الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
قائد الظل: سليماني، والولايات المتحدة، وطموحات إيران العالمية

كيوبوست – ترجمات
بول إيدون♦
أسهم الجنرالُ الإيراني قاسم سليماني بنشاطٍ، أكثر من أي رجلٍ آخر في تنفيذِ أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وما وراءه، على مدى السنوات العشرين الماضية، ما أثّر على حياة الملايين. وفي هذا الإطار، كتب الباحث الإيراني أراش عزيزي أولَ سيرة متعمقة لسليماني، بعنوان اختاره بعناية، «قائد الظل»، الذي يسعى إلى سردِ حياة الجنرال المليئة بالأحداث، وتزويد قارئها بفهمٍ أفضل لهذه الشخصية المحورية في تاريخ إيران الحديث.
يمكن القول إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اغتيال سليماني باستخدام طائرةٍ مسيّرة في 3 يناير 2020 يشكّل الخطوة الأكثر خطورة التي قام بها طوال فترة رئاسته. في بدايةِ كتابه، يلخص عزيزي على نحو ملائم أهمية هذه الخطوة التاريخية الهائلة من خلال الإشارة إلى أن: “منذ عام 1943، عندما أسقط الأمريكيون الطائرة التي كانت تقل المارشال أسوروكو ياماموتو من البحرية الإمبراطورية اليابانية، لم تقتل الولايات المتحدة مسؤولًا عسكريًا بهذا المستوى الرفيع”. وصل سليماني لمستوى رفيع في هيكل السلطة في النظام الإيراني، في المرتبة الثانية بعد مرشده الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يثق به للغاية في تنفيذ أهداف النظام في السياسة الخارجية. ويشرح عزيزي كيف تمكّن سليماني من تكديس الكثير من السلطة والنفوذ في يده.
اقرأ أيضًا: ماذا بعد مقتل قاسم سليماني؟
خلفية عن سليماني
كانت بدايات سليماني متواضعة جدًا. ولد في عام 1957 في قرية صغيرة، وغير معروفة إلى حد ما في محافظة كرمان في إيران، ولم تظهر عليه علامات مبكرة كثيرة على أنه سيصبح شخصية مهمة في تاريخ إيران. انتقل إلى عاصمة المحافظة في سن 18، وعمل في هيئة للمياه، وقضى وقت فراغه في التعلم وإتقان مهارات الكاراتيه. لم يكن متدينًا بشكل خاص وأمضى وقتًا أطول بكثير في صالة الألعاب الرياضية أكثر من المسجد. ولم تكن السياسة أبدًا تثير اهتمامه كثيرًا في ذلك الوقت. لكن ثورة عام 1979 الصاخبة التي اجتاحت إيران، وأسقطت آخر شاه من عرشه، غيّرت كل ذلك تدريجيًا.
عندما سعى سليماني في البداية إلى الانضمام إلى الحرس الثوري الإسلامي الناشئ، تم رفضه من قبل القائم على شؤون التجنيد، فعندما رأى ملابس سليماني وشعره المجعّد، تحدث بسخرية كيف أنه “لم يفكر في أننا لا نقبل هذا النوع من الأشخاص في الحرس الثوري!”. لكن في وقتٍ لاحق، سُمح لسليماني بالانضمام إلى الجماعة الإسلاموية شبه العسكرية، التي سرعان ما طغَت على الجيش النظامي، وأصبحت أقوى قوة مسلحة في إيران.

الحرب العراقية- الإيرانية
لا شك أن غزو صدام حسين لإيران في عام 1980 كان الحدث الحاسم الذي حدد مصير سليماني. وكما يشير عزيزي، “لولا هجوم صدام على إيران والتعبئة الجماهيرية التي صاحبتها، لكان أمثال سليماني واصلوا حياتهم على الهامش”.
إن خلفية سليماني المتواضعة وقوته البدنية التي اكتسبها من خلال ممارسته المستمرة للكاراتيه مكّنته من الارتقاء عبر صفوف الحرس الثوري الإيراني، في وقتٍ مبكر من الحرب. ويشير عزيزي إلى أن “العديد من مؤيدي الثورة كانوا في الحقيقة ثوارًا مُدّعين، أو شباناً هزيلين، أو رجال دين قضوا فترة طويلة في الوعظ”. والآن بعد أن كانوا يبنون قوة عسكرية، سيستفيدون من المزيد من الرجال الرياضيين”. كان سليماني يتوق إلى أن يكون على الخطوط الأمامية، وفي مركز العمل كلما أمكن، وهو ميل كان يكرره مرارًا وتكرارًا بعد فترة طويلة من الحرب التي يمكن القول إنها أدّت إلى وفاته في نهاية المطاف، حتى عندما عانى إصابات كبيرة في المعركة. ونتيجة تصميمه ومهاراته القيادية البارزة، أُسندت إليه قيادة كتائب بأكملها عندما كان عمره 25 عامًا.

وخلال تلك الحرب، طوّر سليماني أيضًا مهاراته الخطابية، وشحذها، واستعان بالخطاب الديني الحماسي، و”بالتقاليد الفولكلورية الدينية التي يعرفها كل صبي أو فتاة شيعية”، واستخدمها في إلهام وتحفيز العديد من أفراد الميليشيات الذين سيأمرهم في ساحات القتال المستقبلية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويضيف عزيزي “منذ ذلك الحين، وإلى نهاية حياته، برع في خلط هذا الخطاب مع حماسته العسكرية، ومعاملته الودودة للجنود لبناء “مارْكة” أو علامة مميزة فريدة من نوعها للحرس الثوري الإيراني”.
وقد انتهى الأمر بإيران إلى طريقٍ مسدود مُكلّف، ولا يمكن الانتصار فيه مع العراق، مع العديد من الهجمات الإيرانية الفاشلة داخل الأراضي العراقية، ما أدّى إلى خفض الروح المعنوية الإيرانية. لم يكن سليماني استثناءً في ذلك، حيث يستشهد به عزيزي قائلًا إن إيران ليس لديها خطة للحرب أو حتى خطة للأشهر الستة التالية. وقال بنبرة تشي بالحسرة “مثل الهائمين والتائهين، نواصل الانتقال من هذا المكان إلى ذاك”. وفي نهاية المطاف، قبل الخميني وقف إطلاق النار الذي أنهى تلك الحرب في عام 1988 دون تحقيق مكاسب ملحوظة لإيران، وتوفي بعد ذلك بعام.
اقرأ أيضًا: مقتل سليماني سيقود إلى مزيد من الإرهاب في الشرق الأوسط وما وراءه
فترة ما بعد الحرب
دخلت إيران في فترة التسعينيات وهي تتطلع إلى تحسين الوضع الداخلي، مع التركيز على إعادة الإعمار بعد الحرب وتحسين الاقتصاد. ومع ذلك، بالنسبة لسليماني، لن يشهد في هذا العقد فترة راحة من الحرب. بدأ في مكافحة عصابات تهريب المخدرات القوية في جنوب شرق إيران. ووجّه ضربات قوية لهذه العصابات من خلال القوة العسكرية المطلقة والتجنيد الذكي للسكان المحليين في المناطق ذات الصلة، الذين فهم سليماني كيفية كسب ثقتهم بفضل تربيته الريفية والقبلية. وفي حين واجه قدامى المحاربين الآخرين في الحرب الإيرانية-العراقية صعوبة في التكيّف مع حياتهم الجديدة في وقت السلم “تجنب سليماني ببساطة إجراء مثل هذا التعديل من خلال الانخراط في حرب في الأراضي الحدودية الشرقية، كانت في بعض الأحيان بالقدر ذاته من الشراسة، مثل تلك التي خاضها في غرب البلاد”.
خلال الفترة نفسها، قام سليماني في كثيرٍ من الأحيان برحلات جريئة إلى أفغانستان مع استيلاء طالبان على الدولة لطمأنة حلفاء إيران، ومنهم أحمد شاه مسعود. وفي وقتٍ لاحق، قام خامنئي بترقيته كقائد لـ “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني.
التوسع الإقليمي بعد غزو العراق
بعد الإطاحة بصدام حسين بسبب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، عمل سليماني على تعزيز نفوذ إيران في العراق الجديد. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وسّع قائد الظل نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة. وفي بيانه الشائن إلى الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس في العراق، أعلن قائلًا: “أنا قاسم سليماني، أسيطر على السياسة الإيرانية فيما يتعلق بالعراق وسوريا ولبنان وغزة وأفغانستان”. وكما يوضح عزيزي، لم تكن هذه خدعة أو مبالغة. وأضاف أن “وزارة الخارجية نحيت الآن جانبًا ومنحته كل هذه الحقائب”. وعلاوة على ذلك، “كان السفراء جميعهم لدى هذه الدول أعضاء في قوة القدس، ويأتمرون أولًا بأمر سليماني”.

