الواجهة الرئيسيةمقالات
في عيد ميلادها الـ89.. السعودية وتحالفاتها الإسلامية

كيوبوست
عبدالله بن حمد الزيد
الحكاية انطلقت من مكة المكرمة، في صيف عام 1954م، لم يؤثر طقس أغسطس الحار على استجابة وحضور كبار القادة ورؤساء الدول الإسلامية تلبيةً لنداء جلالة الملك سعود للمؤتمر الإسلامي المتزامن مع أيام الحج في ذلك العام. وكان من بين مَن حضروا استجابة للدعوة؛ بالإضافة إلى تقديم واجب التهنئة لجلالة الملك سعود، بمناسبة توليه مقاليد الحكم؛ أسماء مثل الرئيس جمال عبد الناصر، وغلام محمد الحاكم العام لباكستان، والسيد إمامي رئيس بعثة الشرف الإيرانية، وممثلون من كبار المسؤولين في بقية الدول الإسلامية.
اقرأ أيضًا: السعودية تحتفل بعيدها الوطني وسط تحديات سياسية واقتصادية

كان للأزمة السعودية- البريطانية تأثيرها؛ إضافة إلى ما شكله “حلف بغداد” الذي سعت المملكة المتحدة لعقده مع حلفائها في العراق وتركيا وباكستان وإيران، وبرعاية ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية؛ كأحد أسلحة الحرب الباردة تجاه المد الشيوعي، وما سببه هذا التحالف من تداعيات ألقت بظلالها على سياسة التقارب والانفتاح التي انتهجها الملك سعود تجاه القوى السياسية الصاعدة “المناهضة للملكية” في مصر عام 1952م؛ مما أسهم في تشكيل تحالفات مضادة تقوم على فكرة الأمة الإسلامية التي تشكل السعودية عمقًا رمزيًّا ومنطقيًّا لها؛ كونها بلد الحرمين الشريفين، خصوصًا في ظل سيطرة إمبريالية بريطانية فرنسية بمصير الأمة الإسلامية والعربية منذ بدايات القرن الماضي، وهي ذات الفكرة التي سعى لترسيخها الملك المؤسس منذ الفراغ الذي تركه سقوط الخلافة الإسلامية، وذلك في مؤتمر القمة الإسلامي الذي دعا إليه الملك عبد العزيز سنة 1926م.

