الواجهة الرئيسيةمقالات

قراءات في كتب كبار الفلاسفة (1): ما وراء الخير والشر.. فريدرك نيتشه

شايع الوقيان♦

لو كانت الحقيقة امرأة فإن الفلاسفة فاشلون في الغزل. هكذا يقول نيتشه في مطلع كتابه (ما وراء الخير والشر)، وقد ألفه عام 1886، ويقول عن هذا الكتاب إنه يدشن مرحلته النقدية التي يسميها (قلب القيم)، ويقول إن هذا الكتاب في جوهره نقد للحداثة (انظر: نيتشه، هذا هو الإنسان، ص131، ترجمة علي مصباح).

العنوان الفرعي لكتاب “ما وراء الخير والشر” هو: تباشير فلسفة للمستقبل. وقد حظي الكتاب بترجمات عربية عديدة؛ مثل: ترجمة علي مصباح، وترجمة حسان بو حليقة، وترجمة جيزيلا حجار، وترجمة محمد عضيمة، وترجمة سليمان حسون.

ما الذي يحاول نيتشه أن يفعله في هذا الكتاب؟


إنه يريد، كما أشرنا، أن يقلب منظومة القيم الأخلاقية. ومنهجه في ذلك هو الحفر العميق في أصول المبادئ الأخلاقية والكشف عن إرادة القوة الكامنة فيها. فحسب نيتشه، فإن البشر حيوانات متطورة وذكية؛ ولكن الأهم أنها حيوانات مريدة؛ فهي تريد ومن أجل تحقيق ما تريد تقوم بعقلنة وشرعنة إرادتها.

اقرأ أيضًا: ستيفن هوكنج: حينما ينشغل الناس بالتكفير، ويتجاهلون التفكير!

ما يحدث فعلياً بين البشر هو صراع إرادات قوى. والأقوياء النبلاء هم مَن يحققون إراداتهم. وأما الضعفاء فلم يجدوا بداً سوى اختلاق مذاهب أخلاقية لهزيمة الأقوياء، وهكذا اختلقوا مشاعر سلبية يجب أن يتحلى بها كل أخلاقي؛ كاحتقار الذات والإيثار والشفقة والإحسان والزهد.. وهذه حسب نيتشه عوائق تقف في وجه الإنسان القوي والنبيل.

أرسطو (على اليمين) وأفلاطون (على اليسار) في لوحة “مدرسة أثينا” لرافائيل- “وول ستريت جورنال”

يهاجم في الفصل الأول الفلاسفةَ تحت عنوان (تحيزات الفلاسفة)؛ وعلى رأسهم أفلاطون. ويرى أن تعالي الفلاسفة على الرغبات وعلى الجسد هو تحيز ساذج. ويهاجم هيجل؛ لأنه حاول أن يعقلن الرغبات والمشاعر. ويعد نيتشه نفسه “لا-أخلاقياً”. ويقصد أنه لا يؤمن إلا بالأخلاق الأرستقراطية النبيلة وأخلاق الفرسان. أما أخلاق الضعفاء والعبيد، كما يسميها، والتي ورثها الغرب من اليهودية والمسيحية والأفلاطونية فهي حجر عثرة أمام الوصول إلى مرحلة الإنسان الراقي (السوبرمان).

غلاف كتاب أصل الأنواع

وتحت تأثير سيادة الفكر التطوري في القرن التاسع عشر؛ لا سيما بعد ظهور كتاب دارون (أصل الأنواع)، يرى نيتشه أن البشر، بما أنهم تطوروا من كائنات أدنى، فإنهم صائرون إلى كائنات أعلى، وهم البشر الفائقون الذين نكون بالنسبة إليهم كالقردة بالنسبة إلينا اليوم. ولكن أخلاق القطيع كما يسميها سوف تصد هذا التطور بسبب آراء مثل الشفقة والتراحم والإحسان واحتقار الذات. ولو ترك الإنسان لإرادة الحياة والقوة لما بقي إلا الصفوة. وهؤلاء الصفوة هم الجسر الموصل إلى السوبرمان.

وقد انعكست آراؤه هذه على فكره السياسي؛ فهو بسبب مقته لأخلاق القطيع يرفض الديمقراطية ويرى أن الحكم الأرستقراطي هو الأفضل، وأن الصرامة والاستقامة والنزاهة والقوة هي ما تميز النبلاء. والديمقراطية بالنسبة إليه هي من أمراض الحداثة الغربية والأخلاق المسيحية التي جعلت الضعفاء في مكان السلطة.

وجدير بالذكر أن القوة عند نيتشه لا تعني القوة الباطشة لأغراض اللذة والمنفعة الذاتية؛ بل هي قوة الحياة نفسها، القوة التي تزيد في تناسل النبلاء وفي بهجة القيم.

اقرأ أيضًا: ما علاقة الفيلسوف كانط بمقتل جورج فلويد العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية؟

في الفصل السابع يهاجم نيتشه النساء بشكل مثير للاستغراب. فهو يحذر الرجال من سطوة النساء، ويرى أنهن جنس منحط، وذوات ذوق فاسد بعكس ما يتصوره الغالبية، ويبدو أن نيتشه كان منزعجاً من النسويات في وقته؛ إذ يقول “ها هي الآن ترتفع أصوات نسائية ترتعد لها الفرائص.. قسماً بأرستوفان المقدّس”. ويقول إن التنوير من شأن الرجال لا النساء. واستغرابي من موقف نيتشه ناجم عن أنه بعدما مات أبوه وأخوه الكبير تولت نساء العائلة تربيته؛ ولكنه صار عدواً للنساء بشكل متحيز وغير معقول، وربما أن لعلاقاته الغرامية الفاشلة سبباً في ذلك.

♦ كاتب سعودي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

شايع الوقيان

كاتب سعودي باحث في الفلسفة