اسرائيلياتالواجهة الرئيسيةحواراتشؤون دوليةشؤون عربية
في حوارٍ خاص بـ”كيوبوست”رئيس الموساد الأسبق أفرايم هالفي: علاقاتنا مع دول الخليج تعود إلى 1973 (1-2)
أعتقد أنه لا يوجد أي زعيم خليجي لا يرى في الإسرائيليين شركاء في مجال الأعمال التجارية بطريقةٍ أو بأخرى. وهذا أمر مهم؛ لأنه في نهاية المطاف ليس مجرد وضع سياسي ومصالح سياسية؛ بل هو أيضاً مصالح إنسانية. دول الخليج فتحت مجموعة من الفرص بأن جعلت من نفسها منفتحةً على مختلف أنواع اللقاءات؛ ومنها "المسار الثاني"، وهذا أمر مهم أيضاً؛ لأنه لا يمكن إقناع البشر إلا من خلال النظر في عيونهم لمناقشة مستقبل ومصير الإنسانية على هذا الكوكب.

كيوبوست- خاص
دينيس ساموت♦
في كتابه «رجل الظلال»، الصادر عن دار سانت مارتنز للنشر، في نيويورك، في أبريل من عام 2006، وتُرجم إلى العربية من دار الموسوعات العربية؛ يتحدث أفرايم هالفي عن تجربة عقود قضى معظمها ضابطاً في الموساد الإسرائيلي، ثم رئيساً لهذا الجهاز الذي يُعد من أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم.
وأفرايم هالفي هو رئيس جهاز الموساد التاسع، وُلد عام 1934 بلندن، ثم هاجر إلى فلسطين عام 1948. درس الحقوق في الجامعة العبرية، وانضم إلى جهاز الموساد عام 1961، ومن ثمَّ كُلِّف بإدارة جهاز الموساد في عام 1998 حتى عام 2002. اهتم هالفي بتنظيم عمليات الهجرة إلى إسرائيل. عُيِّن سفيراً لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، بعد انتهاء مهامه في الموساد.
اقرأ أيضاً: كيف ينظر رؤساء “الموساد” السابقون إلى عمليات الاغتيال؟
منذ بدايات عمله كان هالفي شغوفاً بقراءة روايات البريطاني جون لو كاريه، التي تخصصت في البيئات السياسية والتجسس أثناء الحرب الباردة. ولم تفُته مشاهدة أفلام جيمس بوند، ويرى في المحصلة أن حياته العملية كانت أغرب بكثيرٍ من الخيال، وأن “الموساد أفضل بكثير من جيمس بوند”.
ويرى هالفي أنه يوماً بعد يوم تصبح الحياة أكثر استحالة من أي وقتٍ مضى في التاريخ البشري، ويؤكد أن الدبلوماسية والمفاوضات في أوقات الحرب والسلم بحاجة إلى ملكتَي العلم والفن معاً. أما اليوم، فيحتاج العالم، إضافة إلى ذلك، إلى حرفة الاستخبارات التي هي فن أكثر منها علماً، والكثير مما سيحدث مستقبلاً سيتحقق بالطرق والوسائل السرية، والطريق للنصر سيعتمد على حرفة صناعة المستحيل.

الدكتور دينيس ساموت، رئيس مركز ليكنس يوروب للأبحاث في لاهاي- هولندا، أجرى هذا الحوار الخاص المصور مع أفرام هالفي، لصالح “كيوبوست”.
وهو في الثامنة والثمانين، يتمتع هالفي بالطاقة والحيوية وفي غاية التركيز، بعدما انتظرنا لمنحنا الحوار أسابيع حصل فيها ضيفنا على لقاح “كوفيد”، وهو اليوم أكثر نشاطاً وحماسة لأن يفاجئنا بأكثر مما جاد به في حواره معنا بوقائع من خزانته المتخمة بالأسرار حول الخليج، وعلاقاته مع قياداته التي نثر بعضاً منها في مذكراته، وفي حواراته ومقالاته، منذ بدأ الخروج التدريجي من العتمة إلى الضوء والعلن منذ قرابة عشرين عاماً.