لقد “اضطبع” مؤتمر 1954م بروحانية الحج، وبخطاب يقوم على استثمار الدين الإسلامي كمرجعية لتحالفات وقوى ضغط تسهم في حفظ حقوق البلاد الإسلامية، وخدمة الدين في بقاع المعمورة كافة، وكان من نتائج ذلك المؤتمر مأسسته؛ بإنشاء سكرتارية عامة؛ لضمان إقامته بشكل سنوي، وتعيين الراحل أنور السادات سكرتيرًا، ولاحقًا وبالتحديد في عهد الملك فيصل وبمؤتمر اعتبره امتدادًا لمؤتمر 1954م، أقر في دورته المنعقدة عام 1962م تأسيس رابطة شعبية عالمية مقرها مكة المكرمة، تحظى بعضوية هيئة الأمم المتحدة كجمعية (غير حكومية).
اقرأ أيضًا: الانتقادات الموجهة إلى دور المملكة العربية السعودية في اليمن غير موضوعية ولا تخدم سوى مصالح إيران
وفي أواسط الستينيات شهد العالم صعودًا كبيرًا للأنظمة القومية المناهضة للملكيات في ظل قوة دعائية شعبية للأنظمة الاشتراكية، كان الإسلام –حينها- خيارًا ومرجعية لها تأثيرها؛ حتى لدى شعوب الدول الأشد قومية وعلمانية، وبالتالي كان خيارًا قويًّا ومنطقيًّا للسعودية ضد الحملة الشرسة التي واجهتها من الأنظمة القومية؛ مما دعا الملك فيصل إلى السعي في تأسيس حلف إسلامي منافس للجامعة العربية. في عام 1966م، وبعد زيارته إلى المملكة الأردنية؛ أعلن الملك فيصل أنه يسعى لعقد مؤتمر قمة إسلامية، وقد نال موافقة شاه إيران والعاهل الأردني، لكن الفكرة لم تحظَ بتأييد من بقية الدول العربية المؤثرة؛ مما أسهم في تأجيل المؤتمر حتى موعد آخر بسبب الخلافات العربية/ العربية، والتي احتاجت إلى حدث بقوة وحتمية الاعتداء على المسجد الأقصى وحرقه من قِبَل أحد المتطرفين اليهود عام 1969م؛ لإقناعهم بعقد المؤتمر، حيث دعا الملك حسين إلى اجتماع قمة عربية طارئ؛ إلا أن الملك فيصل رأى أن يكون اجتماعًا لقمة إسلامية، عُقدت في الرباط، وقد نتج عن هذه القمة قرارات مهمة أحدها تأسيس منظمة للتعاون الإسلامي التي كانت بالعكس من “الرابطة” تمثل الجانب الحكومي وليس الشعبي للدول الأعضاء.
هذا السرد التاريخي لظروف التأسيس يجعلنا أمام سؤال وجودي عن مدى جدوى استمرار التحالف على مرجعية دينية، ونقاش الجدوى هنا يجب أن يكون من منطلقات قياس موازين القوى والتأثير، وأيضًا -وقبل ذلك- من منطلق المرجعية الدينية ذاتها، فهل الأرضية التي تمثل الشعوب الإسلامية تنطلق من ذات المرجعية الدينية المنعزلة عن التأثيرات السياسية الأخرى؛ إذ إنه من الممكن أن يكون السلوك السياسي منعزلًا عن مرجعيته الدينية -بشكل حضاري، إنساني، حداثي- يؤمن بفكرة الدولة والمصالح السياسية البحتة، وبالتالي يتجاهل مرجعيته التأصيلية الدينية؛ مما يؤثر على الفكرة الملهمة والرومانسية للتحالف المبنى على السلوك الديني الأيديولوجي.
اقرأ أيضًا: السعودية.. مخاطر تتهدَّد الذهب الأزرق في بلد الذهب الأسود (فيديوغراف)
وسؤال آخر عن مدى قوة وتأثير مثل هذه التحالفات في المعادلة الدولية اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا. إجابة هذه الأسئلة يمكن أيضًا أن تضاف إلى تداعيات أخرى؛ مثل تهاوي وضعف الاتفاق الشعبي والسياسي على القضايا الأمامية (كالقضية الفلسطينية)؛ فبنظرة سريعة نجد أن جناح المعارضة في قضايا خلافية بالمنطقة يمثل قوى إسلامية ترى في الجانب السعودي محورًا معارضًا ومضادًّا لتوجهاتها السياسية بالمنطقة!
اقرأ أيضًا: دلالات قمة العشرين تثبت قوة السعودية على الساحة العالمية
هنا يمكن أن نطرح –كمثال- الاعتداء الأخير على “خريص وبقيق” والذي يشكل حاليًّا بؤرة الحدث السياسي بالمنطقة؛ حيث تشير أصابع الاتهام إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحورها في هذا الاعتداء، ودور التحالفات الإسلامية الذي لم يتجاوز سياسة التنديد والاستنكار على مستوى وزراء الخارجية؛ دون الدعوة مثلًا إلى عقد قمة طارئة على مستوى رؤساء الدول الأعضاء؛ لمناقشة مثل هذا الاعتداء المؤثر والغاشم على دولة تمثل عمق التحالف الإسلامي.
شاهد: رأس المال الديني .. وتجلياته في الحالة السعودية

إننا في مناقشة جدوى التحالفات الإسلامية الضعيفة حاليًّا بتمثلاتها الشعبية والحكومية، أمام خيار يرتكز على مراجعة المبدأ والفكرة الملهمة ومحاولة إعادة التوهج لها، تلك الفكرة القائمة على جانبها المدني الذي يستثمر الدين كأداة تواصل حضارية إنسانية مع الشعوب والكيانات الأخرى بمفاهيم تقوم على التسامح والتعايش وليس الصراع، وهذا ما يدعونا إلى عدم التعويل كثيرًا على التحالفات الحكومية؛ وإنما التركيز على استثمار الجانب المدني والإنساني؛ مما يتطلب من السعودية تقوية العمق الإسلامي كوجه حضاري، تواصلي، بمعزل عن مرجعياته الأيديولوجية وانعكاساتها السياسية.