الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات

في عهد رئيسي.. سياسة إيران في الصحراء الغربية تزداد خطورة

مقال لكبير الباحثين في معهد أبا إيبان للدبلوماسية الدولية في إسرائيل يلخص فيه أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في شمال إفريقيا

كيوبوست- خاص

داني سيترينوفيتش♦

مقدمة:

“سيتم تفعيل مقدرات إيران كافة باتجاه التعاون مع الدول الإفريقية بشكلٍ جدي في ظل إدارة حكم رئيسي الجديدة”.

تشكل المحادثات الجديدة بين إبراهيم غالي، السكرتير العام لجبهة البوليساريو، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، “نقطة التقاء” غير مسبوقة بين إيران وجبهة البوليساريو؛ حيث تسعى طهران في عهد رئيسي إلى زيادة نشاطها الإقليمي، وزيادة نفوذها في المنطقة، و”نشر الثورة الإيرانية”. ومن ناحيةٍ أخرى، تبدي جبهة البوليساريو اهتماماً في زيادة قدراتها العسكرية كقوة ردع في وجه المغرب.

لطالما سعَت إيران عبر التاريخ إلى نشر أفكارها الثورية في محاولتها للهيمنة على العالم الإسلامي، وهذا هو المبدأ الأساسي للثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979. وفي سعيها لتحقيق الرسالة “المقدسة” للثورة الإسلامية لطالما قدمت إيران الدعم المالي والأيديولوجي والمادي في مختلف أنحاء العالم إلى المجموعات الإرهابية الموالية للمرشد الأعلى، بغض النظر عما إذا كانت هذه المجموعات سُنية أو شيعية (ودعمها لحركة حماس الإرهابية السُّنية هو مثال على هذا). وقد ساعد هذا الدعمُ الإيراني للمجموعات الإرهابية في تأسيسِ مناطق نفوذ إيرانية في المنطقة؛ بما في ذلك أفغانستان وسوريا ولبنان واليمن والسعودية والبحرين، والأراضي الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: جهود حزب الله وإيران لنشر التطرف في إفريقيا

في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس روحاني، لطالما كانت سياسة طهران في المنطقة؛ لا سيما في ما يخص الموارد التي تحتاج إيران إلى تقديمها في محاولتها “تصدير الثورة الإسلامية”، موضعَ خلاف بين الحرس الثوري الإيراني، ومكتب الرئاسة في إيران. وعندما طالبت “سرايا القدس” بدعمٍ مالي وعسكري أكبر، اتبع الرئيس روحاني نهجاً مختلفاً؛ فقلَّل ميزانيتها المالية ودعا إلى التركيز على نشاطات أكثر إيجابية، لكن يبدو أن هذا “الخلاف” سرعان ما انتهى بمجرد استلام رئيسي السلطة في إيران. فقد بدأت إيران، وقبل أداء إبراهيم رئيسي القسم الرئاسي، بتصعيد ممارساتها العدائية على جبهاتٍ عدة في الشرق الأوسط. لقد أصبحت طهران أكثر عدوانية.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي

وانطلاقاً من وجهات نظر رئيسي المتشددة، نجد أنه من المحتمل أن تزيد إيران من دعمها مصادر جديدة في سعيها لزيادة نفوذها الإقليمي؛ لا سيما بعد تولِّي حسين أمير عبداللهيان، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرس الثوري الإيراني، منصب وزير الخارجية الإيراني، مما قد يزيد من الدعم المقدم لنشاطات الحرس الثوري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

ومن هنا نجد أن النشاطات العسكرية والدبلوماسية للحرس الثوري قد تتوسع لتشمل أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا، مشيراً إلى أن الارتباط الوثيق بين “سرايا القدس” والخارجية الإيرانية برئاسة عبداللهيان سيؤدي إلى استخدام مكاتب السفارات الإيرانية كنقاط انطلاق لعمليات الحرس الثوري في أنحاء العالم المختلفة. ومن وجهة نظر رئيسي وعبداللهيان تلعب إفريقيا دوراً محورياً في تعزيز علاقات إيران مع الدول خارج المعسكر الغربي.