كان القائد يتحرك باستمرار لإدارة المصالح الإقليمية العديدة لإيران. ويشير الكتاب إلى تداول أخبار عن سليماني مثل: أنه “تناول الإفطار في بيروت، والغداء في دمشق، والعشاء في بغداد”، كل ذلك في إطار جهوده الدؤوبة لبناء “جيش عابر للحدود الوطنية”. ذلك أن إيران كانت تسيطر بشكل مباشر، أو على الأقل تؤثر بشكل كبير، على جماعات إسلاموية مختلفة في مختلف أنحاء المنطقة، مثل حزب الله في لبنان، ومنظمة بدر، وكتائب حزب الله في العراق، والجهاد الإسلامي في فلسطين.
اقرأ أيضًا: هل منح رئيس الحكومة العراقية السابق الضوء الأخضر لاغتيال سليماني؟
علاوة على ذلك، سعى سليماني إلى طمأنة مختلف حلفاء إيران ووكلائها في أوقات الحاجة. ففي عام 2006، على سبيل المثال، ذهب إلى بيروت خلال حرب الصيف بين إسرائيل وحزب الله لتهدئة مخاوف حسن نصر الله. ونجح سليماني في تحسين معنويات نصر الله. ومع ذلك، فإن تجاربه في بيروت، التي تمثلت في التهرب من الطائرات الإسرائيلية المسيّرة والغارات الجوية، جعلته متشائمًا. وعندما قدَّم تقريرًا لخامنئي حول الحرب، بدا أن قائد الظل قد تنبأ بدنو أجله. وذكر أنه “لا أفق للانتصار” على إسرائيل، قائلًا “كانت هذه حربًا مختلفة..كانت حرب التكنولوجيا والاستهداف الدقيق”.

التدخل في سوريا
في أعقاب “الربيع العربي” عام 2011، شن الرئيس السوري بشار الأسد حملة عنيفة على الاحتجاجات في بلاده، ما فجّر حربًا أهلية طويلة قادت في نهاية المطاف إلى استغلالها من جانب جماعات مثل تنظيم داعش. وفي عام 2012، ذهب سليماني إلى دمشق، والتقى الأسد، وحدد خيارين له: يمكنه أن يهرب إلى إيران، وفي هذه الحالة سيكون موضع ترحيب، أو البقاء في دمشق والقتال، وفي هذه الحالة سيكون عليه أن يتبع نصائح سليماني. وقد اختار الرئيس السوري الخيار الأخير. وفي هذا الصدد، كتب عزيزي: “في السنوات التالية، ظل الأسد خائفًا من الجنرال الإيراني. وأشرف سليماني بعد ذلك على الجهود الرامية إلى ترسيخ الوجود العسكري الإيراني في المنطقة، حيث جنّد العديد من الشيعة الأفغان والباكستانيين للقتال إلى جانب الأسد. وفي يوليو 2015، ذهب إلى الكرملين لمناقشة احتمال التدخل العسكري الروسي في سوريا مع الرئيس فلاديمير بوتين. ومما لا شك فيه أن تدخل روسيا، الذي بدأ بعد أشهر فقط، كان حاسمًا في ضمان استمرار نظام الأسد.
التعامل مع صعود داعش
عندما استولى تنظيم داعش على المدينة الثانية في العراق، الموصل في صيف عام 2014 تدخلت إيران هناك أيضًا. ومرة أخرى، سلك سليماني نهجا عمليًا، حيث نظّم الميليشيات الشيعية، وأرسل الأسلحة إلى الأكراد العراقيين المحاصرين. وهبط بطائرة هليكوبتر في مدينة آمرلي التركمانية الشيعية العراقية المحاصرة للمساعدة في تنظيم الميليشيات الشيعية والبشمركة الكردية لصد تنظيم داعش.

خلال هذه الفترة، كان قائد الظل يتظاهر بالتقاط صور في العديد من ساحات القتال في جميع أنحاء العراق وسوريا ليصبح إلى حد ما من المشاهير في كل من إيران والغرب. وسار في شوارع تكريت، مسقط رأس صدام حسين، بعد وقتٍ قصير من تحريرها من داعش في عام 2015. وهنا، يتذكر عزيزي لحظة مثيرة للاهتمام من الخطوط الأمامية في سوريا. ففي الوقت الذي كان يشرف فيه على هجوم ضد المتمردين المناهضين للأسد في مدينة حماة، تنبأ سليماني بدقة بتحركاتهم من خلال التذكير بتكتيكاته الخاصة قبل 35 عامًا في الحرب الإيرانية العراقية. “سيأتون من الجانب الذي يمكنهم منه رؤية حماة بعيونهم… تمامًا مثلما هاجمنا خرمشهر ذات مرة من جهة حيث كنا نرى جدرانها ونخيلها”.
الغطرسة والسقوط
في وقتٍ لاحق من حياته، وفي ذروة قوته، أصبح سليماني أكثر غطرسة في عداواته الأجنبية والمحلية. ويمكن القول إن شعوره المتنامي باستمرار بأنه مُحصّن كلّفه في نهاية المطاف حياته. بعد هجومٍ صاروخي لكتائب حزب الله أدّى إلى مقتل مقاول مدني أمريكي في كركوك في أواخر ديسمبر 2019، شنَّتِ الولايات المتحدة سلسلةً من الغارات الجوية أسفرت عن مقتل عددٍ من أعضاء الجماعة في كل من العراق وسوريا. ويكتب عزيزي: “يتوقع المرء الآن أن يتراجع سليماني… لكن لم يكن لديه مثل هذه النوايا. وسار أنصار كتائب حزب الله، بأمرٍ مباشر منه، إلى السفارة الأمريكية في بغداد، وحاصروها فعليًا. لقد تدخل قائد الظل بشكلٍ خبيث”.
اقرأ أيضًا: اغتيال قاسم سليماني يمثل تحولًا دراماتيكيًّا في السياسة الأمريكية تجاه إيران
وبعد ذلك بفترةٍ وجيزة، قُتل سليماني على الفور في غارةٍ بطائرة مسيّرة في 3 يناير 2020. وينقل عزيزي عن السفير الأمريكي السابق ريان كروكر قوله إن “قائد الظل خرج من الظل”. ومن جانبه، يضيف عزيزي بقوله: “لم يعش طويلًا إلى ما بعد عالم الظلال هذا”.
الخلاصة
كتاب «قائد الظل» هو في الحقيقة نصف سيرة لسليماني، ونصف تاريخ عام للأحداث التي شكّلت حياته والأحداث التي شكّلتها حياته. هذا النهج يوفر للقارئ سرد جيد لمعايشة حياة الجنرال ويضع العديد من أحداث حياته في سياقها التاريخي الأوسع، لكنه يغفل أيضا الكثير من الحقائق.
يمكن الإشارة إلى عدد من الانتقادات لهذا الكتاب. على سبيل المثال، يشير عزيزي أكثر من مرة إلى أن إيران حافظت منذ فترة طويلة على علاقات أوثق مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في كردستان العراق، مقارنة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، في تلك المنطقة. ومع ذلك، فلا يذكر الدور المصيري الذي لعبه سليماني في تهديد قيادة الأول في أعقاب استفتاء استقلال كردستان العراق في سبتمبر 2017، الذي أدّى إلى انسحاب الاتحاد الوطني الكردستاني بشكل فوضوي لقوات البشمركة التابعة له من منطقة كركوك الغنية بالنفط المتنازع عليها في الشهر التالي. وقد أظهرت تلك الحادثة مدى النفوذ الهائل الذي يمتلكه سليماني على الشؤون العراقية، والكردية الداخلية.
في الآونة الأخيرة، عُرف سليماني بأنه دبّر حملة القمع التي شنها رجال الميليشيات المدعومة من إيران ضد الاحتجاجات الشعبية والسلمية في العراق في أواخر عام 2019، وهو أمر كان ينبغي أن يشير إليه الكتاب، على الأقل بشكل عابر.
كما يحتوي الكتاب على عدد قليل جدًا من الحواشي، وتلك الحواشي تشير في المقام الأول إلى المقابلات والأعمال التي قام بها عزيزي لغرض هذا المشروع.
بشكل عام، يقدم الكتاب عرضًا جيدًا وجديرًا بالاهتمام لحياة هذه الشخصية المؤثرة للغاية، لكن من المهم قراءته بحذر أخذًا في الاعتبار أنه كتاب منحاز بدرجةٍ كبيرة على سليماني وإيران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦صحفي مقيم في منطقة الشرق الأوسط
المصدر: عين أوروبية على التطرف