الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
في تونس.. الخطاب السياسي الرجعي يفاقم العنف ضد المرأة
رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات يُسرى فراوس لـ"كيوبوست": نحصي يومياً تزايد معدلات العنف ضد المرأة.. وهذا مرده أساساً وجود خطاب سياسي بدعم إسلامي يشجع على استهدافها

تونس – فاطمة بدري
ما زالت جريمة القتل التي جرت مؤخراً في محافظة الكاف التونسية (شمال غرب)، وذهبت ضحيتها سيدة تُدعى “رفقة الشارني”؛ حيث قام زوجها بإطلاق خمس رصاصات عليها من مسدس العمل، تثير غضباً واسعاً في تونس، وأعادت الجدل مجدداً حول تفاقم ظاهرة العنف ضد المرأة، أمام تراخي الدولة في الحد من ذلك؛ بل وانخراط بعض التيارات السياسية في موجات العنف ضد المرأة.
وكانت الضحية “رفقة” قد تقدمت بشكوى في مركز شرطة المحافظة التي تقطن بها ضد زوجها الذي قام بتعنيفها بشدة، مرفوقة بشهادة طبية تؤكد تعرضها إلى العنف الشديد، آملةً أن يتم إنصافها وحمايتها؛ لكن، وحسب شهادات عائلتها وجيرانها، فإن رجال الشرطة هناك لم يكونوا جديين في التعاطي مع شكواها، ولم يقوموا بإيقاف الجاني، وخذلوها بعلة “الزمالة والتضامن المهني”. وكان نتيجة هذا الاستهتار إقدام الأخير على قتل “رفقة” بشكل مروع؛ رداً على الشكوى التي تقدمت بها ضده.
اقرأ أيضاً: خطاب الكراهية الإخواني يستهدف المرأة ويثير غضب التونسيين
وتفاعلاً مع هذه الحادثة، أطلقت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (الجمعية النسوية الأعرق والأقدم في البلاد)، حملة “لا عزاء للنساء والعنف يقتلهن كما الوباء”، ودعتِ الجمعية النساء إلى تعليق الشعار في بيوتهن وإبداء غضبهن من السلطات؛ بهدف دفعها للالتفات جدياً في مواجهة تفاقم هذه الظاهرة وأسبابها، والتي من أبرزها وجود بيئة حاضنة للعنف ضد المرأة؛ ليس فقط اجتماعياً وإنما أيضاً على مستوى الخطاب السياسي لبعض الأحزاب داخل البرلمان، والتي تشجع على استهداف المرأة التونسية وتهدد مكاسبها.

وتحدث هذه الانتهاكات رغم توفر منظومة قانونية متطورة تضمن حقوق المرأة التونسية، وتكفل حمايتها من كل أشكال العنف؛ كان آخرها القانون رقم 58 لمكافحة العنف ضد المرأة، والذي أُقرَّ سنة 2017، وأجمع المختصون على أنه أحد أفضل القوانين التي وضعت في هذا المجال؛ إذ يوسِّع القانون تعريف العنف المسلَّط على المرأة، ويحمِّل الدولة مسؤولية حماية ورعاية النساء والأطفال ضحايا العنف.
لكن هذه القوانين وغيرها من ترسانة التشريعات التي تميز تونس عن غيرها من البلدان العربية المحافظة، لم تنجح في حماية المرأة؛ بسبب غياب الإرادة السياسية وانخراط بعض الساسة؛ ولا سيما الإسلاميين، الذين فشلوا في إدراج أفكارهم الرجعية بشأن المرأة في نصوص القوانين.
اقرأ أيضاً: قيادي في النهضة التونسية يصف المطالبِات بالمساواة بالإرث بالـ”عاهرات”!
ومنذ الثورة، توقعت حركة النهضة أن وصولها إلى الحكم وامتلاكها الأغلبية البرلمانية، سيمكناها من تغيير بعض نصوص القوانين الحداثية؛ لا سيما المتعلقة بالمرأة، وفكرت في تعديل مجلة الأحوال الشخصية، الضامن الأكبر لحقوق المرأة، ففوجئت بهبّة التونسيين في الشوارع، مدعومين بمنظمات المجتمع المدني والسياسيين التقدميين.
حينها أدركت أن هذه الخطوة قد تعجِّل برحيلها، فتراجعت عن ذلك؛ لكن في المقابل استخدمت القضاء الذي تسيطر عليه، من أجل عدم تفعيل نصوص القوانين التي تحمي المرأة وتضمن حقوقها لتبقى حبراً على ورق. كما لم تتوجه، وهي الحزب الحاكم منذ سنة 2011، لتخصص ميزانيات تساعد على وضع حد للعنف ضد المرأة، وتوفير مَآوٍ واستقبال للضحايا، ولم تندد بالعنف المسلط ضدهن من قِبل نواب محسوبين عليها.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، قام النائب محمد العفاس، عن ائتلاف الكرامة الإسلامي، والذراع اليمنى لحركة النهضة، في 20 ديسمبر 2020، بإهانة المرأة التونسية المؤمنة بالحداثة والتقدم، ووصفها بنعوت نابية على غرار “اللعوب، والعاهرة، والفاسقة، والفاجرة، والخائنة، والعاقة”.. وغيرها من الأوصاف، دون أن يقوم رئيس البرلمان ورئيس الحركة راشد الغنوشي، باتخاذ أي إجراء بحقه، رغم الجدل الكبير الذي أثاره حينها. هذا إلى جانب اعتداءات نواب هذا الفصيل السياسي المتكرر؛ مادياً ومعنوياً، ضد رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، دون أي تتبعات تُذكر.
رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات يُسرى فراوس، حمَّلت الدولة مسؤولية تفاقم ظاهرة العنف المسلَّط ضد المرأة التونسية؛ بسبب عدم تفعيلها القوانين الحامية للمرأة، وعدم تمرير السياسيين خطاباتٍ كفيلة بالحد من هذا العنف.
اقرأ أيضاً: احتجاجات في تونس ضد خطاب الكراهية وعنف الإخوان
وتقول لـ”كيوبوست”: “تتحمل الدولة المسؤولية الكبرى بشأن ما يحدث من انتهاكات بحق المرأة في تونس؛ وذلك بسبب انخراط السياسيين (الإسلاميين بشكل خاص) في تمرير خطاباتٍ لا تناهض العنف ضد المرأة، بل هي تحريضية في عدة أحيان ضد النساء، فضلاً عن تراخي الدولة عن إيجاد آليات تحصين المرأة من هذه الآفة”.

وأضافت فراوس أن الجمعية تحصي يومياً تزايد معدلات العنف ضد المرأة، وهذا مرده أساساً وجود خطاب سياسي لا يتردد الإسلاميون في تمريره، يشجع على استهدافها. وهذا خطير جداً، ويهدد جدياً مكاسب المرأة في تونس؛ لا سيما في ظل وصول بعض الأذرع الإسلامية المتشددة، كائتلاف الكرامة، إلى مواقع مهمة في البرلمان، وهي لا تتوانى عن تمرير مواقف مهينة للمرأة، بمباركة ضمنية أو علنية من حزب إسلامي له ثقله يدَّعي احترام حقوق المرأة، وأعني حركة النهضة، “إننا في مفترق دقيق يحتاج إلى وقفة كبيرة من مكونات المجتمع المدني؛ لدفع هؤلاء الساسة لتفعيل القوانين ووقف ألاعيبهم”.