العلاقة بين إيران وإفريقيا

تنظر إيران إلى القارة الإفريقية على أنها ساحة ثانوية في معركتها العبثية لبسط النفوذ والقوة والسيطرة على المناطق في مواجهة المملكة العربية السعودية الداعم للإسلام السلفي أو ما يعرف بالوهابية. ولطالما سعَت إيران إلى الحد من التمدد الغربي في إفريقيا؛ خصوصاً تأثير الولايات المتحدة الأمريكية هناك عن طريق إيجاد قضية مشتركة مع المجموعات المناهضة للاستعمار التي تسعى إلى رسم مسارات أكثر استقلالية.

اقرأ أيضاً: حرب وشيكة قد تندلع بين دول المغرب العربي بسبب جبهة البوليساريو!

لقد كان سعي إيران لبسطِ نفوذها في القارة الإفريقية، منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، عملاً شاقاً؛ لأن إيران لا تملك أي موطئ قدم تاريخي في إفريقيا، وهذا مرده إلى اتباع المسلمين الأفارقة المذهبَين الصوفي والسُّني. ومع ذلك فقد أنشأت إيران في إفريقيا بنية تحتية من المساجد والمركز الثقافية، وشبكات العمل الخيري، والمعاهد التعليمية؛ بهدف نشر أفكارها الثورية في إفريقيا.

تعتبر إيران منطقة الصحراء الغربية في إفريقيا ذات أهمية خاصة؛ فبالإضافة إلى رغبة إيران في بسط هيمنة “الهلال الشيعي” الإقليمية، وتمكينه من لعب دورٍ قيادي في المنطقة، تشكل الصحراء الغربية نافذة لإيران لتوسيع نفوذها الاستراتيجي في شمال إفريقيا التي تشكل بوابة عبور إلى المحيط الأطلسي. وبالنظر إلى قرب المغرب من أوروبا، فإن غياب الاستقرار فيه سيؤثر سلبياً على الأمن الأوروبي؛ مما يعطي إيران ورقة إضافية في أي مفاوضات مستقبلية.

إيران تفتح جبهة جديدة في معركتها الكونية ضد حلفاء الغرب من خلال تمويل المجموعات المتمردة في شمال إفريقيا- صحيفة “الصن”

بالإضافة إلى ما سبق، فمن المهم الأخذ بعين الاعتبار العلاقة الاستراتيجية بين إيران والجزائر، البلد المنافس للمغرب. لقد لعبت الجزائر دوراً محورياً في دعم دول البوليساريو في أكثر من اتجاه، وساعدتها عندما سمحت لسفارة إيران في الجزائر العاصمة، بشن عمليات، كما سمحت لمسؤولي “حزب الله” بزيارة تندوف. من خلال دعم المعارضة وتقويتها على خصومها، استطاعت إيران بناء علاقات متينة مع الجزائر؛ مما ساعد في نشر أيديولوجية طهران ونفوذها في الجزائر، وهيَّأ أرضية خصبة لتجنيد المزيد من الأتباع لقضيتها.

علاقة المصلحة المشتركة بين البوليساريو وإيران:

 خلفية المشهد:

لطالما اتسمت العلاقات بين إيران والمغرب بالفتور، فمنذ عام 1979 عندما انتهى المطاف بالشاه في المغرب بناء على دعوة ملك المغرب حسين الثاني، ورفض الأخير تسليم الشاه إلى إيران، تراجعت العلاقات بين البلدَين. وقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران في الفترة الممتدة بين 2009 و2014 على خلفية دعم إيران للطائفة الشيعية التي تشكل الغالبية العظمى في البحرين ذات الحكم السُّني. وإن دعم إيران في الماضي لجبهة البوليساريو أثار شكوك حكومات المغرب المتعاقبة في نية إيران نشر التشيع في المغرب، ودعمها الأقلية الشيعية هناك.

اقرأ أيضاً: لماذا تدعم الجزائر جبهة البوليساريو؟

انطلقت شرارة النزاع بين إيران والمغرب في مارس 2017؛ بسبب الخلاف بينهما على الصحراء الغربية، عندما اعتقلت سلطات المغرب قاسم تاج الدين، ممول “حزب الله” اللبناني، في الدار البيضاء. زاد اعتقال قاسم تاج الدين من حدة التوتر بين “حزب الله” والمغرب. ويرى متابعون أن هذا الأمر أسهم في تعزيز العلاقات بين جبهة البوليساريو و”حزب الله”. وفي مايو من عام 2018 اتهم المغرب إيران صراحةً بمحاولة زعزعة الاستقرار في الصحراء الغربية، عن طريق سفارتها في الجزائر العاصمة. ويشير بوريطة، وزير خارجية المغرب، إلى أن أمير الموسوي، الملحق الثقافي الإيراني في الجزائر، قد ساعد في تهريب “حزب الله” الأسلحة، وإيصالها إلى جبهة البولساريو، مروراً بالجزائر.

رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين يعترف بتورطه في غسيل الأموال- “وول ستريت جورنال”

نظرة إلى المستقبل:

تُظهر الأحداث الأخيرة في الصحراء الغربية كيف يمكن لكلا الطرفين تحقيق المكاسب الكبيرة إذا ما تم التعاون بينهما.

بالنسبة إلى الجانب البوليساري:

أنهت صراعات الصحراء الغربية التي اندلعت العام الماضي معاهدة وقف إطلاق النار بين طرفَي النزاع التي استمرت لمدة 29 عاماً، والتي أفضى إليها استفتاء شعبي حول تقرير المصير، وأظهرت بشكل واضح أن المواجهة مع المغرب ستزداد حدة.

ومن وجهة نظر المقال، فإن هذه الفكرة قد دفعت قادة البوليساريو والجزائر إلى السعي لتحقيق “التوازن الاستراتيجي” مع المغرب عن طريق الاستحواذ على قدراتٍ استراتيجية من شأنها تقويض هيمنة المغرب على ساحة المعركة؛ كالصواريخ الموجهة بدقة (مثل صواريخ إسكندر) وصواريخ سام المطورة التي تمكنها من التصدي لهجمات المغرب بواسطة الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى السعي لتحقيق التفوق في قدرات القتال تحت الأرض والتي أصبحت حاجة ملحة لجبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر في سعيهما لتحقيق هذا التوازن.

وبالنظر إلى حقيقة أن علاقة روسيا الجيدة مع المغرب ستمنعها من تزويد البوليساريو بهذه القدرات، ستصبح إيران هي المنفذ الوحيد للحصول عليها. وتمتلك إيران (وحزب الله) خبرة واسعة في مثل هذه الأسلحة والحروب، وقد مكنت المساعدة والتدريبات التي قدمتها إيرن إلى القوات الموالية لها في كل من سوريا ولبنان واليمن، هذه القوات من التصدي بقوة لأعدائها في المنطقة المتمثلين في (إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والقوات الأمريكية). إن الخبرة الإيرانية الواسعة، وتقدم الصناعة العسكرية في إيران، وخبرتها التي لا تضاهى في تدريب القوات الموالية لها.. كل هذه العوامل مجتمعة، مع رغبة النظام الإيراني الجديد في تعزيز العوامل التي من شأنها “تصدير الثورة الإيرانية”، تجعل من طهران في يومنا هذا المرشح الأمثل لدعم البوليساريين في تحقيق أهدافهم.

خبراء عسكريون من “حزب الله” وصلوا إلى تندوف مع صواريخ سام-9 لتدريب قوات مغاوير جبهة البوليساريو- “ميدل إيست آي”

بالنسبة إلى إيران:

يرى قادة إيران المتشددون أن “سياسة المقاومة” هي التي جعلت من الجمهورية الإسلامية قوة إقليمية، ولهذا كان عليهم التوسع في النفوذ إلى خارج منطقة الشرق الأوسط. ولذلك فإن أحد الدوافع الأساسية في التوجه الجيوسياسي الإيراني هو بسط نفوذها على الدول التي تكن حكوماتها وشعوبها مشاعر الكراهية للغرب. يمكن للمشاعر المناهضة للاستعمار في أجزاء من إفريقيا أن تمهد الطريق أمام إيران وبعض الدول الإفريقية للوصول إلى منظورٍ مشترك؛ مما يعزز الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة.

