الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

في ذكرى هجمات مومباي

كيوبوست- ترجمات

وافق نهاية شهر نوفمبر الذكرى الثالثة عشرة لهجومٍ شنه إسلامويون على مومباي، في أحد أضخم الهجمات الإرهابية في الذاكرة الحديثة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 160 شخصًا، وجرح أكثر من 300 آخرين.

في هذا الهجوم، بدأ فريق من عشرة مهاجمين من جماعة عسكر طيبة هجومهم على مومباي في 26 نوفمبر 2008، قرابة الساعة 21:30. واستهدفت سلسلةٌ من الهجمات بالقنابل وعمليات إطلاق النار مقهى ليوبولد، وسيارتي أجرة، وفندقي تاج محل وأوبروي ترايدنت، ودار ناريمان، مركز يهودي للعبادة والتجمع. وبحلول صباح يوم 27 نوفمبر، تمكّنت قوات الأمن الهندية من تأمين جميع المواقع باستثناء فندق قصر تاج محل، الذي ظلَّ تحت الحصار حتى 29 نوفمبر.

اقرأ أيضًا:  هل تقف إيران خلف تفجير السفارة الإسرائيلية في نيودلهي؟

خلال الهجمات، قُتل تسعة من عناصر عسكر طيبة، كما كان من المفترض أن يحدث، كونها كانت مهمة انتحارية. لكن أحدهم لم يقتل: فقد ألقي القبض على محمد أجمل كساب، ما أعطى الهند للمرة الأولى معتقلًا ذا قيمة عالية من حيث إمكانية استجوابه، والحصول على معلومات ثمينة.

وكان مفهومًا منذ فترة طويلة أن جماعة عسكر طيبة هي أداة من أدوات “الدولة العميقة” الباكستانية؛ أي مؤسسة الاستخبارات العسكرية التي تدير الدولة، والآن أصبح لدى الهند إمكانية الوصول إلى معلومات تفصيلية عن كيفية استخدام جارتها لأدواتها الإرهابية. وقد تلقى الإرهابيون، من بين أمورٍ أخرى، أشكالًا مختلفة من التدريب المتطور من جانب الشرطة السرية الباكستانية، يمكن استنتاجها بدءًا بهبوطهم البرمائي في الهند، الذي انطوى على الانطلاق من كراتشي، واختطاف سفينة صيد هندية، جرت كلها “تحت ستار عمليات إغاثة إنسانية”.. على بحيرة في حرمها الرئيس الواسع، خارج لاهور”.

الشرطة الهندية تطوِّق موقع إحدى الهجمات في مدينة مومباي- “رويترز”

وكالة الاستخبارات الباكستانية المشتركة هي أضخم، وبالتأكيد أقوى مؤسسة في الدولة، توظف -بطريقةٍ أو بأخرى- نصف مليون شخص، يتضمنون كلَّ شيء من أعضاء البرلمان إلى مذيعي الأخبار التلفزيونية. ومن الناحيةِ النظرية، تنقسم الوكالة إلى أقسامٍ عدّة، لا سيما الجناح- سي، الذي ينسق مع أجهزة التجسس الأجنبية، والجناح-إس، الذي يشرف على كوكتيل الجماعات الإرهابية التي زرعتها الوكالة على مدى عقودٍ عديدة. ومن الناحيةِ العملية، يعمل الجناح- سي عمومًا على توفير غطاء دبلوماسي وسياسي لأنشطة الجناح-إس.

العنصر الفريد الآخر للهجوم، إضافة إلى القبض على كساب، هو أن عسكر طيبة استهدفتِ الرعايا الأجانب، جنبًا إلى جنب، مع المدنيين الهنود. وكان 25 من القتلى، وقرابة أربعين من المصابين، من دولٍ غربية ودول أخرى، لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل وألمانيا وأستراليا. وبذل الإرهابيون جهدًا خاصًا لاستهداف اليهود الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي قبل قتلهم.

اقرأ أيضًا: تاريخ طويل من الصدام: إليكم تسلسل النزاع الهندي الباكستاني منذ البداية

البعد الدولي للهجوم جعل وكالات إنفاذ القانون الأجنبية تشارك في التحقيق اللاحق. وقد منحتِ الهند مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) حق الوصول الى كساب الذي أكد أنه وجميع المهاجمين الآخرين مواطنون باكستانيون. ومن بين النتائج الرئيسة التي توصلت إليها التحقيقات أن فريق الهجوم الإرهابي كان يوجّه في كل مراحله من قبل فريق عمل يقع مقره في لاهور؛ أي داخل باكستان.