هذه هي أولى حلقتي الحوار الذي سينشره كيوبوست على مدى يومين.
يقول هالفي في حواره مع “كيوبوست”: أعتقد أن أولئك الذين اختاروا اسم “اتفاقيات إبراهيم” يتمتعون ببعد النظر في ما يتعلق بآلاف السنين التي تقف وراء ما وصل إليه العالم اليوم، مشيراً إلى أن إسرائيل قد تطورت عبر السنين، وأصبحت أقوى بمرور الوقت.
أعتقد أن هنالك إدراكاً متزايداً على مدى سنوات عديدة بأن مصالح إسرائيل ومصالح دول المنطقة ليست متناقضة؛ بل هي في العديد من الحالات مصالح مشتركة. لقد قُمنا بالتأسيس للعلاقات مع دول الخليج، والتقيتُ قادة دول الخليج منذ 1973 وعلى مدى الأعوام الثلاثين التالية. وقد أدركنا أن التفاهم يعني أنه يجب علينا أن نقدم شيئاً، لا أن نكون شريكاً متلقياً للمكاسب والحضور فحسب.
اقرأ أيضاً: بعيداً عن التعصب.. عهد جديد في الشرق الأوسط يشهد تحالفاً عربيًّا– إسرائيليًّا
ويقول هالفي إجابة عن سؤال دينيس ساموت: “كان علينا أن نثبت لدول الخليج أنه من مصلحتها أن تتعاون معنا؛ ليس فقط بسبب الجانب العسكري الذي سنتحدث عنه لاحقاً، بل أيضاً لأننا نمتلك الكثير من الأشياء التي يمكن أن نقدمها من الناحية العملية. لقد أدركنا أنه يجب علينا أن نضع أنفسنا في وضعٍ يؤسس لعلاقاتٍ جيدة تقوم على المنفعة المتبادلة والجلوس إلى الطاولة، والحديث لا عن السلام والحرية والتضامن؛ بل عن القضايا العملية.
وأعتقد أننا أثبتنا أننا شريك قوي في مجال التكنولوجيا المتطورة، وفي العديد من المجالات الأخرى أيضاً، وهذه كانت سياسة الحكومات الإسرائيلية العديدة المتتابعة، على مدى فترة زمنية طويلة. وأعتقد أنه لا يوجد أي زعيم خليجي لا يرى في الإسرائيليين شركاء في مجال الأعمال التجارية بطريقةٍ أو بأخرى. وهذا أمرٌ مهم؛ لأنه في نهاية المطاف ليس مجرد وضع سياسي ومصالح سياسية، بل هو أيضاً مصالح إنسانية”، مضيفاً: دول الخليج فتحت مجموعة من الفرص بأن جعلت من نفسها منفتحة على مختلف أنواع اللقاءات؛ ومنها “المسار الثاني”، وهذا أمر مهم أيضاً؛ لأنه لا يمكن إقناع البشر إلا من خلال النظر في عيونهم لمناقشة مستقبل ومصير الإنسانية على هذا الكوكب.
وحول إسرائيل والفلسطينيين، يقول رئيس الموساد الأسبق: “صحيح أننا حققنا الكثير من النجاحات في مجال القوة، بينما جرَّب الفلسطينيون استخدامها ولم يحققوا أي نجاح؛ ولكن الوقت قد حان للتفكير في مقاربةٍ أخرى، مقاربة جديدة ومختلفة”.

* سيد هالفي، أود أن أشكرك على وجودِكَ هنا اليوم لإجراء هذا الحوار حول قضايا متعلقة بإسرائيل وعلاقاتها مع جيرانها؛ خصوصاً في هذا الوقت، حيث لم يمضِ زمن طويل على إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين. والآن هنالك سفارة إسرائيلية في أبوظبي؛ وهذا أمر من المؤكد أنه أثار اهتمام مشتركينا وقرائنا حول مستقبل العلاقات العربية- الإسرائيلية، وكيف ستتطور في ظلِّ الأوضاع الجديدة الناشئة.
لقد واجهت دولة إسرائيل منذ نشأتها تهديدات بأن ليس لها الحق في الوجود. وهذا ما قاله مراراً الكثير من السياسيين في العالم العربي وخارجه، وأنا واثق بأن هذه التهديدات قد صبغت التفكير في إسرائيل نفسها حول أمن الدولة الإسرائيلية، والشعب الإسرائيلي. أنت كنتَ في قلب الجهات المسؤولة عن حماية إسرائيل وأمنها. هل تعتقد أننا أصبحنا الآن في وضع جديد زال فيه هذا التهديد الوجودي، ربما يكون هنالك تهديدات أخرى؛ ولكن مسألة وجود دولة إسرائيل لم تعد مطروحة. بل السؤال الآن هو: كيف ستتطور إسرائيل في هذا الوضع الجديد وفي الواقع الجديد الذي يحيط بها؟ هل تعتقد أن هذه لحظة مصيرية أم تعتقد أنها ليست على هذا القدر من الأهمية؟
– أولاً، أودُّ أن أعبر عن ترحيبي بهذه الفرصة للحديث معك ومع زملائك. أنا أعتقد أن المسألة التي طرحتها لا يمكن بحثها بشكل كافٍ في لقاء واحد.
بدايةً، أود أن أرجع إلى الوراء بضعة آلاف من السنوات؛ فالتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط هي ما تُعرف باتفاقيات إبراهيم؛ وإبراهيم هو شخصية تاريخية عالمية. والتوراة، التي تعتبر إحدى الوثائق الرئيسية التي شكَّلت أساس وقلب الديانات السماوية حول العالم، قد بدأت مع إبراهيم. وهو أول شخصية قيادية ورد ذكرها في الكتاب المقدس كشخصية لها استخداماتها وأبعادها السياسية. والحقيقة المهمة هي أن أول مدينة ذكرت في التوراة كانت دمشق؛ فدمشق ذكرت في سفر التكوين، أول أسفار الكتاب المقدس العبري، والكتاب المقدس المسيحي. وبالمناسبة لقد اعترف الإسلام بالتوراة كإحدى الوثائق التي يرتكز عليها. وأنا أعتقد أن أولئك الذين اختاروا اسم “اتفاقيات إبراهيم” يتمتعون ببعد النظر في ما يتعلق بآلاف السنين التي تقف وراء ما وصل إليه العالم اليوم.

أقول هذا؛ لأن إسرائيل دولة تأسست في العصر الحديث، قبل خمسة وسبعين عاماً، ولكن الشعب اليهودي كان يحظى باستقلاله منذ أكثر من ألفَي عام مَضَت. لقد كانت لنا دول هنا، وهذه الدول كانت تتوحد أحياناً وتنقسم في ما بينها أحياناً أخرى في ما يُعرف في وقتنا الراهن بفلسطين. كان لنا استقلالنا السياسي قبل أكثر من ألفَي عام. ونحن لم نفقد هذا الاستقلال بسبب ثورة داخلية؛ بل بسبب ظهور قوى أجنبية كالإغريق والرومان والصليبيين، وكلها قوى لعبت دوراً في تشكيل تاريخ هذه المنطقة.
ونحن إذا نظرنا إلى العصر الحديث حيث قفزت إسرائيل إلى المستقبل، نجد أننا على مسافة مئة عام من نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما تم تحديد معالم الشرق الأوسط في مؤتمر دولي عقد في فرساي بفرنسا؛ حيث تقرر فيه مستقبل العلاقات الدولية، وتم فيه إرساء السلام بين أطراف الحرب العالمية الأولى، وتقرير مصير الشرق الأوسط، وما سيبدو عليه الشرق الأوسط، وكيف سيقسم الشرق الأوسط، ومَن سيسيطر عليه. قبل عام من مؤتمر فرساي، نشرت بريطانيا وثيقة عُرفت باسم “وعد بلفور”، نسبة إلى وزير الخارجية البريطاني في حينه؛ ولكن من الجدير بالذكر أن وعد بلفور كان متضمناً في معاهدات السلام الخاصة بالحرب العالمية الأولى، وهو جزء من وثائق هذه الحرب. ووفقاً لهذه الوثائق، وبعد مؤتمر عُقد في القاهرة سنة 1921 برئاسة ونستون تشرشل، تم رسم المعالم النهائية للشرق الأوسط كما هي عليه الآن.
اقرأ أيضاً: مئوية بيان بلفور.. استراتيجية بريطانيا في تهويد فلسطين
ومن الناحية العلمية، إذا نظرنا إلى السنوات المئة الماضية من تاريخ المنطقة، سنجد أن بعض اللاعبين قد تمكن من البقاء بينما زال بعضهم الآخر؛ ولكن في ما يتعلق بمنطقة فلسطين على جانبَي نهر الأردن؛ فقد قُسمت إلى قسمَين بعد الحرب العالمية الأولى. وأعطي الجزء الشرقي إلى الأردن تحت حكم السلالة الهاشمية التي جاءت من شبه الجزيرة العربية أو ما يُعرف بالجنوب العربي، بينما اتفق على أن يكون الجزء الغربي وطناً للشعب اليهودي. واستمر الوضع على هذه الحال لعدة سنوات. وتحت ظل الانتداب لم يعطَ الجزء الغربي من فلسطين استقلاله؛ بل اعتُبر أراضي تحت الانتداب البريطاني، أما الجزء الشرقي الذي كان خاضعاً للانتداب فقد منحه البريطانيون الاستقلال عبر الأردن قبل معالجة قضية الجانب الغربي من الأردن الذي تأخر إلى ما بعد الحرب العالية الثانية.
كانت هنالك عدة محاولات بين الحربَين للجمع بين الطرفَين، ولإيجاد السبل للتوصل إلى اتفاق على حلٍّ من نوعٍ ما. في الأساس كان الموقف اليهودي منقسماً في الداخل، وكان الرأي العام منقسماً؛ لكن الغالبية كانت تدرك في ذلك الوقت أن اليهود ربما لن يحصلوا على السيطرة الكاملة على كل مساحة فلسطين الغربية. ونتيجة للطريقة التي انتهت فيها الحرب العالمية الثانية، توصلنا إلى اتفاق صادقت عليه الأمم المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي التاسع والعشرين من نوفمبر تم الاتفاق على تقسيم فلسطين. وافقت القيادة اليهودية على هذا الاتفاق، بينما رفضته القيادات العربية. ومنذ تلك اللحظة، وعلى مر السنين لم يتم التعامل بجدية مع فكرة وجود دولتَين في فلسطين. وسبب ذلك أنه في الجانب الفلسطيني، وحتى نهاية القرن الماضي، لم يكن هنالك تمثيل على استعداد للتفاوض على تسوية بين اليهود والعرب الذين يعيشون في فلسطين.

فقط مع اقتراب نهاية القرن، أعتقد أنه كان هنالك إدراك في المعسكر الفلسطيني أنه سيكون هنالك تقسيم لفلسطين، وعلى الرغم من عدم اعترافهم بذلك علناً، فكانوا من الناحية العملية مستعدين للقبول به بطريقة أو بأخرى. ونتج عن ذلك أمران؛ أولاً أطلقت إسرائيل مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين في أوسلو في النرويج، وتم التوصل إلى اتفاق عُرف باتفاق أوسلو، وتمت دعوة القيادة الفلسطينية في المنفى للعودة، والبدء بتأسيس كيان سياسي فلسطيني على أرض فلسطين، وتم الترحيب بعرفات في غزة، وكان يؤمل أن تؤدي هذه الأسس بطريقة أو بأخرى إلى اتفاق. ولكن هذا لم يحدث.
لا أريد في هذا الوقت الخوض في التفاصيل والأسماء؛ لأنني لا أعتقد أنه من المفيد لنا مناقشة هذا الأمر في إطار هذا الحوار، ولكني أعتقد أن إسرائيل قد تطورت عبر السنين، وأصبحت أقوى بمرور الوقت؛ فقد ثبتت استقلالها بعد عدة محاولات لتأسيس دولة إسرائيل المستقلة، ففي بداية الأمر كانت هنالك حرب الاستقلال التي شاركت فيها الدول العربية إلى جانب الفلسطينيين، وكنا في ذلك الوقت لا يتجاوز عددنا 600 ألف يهودي في فلسطين، وانتصرنا من دون دعمٍ جوهري من القوى العظمى. فالولايات المتحدة لم تدعم استقلال إسرائيل؛ لأنها كانت تعتقد أن إسرائيل لن تكون قادرة على البقاء عسكرياً في هذا الوضع. وقد كانوا على خطأ. بينما دعم الروس إسرائيل دعماً مهماً بطريقةٍ معينة لأسبابٍ خاصة بهم.
اقرأ أيضًا: “هل كان أشرف مروان عميلًا مزدوجًا؟”.. الضابط المسؤول عن تجنيده بالموساد يُجيب (1)
الحقيقة المهمة هي أننا خضنا عدداً من الحروب في عامَي 1956 و1967، ثم في عامَي 1968 و1970، ثم جاءت حرب عيد الغفران (حرب أكتوبر) وكانت كلها جولات غير حاسمة من المواجهات بين إسرائيل والفلسطينيين، وإسرائيل والدول العربية. وكما قُلت اتفقنا في لقاءات أوسلو على أن نحاول التوصل إلى حل ما؛ ولكن حتى الآن لم يتحقق ذلك.
ومن خلال النظر إلى الأمور بطريقة أكثر واقعية، أعتقد أن دول المنطقة قد أدركت أن إسرائيل باقية، ولن تزول. فإسرائيل كما أعتقد غير قابلة للتدمير، وقد قُلت هذا مرات عديدة في سياقات مختلفة تتعلق بالمسألة الإيرانية التي سنتكلم عنها لاحقاً. أنا لا أعتقد أن مسألة وجود دولة إسرائيل هي قيد البحث الآن. وأعتقد أنه هنالك إدراكاً متزايداً على مدى سنوات عديدة أن مصالح إسرائيل ومصالح دول المنطقة ليست متناقضة؛ بل هي في العديد من الحالات مصالح مشتركة.

سأتحدث بصراحة تامة؛ لقد قُمت بزيارة دول الخليج منذ السبعينيات، وكانت زيارتي الأولى في عام 1973 بعد حرب “عيد الغفران” مباشرةً، لقد قُمنا بالتأسيس للعلاقات مع دول الخليج، والتقيت قادة دول الخليج منذ 1973، وعلى مدى الأعوام الثلاثين التالية. وعندما أقول دول الخليج فأنا أعني دولاً في شمال الخليج مثل قطر وصولاً إلى أقصى جنوبه في عمان. وكان لي شرف أن أكون واحداً من أولئك العاملين في المؤسسة التي كنت أعمل فيها ممن كانوا يواجهون تحدي خلق التفاهمات. وقد أدركنا أن التفاهم يعني أنه يجب علينا أن نقدم شيئاً، لا أن نكون شريكاً متلقياً للمكاسب والحضور فحسب.
اقرأ أيضاً: النكبة الفلسطينية.. كل ما تريد معرفته عن جرح فلسطين
كان علينا أن نثبت لدول المنطقة أنه من مصلحتها أن تتعاون معنا؛ ليس فقط بسبب الجانب العسكري الذي سنتحدث عنه لاحقاً، بل أيضاً لأننا نمتلك الكثير من الأشياء التي يمكن أن نقدمها من الناحية العملية، وسأعطيك مثالاً على ذلك؛ لقد كنا من أوائل الدول التي كانت قادرة، وبشكل غير معلن، على تزويد دول الخليج بالمعرفة الفنية المتعلقة بالمجال الحيوي لتحلية المياه. نحن نعاني شحاً في المياه، وأدركنا أن المياه ستكون قضية حيوية. كان هنالك مَن يقول في الماضي إنه بعد حرب الاستقلال في إسرائيل، فإن الحروب التالية ستكون حول المياه؛ حرب للسيطرة على مصادر المياه من نهر الأردن، ومن أنهار أخرى.
اعتقد أولئك الناس أن مصادر المياه ستكون من الأنهار، وقد قُلنا لدول الخليج إنه انطلاقاً من احتياجاتنا نحن نرغب في أن نشارككم في قدراتنا بما يخدم مصلحتكم، وبما أنه لم يكن من الممكن أن نفعل ذلك من خلال تجهيزات تحمل بطاقات تعريف إسرائيلية، قُمنا باستخدام بطاقات تعريف من دول أخرى كي نسهل الأمر على عملانا، وشركائنا الجدد. لقد أدركنا أنه يجب علينا أن نضع أنفسنا في وضع يؤسس لعلاقات جيدة تقوم على المنفعة المتبادلة، والجلوس إلى الطاولة، والحديث لا عن السلام والحرية والتضامن؛ بل عن القضايا العملية.

وأعتقد أننا أثبتنا أننا شريك قوي في مجال التكنولوجيا المتطورة، وفي العديد من المجالات الأخرى أيضاً، وهذه كانت سياسة الحكومات الإسرائيلية العديدة المتتابعة على مدى فترة زمنية طويلة. وقُمنا بتطوير هذه السياسة إلى مفاهيم أيضاً واستخدمناها ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط؛ بل في مناطق أخرى من العالم، ووسعنا آفاقنا نحو جنوب شرق آسيا وشمال إفريقيا ووسط إفريقيا، وأصبحنا لاعباً إقليمياً؛ لاعباً إقليمياً بالمعنى الإيجابي للكلمة. كنا لاعبين إقليميين مع تركيا، ولعبنا دوراً مهماً بالنسبة إلى الاقتصاد التركي. ووسعنا آفاقنا نحو أوروبا ودخلنا في شراكة مع الاتحاد الأوروبي، ولدينا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الاتفاق نحن لسنا متلقين فقط؛ بل شركاء أيضاً، ولدينا في مجالات العلوم والتكنولوجيا علاقات أصبحت معروفة عالمياً.
اقرأ أيضاً: اتفاقية السلام التاريخي.. من الشعارات إلى الواقعية السياسية
قُلتُ كلَّ ما سبق لأنني أعتقد أن السلام لا يُصنع فقط من خلال الجلوس حول الطاولة والاتفاق حول أعداد الأسلحة التي سيحتفظ بها كل جانب بعد توقيع اتفاقيات السلام، ونحن نتطلع إلى ما وراء ذلك. وأنا أعتقد أن دول الخليج قد أدركت ذلك؛ فهي لم تعترف بإسرائيل فحسب، بل أصبحت تعرف مَن نحن.
أعتقد أنه لا يوجد أي زعيم خليجي لا يرى في الإسرائيليين شركاء في مجال الأعمال التجارية بطريقة أو بأخرى. وهذا أمر مهم؛ لأنه في نهاية المطاف ليس مجرد وضع سياسي ومصالح سياسية، بل هو أيضاً مصالح إنسانية. وأنا أرغب في مناقشة كل ذلك بمزيدٍ من التفصيل، وأريد أن أقدم لكم بعض الأحداث البارزة في الماضي القريب التي ستثير اهتمام الخليجيين الذين ربما ستفاجئهم بعض الأشياء التي سأقولها، والتي لن تكون بالضرورة في مجال تطويرنا بعض القدرات الإلكترونية فقط.
لقراءة الأصل الإنكليزي: Efraim Halevy-1
♦مدير LINKS Europe ومدير التحرير في الموقع التحليلي commonspace.eu. منح درجة الدكتوراه من جامعة أوكسفورد عن أطروحته “نهاية الحقبة البريطانية في شبه الجزيرة العربية 1951- 1972”. وهو يكتب في قضايا الأمن الأوروبي والعالمي، والشؤون القوقازية والخليجية.