اقرأ أيضاً: تحقيق صحفي مغربي يكشف بالتفاصيل: علاقة خفية بين قطر والبوليساريو

إن البوليساريو ستمكِّن إيران من تحقيق أهدافها الاستراتيجية. يمكن لإيران أن تضم البوليساريو إلى شبكة “وكلائها” لتستخدمها على النحو الذي يسبب الضرر البالغ للمغرب “خصمها الرئيسي” في شمال إفريقيا من دون أن تضطر إلى دفع ثمن عملياتها. وعلاوة على ذلك، سيساعد مثل هذا النشاط في ترسيخ مكانة إيران ونفوذها في الجزائر وسيظهر قدراتها في الصناعة العسكرية. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن إيران ومن خلال دعمها للبوليساريو ترسل رسالة واضحة بأنها مهما كانت الظروف لن تقبل “اتفاقيات إبراهيم”، وستدعم طهران وكلاءها في حربهم ضد أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.

وبتحليل محادثات وتصريحات جنود وقادة البوليساريو على وسائل التواصل الاجتماعي، نجد وبشكلٍ جلي أن مقاربة البوليساريو للحملة العسكرية باتت الآن مختلفة كلياً. إن استخدام المغرب الأسلحة المتطورة وبناء الجدار والدعم الأمريكي لسيطرة المغرب على الصحراء الغربية ترك البوليساريو وداعميها في الجزائر أمام خيار وحيد وهو التصدي لهذا الوضع، وتوضح تحليلات بيانات التواصل الاجتماعي رغبة البوليساريو وسعيها لامتلاك الأسلحة المتطورة.

مقاتل بوليساري يناقش الحاجة الملحة للحصول على الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى وإمكانية الحصول على دعم إيران في هذا الشأن
أحد كبار مقاتلي جبهة البوليساريو يناقش الحاجة إلى التعاون مع إيران في مواجهة التحديات المتزايدة في ساحة المعركة والحاجة إلى الاستفادة من النشاط الإيراني خصوصاً في اليمن

الخلاصة

من المرجح أن تكثف إيران في عهد رئيسي جهودها للتركيز على الدول غير العربية، ويبدو أن إفريقيا ستكون لها الحصة الأكبر من هذه الجهود؛ حيث سيمكِّن تعزيز العلاقات مع إفريقيا الجمهوريةَ الإسلامية من الدفاع عن مصالحها ضد أعدائها الإقليميين والعالميين. ويجب على المجتمع الدولي؛ خصوصاً الدول التي تخاف من التوسع الإيراني، أن تضع نصب أعينها حقيقة أن إيران بقيادة رئيسي ستكون أكثر جرأة في جهودها الإقليمية والعالمية، بغض النظر عما إذا كانت ستعاود الانضمام إلى الاتفاق النووي أم لا.

إن التصور الأيديولوجي لإعادة تصدير الثورة، هو في صميم أهداف حكومة رئيسي. ومن هنا كان من الضروري العمل على إضعاف إيران الداعمة لإفريقيا، والتصدي لرغبتها في توسيع موطئ قدمها في إفريقيا؛ خصوصاً في الصحراء الغربية الاستراتيجية. ولن يكون بالإمكان إضعاف مراكز قوة إيران إلا بتكثيف الجهود الدولية المناهضة لها.

لقد حان الوقت لتركيز الرقابة على أنشطة إيران في إفريقيا من خلال إيجاد استراتيجية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والعمل ضد “فيلق القدس”، والوجود الإيراني في إفريقيا. لن يكون بالمقدور الوقوف في وجه طموحات إيران التوسعية إلا من خلال تنسيق العمل بين جميع الدول المعنية.

♦الباحث الأول في معهد أبا إيبان للدبلوماسية الدولية في إسرائيل.

لقراءة الأصل الإنكليزي: Iran – Polesarion

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة