الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
في يومهم الدولي.. معاناة السكان الأصليين لم تنتهِ بعد الإبادات
الأراضي التي يعيش عليها السكان الأصليون موطن لأكثر من 80٪ من التنوع البيولوجي للكوكب

كيوبوست- مدى شلبك
كانت أولى المحاولات الرسمية لانتزاع سكان أصليين حقوقَهم، عندما سافر الزعيم “ديسكاهي”، زعيم رابطة قبائل الأمريكيين الأصليين في شمال شرق أمريكا الشمالية (إيراكوي)، عام 1923م إلى جنيف؛ للتحدث إلى عصبة الأمم حول حق شعبه في العيش على أراضيه ضمن عقيدته المتوارثة، إلا أن ديسكاهي حُرم من الحديث وعاد إلى أرضه خائباً بعد عامَين.
ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، تكافح الشعوب الأصلية للحفاظ ليس على حقوقها وخصوصيتها الثقافية فقط؛ إنما على تنوع الغطاء البيولوجي للمنطقة التي تسكن فيها، في ظل تحديات ومعاناة تمارسها الدولة والمتطرفون من السكان غير الأصليين.
مَن هم السكان الأصليون؟
منذ عام 1995م، يتم الاحتفال باليوم الدولي للسكان الأصليين في العالم في 9 أغسطس من كل عام، والذين يبلغ عددهم نحو 476 مليون شخص؛ ما يعادل 6.2% من إجمالي سكان العالم، موزعين في أكثر من 90 دولة، ضمن أكثر من 5000 شعب، ويتحدثون أكثر من 4000 لغة.
ولا يوجد تعريف رسمي للسكان الأصليين، ضمن إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، إلا أن ظهور مصطلح “السكان الأصليين” يرتبط بالدرجة الأولى مع بداية الاستعمار الأوروبي، عندما شرع الأوروبيون في غزو مناطق متفرقة من العالم، والسيطرة على أراضيها وإخضاع سكانها الذين أُطلق عليهم في ما بعد “سكان أصليون” أو “الشعوب الأولى”، في حين يمكن أن يولد مُسمى “السكان الأصليين” إثر انتقال مجموعة عرقية ما إلى بلد السكان الأصليين، ويصبح الوافدون مع الوقت أكثرية.
اقرأ أيضاً: في المغرب العربي.. الحضارة الأمازيغية تتحدى الزمن والسلطة
ويتميز السكان الأصليون على اختلاف ثقافاتهم وأماكن وجودهم، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، بارتباطهم القوي بالأراضي والموارد الطبيعية الخاصة بمنطقتهم، كما يتميزون بأنظمة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية خاصة بهم، ويحاولون الحفاظ على بقائها، إضافة إلى امتلاكهم لغة وثقافة ومعتقدات.
كما يرتبط السكان الأصليون بأرضهم التي ترمز إلى هويتهم، ويسعون للحفاظ على خصوصية بيئاتهم الطبيعية؛ كونهم يمتلكون معرفة متطورة وعميقة تمتد أحياناً لآلاف السنين، حول كيفية إدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام. ويمتلك السكان الأصليون، الذين يعملون عادة رعاة أو صيادين أو مزارعين، أساليب تعامل فريدة مع محيطهم البيئي؛ الأمر الذي يُسهم في محاربة التغير المناخي.

وتُظهر الدراسات أنه حيثما توجد مجموعات السكان الأصليين تزدهر الغابات والتنوع البيولوجي؛ فالأراضي التي يعيش عليها السكان الأصليون حول العالم هي موطن لأكثر من 80٪ من التنوع البيولوجي للكوكب، كما تحتفظ أراضي الغابات التي يديرها سكان أصليون بأكثر من 20٪ من الكربون المخزن فوق سطح الأرض، وذلك تحديداً في حوض الأمازون وأمريكا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإندونيسيا.
معاناة السكان الأصليين
مثلما يتشاركون بالتعريف والتجربة، يتشارك السكان الأصليون حول العالم بالتحديات؛ إذ يعايشون سوء المعاملة والتهميش والتمييز من قِبل الدول التي يسكنونها تحت غطاء قانوني، وذلك من خلال النظم القانونية لتلك البلدان.
ولا يلغي الحديث عن المعاناة الحالية للشعوب الأصلية، معاناة الماضي مع الاستعمار الأوروبي، فقد ارتُكبت مجازر مروعة بحقهم، وتم اختطاف بعضهم كما حدث مع السكان الأصليين في أستراليا؛ وعرضهم في ما كان يُطلق عليه “حدائق الحيوانات البشرية“، على اعتبار أنهم في الترتيب الأدنى من التسلسل الهرمي للأجناس البشرية، وفي ناميبيا سرق المستعمرون الألمان جماجم الموتى من السكان الأصليين لدراستها وفحصها بعد ارتكابهم إبادة جماعية هناك، كما اختطف المستعمرون الأوروبيون أبناء السكان الأصليين وعزلوهم عن أهاليهم في مدارس داخلية؛ بغرض دمجهم قسراً بثقافة الدولة المستعمرة، كما حدث في كندا، وغير ذلك الكثير من أشكال الإبادة الثقافية.
اقرأ أيضاً: اعتذار ألماني عن الإبادة الجماعية في ناميبيا.. فماذا يقول التاريخ؟
ولم تنتهِ حلقة المعاناة تلك؛ إذ يتعرَّض السكان الأصليون حالياً إلى الطرد من أراضيهم كما يحدث باستمرار مع الفلسطينيين على يد المستوطنين الإسرائيليين، والحرمان من التعبير عن ثقافتهم، والافتقار إلى التمثيل السياسي أو قصوره، إضافة إلى الافتقار إلى الخدمات الاجتماعية، والمعاملة كمواطنين من الدرجة الثانية.

ومن ضمن النتائج الملموسة للتمييز ضدهم؛ أن متوسط العمر الافتراضي للسكان الأصليين يصل إلى 20 عاماً أقل مقارنةً بالسكان غير الأصليين، بينما تواجه نساء وفتيات الشعوب الأصلية أشكالاً إضافية من التمييز، فهنّ أكثر عرضة بثلاث مرات إلى التعرض للعنف الجنسي مقارنةً بالنساء من السكان غير الأصليين.
ويتعرض المدافعون عن حقوق شعبهم في الأرض والموارد، والمطالبون بحق تقرير المصير من السكان الأصليين، إلى الترهيب والعنف على يد السكان المتطرفين من غير الأصليين، بدعم ومساندة الدولة على الأغلب، علماً بأن الهجمات ضدهم في ازدياد، كما يتم اتهامهم بالخيانة أو الإرهاب.
كل تلك التحديات؛ وعلى رأسها التمييز، جعلت السكان الأصليين يعانون ظروفاً معيشية واجتماعية غير إنسانية أكثر من غيرهم من فئات المجتمع على المستوى العالمي؛ فهم يعانون الفقر المدقع، مشكلين 15٪ من فقراء العالم، كما أنهم يعانون معدلات أعلى من عدم امتلاك الأراضي، وسوء التغذية، والنزوح الداخلي، والأمية والبطالة، ويحتلون المرتبة الأولى بين نزلاء السجون، ومعدلات أقل في التعليم.. فإن 47% من جميع السكان الأصليين لا يتمتعون بالتعليم الرسمي.