وكانت الولايات المتحدة قد اعترضتِ المكالمات هذه، كما يوضح ستيف كول في كتابه بعنوان «الجناح-إس» (Directorate S) (ص 44-343):

رتّب فريقٌ دولي من قادة الاستخبارات المتخصصين في جنوب آسيا، بمن فيهم القائم بأعمال رئيس مكتب وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) في إسلام أباد، اجتماعًا في وكالة الاستخبارات الباكستانية وتوجّه إلى مقر الوكالة الباكستانية حاملًا خرائط ورسومًا بيانية تربط بين المهاجمين وأرقام الهواتف في باكستان. وتضمنتِ الرسوم البيانية بعض الأرقام المرتبطة بضباط معروفين في وكالة الاستخبارات الباكستانية. وقابلوا الضابط الذي كان يدير قسم التحليل فيها.

حافظ سعيد- أرشيف “رويترز”

تطوّر الحديث وفق أسسٍ مألوفة. بدأ جنرال الاستخبارات الباكستانية حديثه بإنكار الأمر وباتهاماتٍ دفاعية مفادها أن الهند كانت تختلق أكاذيب حول أدلة مومباي لتشويه باكستان… ثم عرض الزوار أدلتهم. فلجأ الجنرال للدفاع مرة ثانية: “سيتعين علينا التحقيق في هذا الأمر”…

أكدت الأدلة أن جماعة عسكر طيبة كانت هي المسؤولة عن الهجوم، وأنها كانت فعليًا ذراعًا شبه عسكرية للدولة الباكستانية.

الجدير بالذكر أن وكالة الاستخبارات الباكستانية لم تنشئ عسكر طيبة، ولكنها استمالتها منذ وقتٍ مبكر جدًا، كما تصف كريستين فير بالتفصيل في كتابها بعنوان «وفق عباراتهم الخاصة» (In Their Own Words). ورغم أن باكستان حظرت الجماعة رسميًا في عام 2002، فإن الأخيرة غيّرت ببساطة اسمها إلى جماعة الدعوة، ولا يزال مؤسسها حافظ سعيد حرًا تمامًا في تنظيم المظاهرات، وجمع التبرعات داخل باكستان. وكما توثّق الدكتورة فير، فإن وصف جماعة عسكر طيبة/الدعوة بأنها “عميلة” لوكالة الاستخبارات الباكستانية يغفل طبيعتها: فالجماعة إحدى أجنحة الدولة الباكستانية.

اقرأ أيضًا: مصادر رسمية تكشف عن التمويل التركي للمنظمات المتطرفة في الهند عبر قطر

تتبع جماعة عسكر طيبة طائفة دينية تسمى أهل الحديث -تختلف تمامًا عن الطائفة الديوبندية، التي تتبعها جماعات أخرى تابعة للاستخبارات الباكستانية؛ مثل طالبان، وعسكر جهنكوي، وجيش الصحابة- ما يجعلها مثالية كتشكيلٍ مسلح: بغض النظر عن خلافاتها مع القادة الباكستانيين، فهي تعارض بشدة العنف على الأراضي الباكستانية.

وقد نُشرت عسكر طيبة في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، ومؤخرًا في أفغانستان كجزء من التحالف الجهادي التابع للاستخبارات الباكستانية الذي يضم حركة طالبان وشبكة حقاني وتنظيم القاعدة، وهناك مؤشرات على أن عسكر طيبة تحاول الانخراط مع الروهينجيا في بورما. ولديها مراكز لجمع التبرعات في جميع أنحاء العالم، خاصة في بريطانيا والسعودية.

تُعتبر عسكر طيبة بالفعل شعبة مهمة للغاية في الجيش الباكستاني، مع الفائدة السياسية الإضافية المتمثلة في كونها أداة “قابلة للإنكار” والفائدة الاقتصادية لكونها رخيصة للغاية، لأسبابٍ ليس أقلها أن هدفها هو الاستشهاد في القتال، وبالتالي لا توجد تكاليف معاشات تقاعدية، كتلك التي تلتهم جزءًا كبيرًا من جميع الميزانيات العسكرية في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، تؤكد الدكتورة فير أن التشدد ليس سوى جزء من القصة مع عسكر طيبة، التي تحقق أيضًا العديد من الأهداف المحلية لباكستان.

رجل شرطة يسير مع رجلٍ مسن بعد إطلاق مهاجمين مجهولين النار على محطة للسكك الحديدية في مومباي- “رويترز”

غير أن السؤال المُلح حول هجمات مومباي هو: لماذا؟ لقد شنّت باكستان العديد من الهجمات “المروّعة” باستخدام عسكر طيبة في كشمير، ولكن ذلك كان نزاعًا قديمًا وعلى الحدود. إذ تقع مومباي فعليًا على بعد أكثر من  1000 ميل داخل الهند، وكان الهجوم نفسه “عملًا إرهابيًا استعراضياً على غرار أفلام هوليوود، من شأنه أن ينزع الشرعية عن باكستان في الخارج، ويخاطر بإشعال حرب نووية”، على حد تعبير كول في كتابه (ص 345).

وقد جاءت الإجابة بعد ذلك بعام، عندما ألقي القبض على ديفيد هيدلي أو داود جيلاني، أمريكي من أصل باكستاني، في الولايات المتحدة وحوكم في وقتٍ لاحق، أول جاسوس باكستاني. وكان هيدلي قد شارك في فظائع مومباي، التي اعترف بأن ساجد مجيد (أو ساجد مير)، نائب رئيس العمليات الخارجية في عسكر طيبة، هو من نسّقها وموّلها.

شاهد: فيديوغراف.. مخاوف الهند من ارتفاع وتيرة الإرهاب في كشمير

في معرض شرحه لأسباب الهجمات، قال هيدلي إنها متشابكة وتخدم مصالح باكستان بشكل واضح وعسكر طيبة بشكل خاص: فبالإضافة إلى تشويه صورة الهند كدولة صاعدة من خلال تصويرها على أنها دولة هشة وخطيرة، فإن العملية -وتحديدًا من خلال كونها حتى الآن داخل الهند- كانت، أولًا، أكثر قابلية للإنكار من قبل باكستان، أو كانت ستكون لو مات كساب كما كان من المفترض أن يحدث.

(كشف اعتقال ظبي الدين أنصاري، في وقتٍ لاحق، عن خططٍ لجعل المهاجمين يتصلون بوسائل الإعلام الهندية المحلية، ويتحدثون اللغة الهندية الخاصة بمومباي لتعزيز الانطباع بأن هذا هجوم محلي).

ثانيًا؛ عززت وضعَ عسكر طيبة كتنظيمٍ جهادي، وأظهرت أن الجماعة لم تشارك في “جهاد وكالة الاستخبارات الباكستانية” في كشمير فحسب؛ بل تشارك في “الجهاد الحقيقي” ضد الغرب وحلفائه، وبالتالي في الجهد لاستهداف السياح الأجانب في مومباي.

موظفة من فندق تاج (في المنتصف) ترافق سائحين أجنبيين في مومباي الهندية- “رويترز”

وبذلك، هدأت جماعة المعارضة الداخلية التي هددت بتفتيت الجماعة، وبالتبعية عزَّزت مصداقية وكالة الاستخبارات الباكستانية في نظر الجهاديين، أيضًا، ما يمكّن الوكالة من إدارة ملف الجماعات المسلحة بشكل أفضل.

في أعقاب هجمات مومباي، تعهدت باكستان بالمساعدة في قمع تهديد الإرهابيين الذي ينشأ من أراضيها، وإن كانت تنفي أي تواطؤ رسمي. غير أن هذا لم يحدث، حسبما بيّن تقريرٌ صدر مؤخرًا عن عين أوروبية على التطرف. بل على العكس من ذلك، وسّعت وكالة الاستخبارات الباكستانية قدراتها الإرهابية، واستخدمتها للسيطرة على أفغانستان في وقتٍ سابق من هذا العام، ما تسبب في حالة من المجاعة والفوضى داخل أفغانستان، وتهديدًا أمنيًا للعالم الخارجي.

اقرأ أيضًا: جماعة جيش محمد.. هل تتسبب في حرب نووية بين الهند وباكستان؟

لقد كان لدى باكستان في أوقاتٍ مختلفة حكومات مدنية أبدت ميلًا نحو تنحية استخدام الإرهاب جانبًا كسياسة للدولة، وتطبيع العلاقات مع الهند وأفغانستان، لكن جميعها باءت بالفشل بسبب استمرار وكالة الاستخبارات الباكستانية في الهيمنة على الدولة.

وقد أعرب رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف عن أسفه بعد هجمات مومباي؛ قائلًا: “لا يمكنك إدارة دولة إذا كان لديك حكومتان أو ثلاث حكومات موازية. يجب أن يتوقف هذا الأمر”.

هذا صحيح، ولكن مع زيادة ثقة الوكالة بنفسها، بعد انتصارها في أفغانستان، يبدو ذلك غير مرجح في المستقبل المنظور.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة