الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

في شمال العراق.. تنظيم داعش يستعد للانتقام

نجم عن غياب التنسيق الأمني بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية في بغداد استعادة تنظيم داعش قوته وتنظيم صفوفه وإعادة تموضعه في شمال العراق

ترجمات-كيوبوست

غازي فيصل كردي، يبلغ من العمر خمسين عامًا ويتمتع بلياقة بدنية عالية؛ بسبب حياته التي قضاها في أعالي جبال كردستان.. يتوجه غازي ذات صباح إلى قاعدة مخمور العسكرية؛ حيث يلتقي اللواء صالح، رئيس الفرقة الثالثة من الشرطة الفيدرالية العراقية، والمسؤول عن السيطرة الأمنية في المنطقة. يشرح غازي الوضع الأمني له، قائلًا: “اعتبرنا مواطنين عراقيين، دعونا نضع السياسة جانبًا ونوحِّد صفوفنا ضد الجهاديين”.

“مخمور” مثل مدن حدودية أخرى تقع بين العراق وإقليم كردستان؛ هي جرح قديم لم يُشفَ قط، فهي واحدة من تلك المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد، بين بغداد وأربيل؛ حيث تنتقل سيادتها من سلطة إلى أخرى وَفق ميزان القوى.

في “مخمور” التي كانت مرتبطة تاريخيًّا بكردستان، نرى وجودًا للسكان العرب الذين زرعهم صدام حسين في السبعينيات، وبعد حرب الخليج بقيت بغداد تدير المنطقة في الفترة من 1991 إلى 2003، بينما استعادت أربيل السيطرة عليها بعد سقوط نظام صدام حسين، ويقوم بتأمين المنطقة حاليًّا عناصر أمنية عالية الكفاءة.

اقرأ أيضًا: مقابل الرواية التركية: روايات عن حكم الأكراد في عفرين

احتقان سياسي

في سبتمبر 2017، أجرت حكومة إقليم كردستان استفتاءً على استقلالها دون موافقة الحكومة المركزية في بغداد.

وردًّا على ذلك، في 16 أكتوبر 2017، هاجمت القوات المسلحة العراقية، بمساعدة الميليشيات الشيعية، الأكراد، الذين وسَّعوا أراضيهم بشكل كبير؛ مستغلين ملف الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد معارك قصيرة لكن عنيفة يستعيد العراقيون السيطرة في المحافظة الشمالية القوية؛ خصوصًا كركوك وحقولها النفطية.

بات 16 أكتوبر 2017 ذكرى أليمة جديدة لكردستان؛ فالبشمركة (المقاتلون الأكراد) تخلوا هم أيضًا عن “مخمور” جراء المعارك، وانسحبوا باتجاه الجبال تحت ضغط القوات العراقية؛ لكن الوضع بقي حساسًا والجرح لا يزال غائرًا، وأي استفزاز جديد هو كفيل باندلاع حرب أخرى بين الطرفَين.

مقاتلات كرديات

ملاذ لـ”داعش”

هذا المكان شكَّل ملجأً مثاليًّا لأنصار الدولة الإسلامية؛ لقد فقدوا الموصل قبل ستة أشهر، عقب مطاردتهم من جميع الجهات، وشهدوا على سقوط آخر معقل لهم في المنطقة؛ مدينة الحويجة.

هذا المكان وسط الجبال مثالي لحرب العصابات؛ أراضٍ واسعة صعب الوصول إليها، مليئة بالكهوف والمخابئ وينابيع المياه، مع الطرق القريبة المناسبة لعمل قُطَّاع الطرق والمطالبة بالفديات.

قوات الجنرال صالح الكردية، بقيادة غازي فيصل، تهاجم الجهاديين في أثناء انشغالهم في رحلة صيد “لكن يبدو أن العدو يتحصَّن بأرض منيعة.. كان علينا أن ننسحب؛ فلم نكن مسلحين بشكل جيد في ذلك اليوم، الأمر كان يحتاج إلى أسلحة ثقيلة ودعم جوي”، كما يقول غازي فيصل.

مقاتلون أكراد

بعد ستة أشهر على الخلاف الكردي- العراقي، تحديدًا في يوليو 2018، شنّ الجيش العراقي وعناصر البشمركة عملية مشتركة، بمساعدة طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ثلاثون منطقة تعرَّضت للهجوم وقُتل على إثر ذلك عشرات “الجهاديين” الداعشيين.

رغم ذلك؛ فإن الداعشيين لا يزالون قادرين على التحرك والمناورة مرارًا وتكرارًا. فبعد تسعة أشهر على هذا الهجوم، تحديدًا في مارس 2019، اقتحموا حافلة مليئة بأفراد الميليشيات الشيعية بالقرب من جبال كردستان، وخلف الهجوم سبعة قتلى وثلاثين جريحًا.

في أبريل الماضي قبض الجهاديون على مجموعة من الأكراد؛ أحدهم رجل أمن أعدموه على الفور، وكان هؤلاء قد خرجوا في نزهة لصيد الكمأ الأبيض؛ حيث ينمو كثير منه بعد هطول أمطار غزيرة في الشتاء.

وفِي مايو من هذا العام قتل الجهاديون تسعة من رجال الشرطة بالقرب من الحويجة، معقل الدولة الإسلامية السابق؛ حيث لا يزال تنظيم داعش هناك يحظى بالتأييد.

“هم نشطون جدًّا، لديهم خمسة عشر إلى عشرين موقعًا حساسًا وخمس آبار”، يقول غازي فيصل، مضيفًا: “من الصعب تقدير عددهم؛ إنهم يأتون ويذهبون.. أكثر التقديرات تفاؤلًا يقول إن عددهم خمسون مقاتلًا، والأكثر تشاؤمًا يقدر عددهم بنحو ثلاثمئة”.

اقرأ أيضًا: بعد غرق إيران ماليًا، الميليشيات العراقية تجني أموالًا عبر “إتاوات الحماية”

شعبية تتجدد

للتزود بالوقود، يمكن لتنظيم الدولة الاعتماد على مناطق “مخمور” العربية؛ خصوصًا أن شعارات مثل “الدولة الإسلامية باقية وتتمدد” بدأت تظهر مرة أخرى على جدران المدينة، حسب قوله.

“لماذا لا تشن قوات الأمن هجومًا جديدًا؟! نحن مستعدون لعملية مشتركة أخرى”، هكذا يرى بعض الأكراد؛ فبعد خلاف عام 2017، تبدو العلاقات جيدة مرة أخرى مع الجيش العراقي، لكن “الأمر بيد السياسيين، نحن مجرد جنود في انتظار أوامر”، يقول ضابط كردي اشترط عدم الكشف عن هويته.

ويضيف: “تسعى الدولة الإسلامية إلى استعادة شكل من أشكال السيطرة الإقليمية في هذه المنطقة، وتفرض ضرائب في المناطق الجبلية، ولا تتردد في الظهور في وضح النهار”.

يقول ماتيو بوكستون، خبير في الحركات الجهادية: “هنا، كما هي الحال في المناطق الأخرى، يلعب فصل المحافظات دورًا مهمًّا في مساعدة الجهاديين على التنقُّل؛ خصوصًا أن السلطات المحلية لا تبدي تعاونًا أمنيًّا مشتركًا عند الحاجة”.

ويبدو أن عمليات البحث والتمشيط الأمني لها تأثير محدود فقط، ووَفقًا لآخر إفادة للتحالف الدولي في تقرير مخصص للكونجرس الأمريكي في عام 2019 “نفَّذت القوات المسلحة العراقية 92 عملية تمشيط أمني خلال الربع الأول من هذا العام؛ هذه العمليات انخفضت بشكل ساعد تنظيم داعش على مواصلة نشاطه والاختباء في التضاريس الريفية أو الجبلية”، تقدر وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية أن هناك 30000 مقاتل في المنطقة الحدودية العراقية- السورية.

اقرأ أيضًا: عائلات التنظيم

عندما وصل الجهاديون إلى القرية التي تقطن فيها فرحة حسن بالقرب من الحويجة في عام 2014، تم الترحيب بهم كأبطال. قام عناصر التنظيم بتوزيع البذور والدقيق والزيت، وما لبث أن انضم أبناؤها الأربعة إلى التنظيم؛ قُتل اثنان منهم في غارة جوية، واختفى اثنان آخران، ولا يزال لديها ابن في الخامسة عشرة من عمره يقطن معها في مخيم اللاجئين.

“كنساء، علينا أن نتبع رجالنا فقط، لكن الآن كبرت وأطفالي ماتوا، وزوجي في السجن في بغداد، ولا يمكنني حتى العودة إلى قريتي”، تقول فرحة.

لمغادرة المخيم، تحتاج فرحة إلى أوراق جديدة، صودرت خلال رحلتها في سبتمبر 2017، بينما تحجم الدولة العراقية عن إعطاء هوية للعائلات التي كان لها أقارب في تنظيم الدولة الإسلامية.

ووَفقًا للمجلس النرويجي للاجئين، فإن 10٪ من العائلات العراقية التي تعيش في المخيمات لا تملك وثائق قانونية.

إن الحرمان من الأوراق في العراق يعني عدم القدرة على عبور نقاط التفتيش التي لا حصر لها والتي تنتشر في البلاد. كما يترتب على ذلك حرمان الأطفال من الوصول إلى المستشفيات أو مواصلة التعليم، وحاليًّا يوجد عشرات الآلاف من تلك الحالات في المخيمات العراقية.

المصدر: لوفيجارو

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة