”. وقد وصف مراسل التليفزيون الحكومي الروسي ستانيسلاف خمدوخوف، من “ريا نوفوستي”، اغتيال سليماني بأنه “عمل إرهابي”.
وقد نسبت إيلينا بانينا، عضو لجنة الشؤون الدولية التابعة لمجلس الدوما الروسي، السهولة الظاهرة التي أمر بها الرئيس ترامب بقتل سليماني إلى “جهل الرئيس الأمريكي بمكانة سليماني في المنطقة”.
وتضيف بانينا: “الرئيس ترامب قد (أوقع به) من قِبَل وكالات الاستخبارات الأمريكية، بينما ليست لديه أدنى فكرة عما يمثله سليماني كبطل قومي في إيران”.
بينما كتبت إيرينا ألكسنيس، في مقالها في “ريا نوفوستي“: “الأمريكيون يفقدون باستمرار مكانتهم السياسية في الشرق الأوسط.. واشنطن ببساطة لا تملك القوة لتحدي موسكو في سوريا أو طهران في العراق. وما كان في السابق يُعد إمكانات عسكرية ضخمة للولايات المتحدة تقلَّص الآن إلى مجرد إجراء عمليات خاصة مستهدفة للقضاء على شخصية مرفوضة”.
ووصفت ألكسنيس تصفية سليماني بأنها “خطوة لتعزيز صورة الرئيس محليًّا، وتأتي في الوقت المناسب تمامًا في سياق الانتخابات المقبلة”.
وفي مقابلة مع خبراء من صحيفة “إيزفستيا“، فقد اتفقوا على أن هذه الخطوة من قِبَل واشنطن ستؤدي إلى مزيد من تصعيد الصراع الأمريكي- الإيراني.
اقرأ أيضًا: اغتيال قاسم سليماني يمثل تحولًا دراماتيكيًّا في السياسة الأمريكية تجاه إيران
ومن جانبه، عبَّر رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي فلاديمير جيرينوفسكي، عن مقتل سليماني، بقوله: “لماذا قُتل الجنرال الإيراني سليماني؟ لزرع العداوة بين الشيعة في العراق وإيران، وكذلك لإعداد الرأي العام الدولي لمزيد من الهجمات على إيران؛ حيث إن خطة تجزئة إيران كانت جاهزة منذ 10 سنوات ويتم تنفيذها باستمرار. الولايات المتحدة تريد جذب روسيا إلى مواجهة مفتوحة مع العالم الإسلامي كما حدث في عام 1979 بعد دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان. ولكن يمكننا منع ذلك. اليوم يمكن لإيران اللجوء إلى روسيا طلبًا للمساعدة. ويمكننا أن نضع بسرعة في هذا البلد قاعدة بحرية على شواطئ المحيط الهندي وقاعدة جوية عسكرية وقاعدة للقوات البرية. قد تطلب منا إيران أيضًا بشكل عاجل بيع أنظمة الدفاع الجوي الحديثة لحماية سمائها. وإذا نجحوا في القيام بذلك فستبقى إيران على قيد الحياة؛ لكن لن يكون مصيرها كليبيا، نحن لا نريد هذا. وفي الوقت نفسه، فقد أثبتت التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران أنها مفيدة لسوق الأسهم الروسي. حيث ارتفعت أسعار النفط بعد مقتل سليماني، ووصلت بورصة موسكو إلى مستويات قياسية على الإطلاق”.