الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

في تقييم جدوى العقوبات الاقتصادية في الحرب الروسية- الأوكرانية

كيوبوست- ترجمات

“في خطابه عن حالة الاتحاد عام 2022، الذي ألقاه الرئيس الأمريكي بايدن، بعد أقل من أسبوع من بدء الحرب في أوكرانيا، عدَّدَ الرئيس الأمريكي العقوبات الاقتصادية (القوية) التي فرضها الغرب على روسيا، محذراً الرئيس الروسي بأنه ليست لديه فكرة عما سيأتي… هذا العام. على النقيض من ذلك، لم يذكر بايدن العقوبات في خطابه عن حالة الاتحاد. كان صمته مفهوماً في ظل استقرار النظام المالي الروسي، ومخالفته توقعات صندوق النقد الدولي بأن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 8.5% في عام 2022، بينما يقدر أنه تقلص بنسبة 2.2% فقط”. بهذه الفكرة يستهل إدوارد فيشمان، الباحث الأول في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، وقائد العقوبات على روسيا خلال إدارة أوباما، تحليله لمدى نجاعة العقوبات الغربية ضد روسيا بعد عام من بدء الحرب.

الرئيس الأمريكي جو بايدن

يقول فيشمان: بعد مرور عام، من السهل الشعور بخيبة الأمل من العقوبات. لا تُظهر النخبة الروسية ولا الشعب الروسي أية علامات لتبني موقف مغاير لبوتين ووقف تأييده، وتستمر الحرب في أوكرانيا، ولا تلوح نهاية في الأفق لها. لكن مع ذلك؛ من المهم التأكيد أن العقوبات بمنزلة “سباق ماراثون” أكثر منه سباقاً سريعاً، والصورة طويلة المدى تبدو واعدة أكثر بكثير من الصورة قصيرة المدى. فمن خلال قطع روسيا عن الإمدادات التكنولوجية والاستثمار الأجنبيَّين وخفض عائدات الكرملين من الطاقة، سوف تغير العقوبات المسار الوطني لروسيا.

أظهرت 12 شهراً من العقوبات أن الغرب ليس فقط قادراً على أن يظل موحداً، ولكنه قادر على الصمود أيضاً في مواجهة العقوبات والانتقام الاقتصادي من قِبل موسكو. مثلما لم تكن العقوبات مدمرة لروسيا على المدى القصير كما كان متوقعاً في الأصل، فإنها لم تؤذِ الولايات المتحدة أو أوروبا كما خشى الكثيرون. فأسعار النفط لم ترتفع، ولم تقع منطقة اليورو في أزمة مالية أخرى، وتعلمت الدول الأوروبية الاكتفاء بالطاقة الروسية الأقل.

اقرأ أيضًا: الاقتصاد العالمي لم يعد بحاجة إلى روسيا

من الردع إلى الاستنزاف

في مارس الماضي، أنقذ التكنوقراط الاقتصاديون الروس، بقيادة إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي، بلادهم ومكنوا بوتين من مواصلة تمويل الحرب في أوكرانيا. أدت العقوبات وضوابط التصدير على السلع عالية التقنية؛ مثل أشباه الموصلات، إلى تقليص مخزون الجيش الروسي من الذخائر الموجهة بدقة وغيرها من الأسلحة المتقدمة. حتى إن بوتين اضطر للذهاب إلى إيران للحصول على الدعم العسكري؛ لكن العقوبات لا تضرب بالسرعة الكافية لوقف الحرب.

إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي

ومع ذلك، وفقاً لفيشمان، لا شيء من هذا يشير إلى أن العقوبات لا تجدي نفعاً، ذلك لأن تعريف النجاح تغير. فقبل 24 فبراير 2022، حاول بايدن استخدام التهديد بـ”العواقب السريعة والخطيرة” لردع بوتين عن غزو أوكرانيا، هذا التهديد فشل. بمجرد أن بدأت الدبابات الروسية تتجه نحو كييف، لن تتمكن العقوبات من إقناع بوتين بسحبها. وبعد أن فشلت العقوبات في ردع الغزو، اتخذوا هدفاً جديداً: الحد من قدرة روسيا على إلحاق المزيد من الضرر، في كل من أوكرانيا وخارجها. بدلاً من محاولة إحداث قدر كافٍ من الألم الاقتصادي لإحداث تغيير في سياسة الحكومة، أصبح هدف العقوبات ضد روسيا اليوم: الاستنزاف الاقتصادي. والنتيجة هي أن العقوبات ضد روسيا متواضعة نسبياً في هدفها.

الاقتصاد الروسي كبير، ولكنه بسيط. تبيع الدولة النفط والغاز وتستخدم العائدات لتزويد جيش كبير. ومنذ بداية الحرب، ارتفع الإنفاق العسكري الروسي بشكل كبير. لحسن الحظ بالنسبة إلى بوتين، ظلت عائدات الطاقة مرتفعة بما يكفي لإبقاء الاقتصاد واقفاً على قدمَيه، ويرجع ذلك لحد كبير إلى أن الحرب نفسها عززت أسعار السلع الأساسية، وكان الغرب، الذي كان قلقاً بشأن ارتفاع الأسعار، متردداً في البداية في اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تقوض مبيعات النفط الروسية. كان هذا الخطأ الأكثر تكلفة الذي ارتكبه الغرب في حملة العقوبات؛ وهو الانتظار ما يقرب من 10 أشهر قبل استهداف عائدات النفط الروسية بقوة. في عام 2022، جَنَت روسيا ما يقرب من 220 مليار دولار من صادرات النفط، بزيادة قدرها 20%.

لكن خارج قطاع الطاقة، انهار الاقتصاد الروسي، ويرجع ذلك إلى أن مجموعة العقوبات المالية والقيود المفروضة على الصادرات حالت دون وصول روسيا إلى التكنولوجيا الحيوية. ويظهر قطاع السيارات، الذي يوظِّف بشكل مباشر وغير مباشر أكثر من ثلاثة ملايين روسي ذلك: فقد انخفض إنتاجه بنحو 70 % عام 2022، لينخفض بذلك إلى أدنى مستوى منذ الحقبة السوفييتية. وظهر تباطؤ مماثل في التصنيع الروسي. ونتيجة لذلك، بينما ظلت البطالة الرسمية منخفضة، تم تحويل الملايين من الروس لإجازات غير مدفوعة الأجر.

اقرأ أيضاً: حرب النفط الغربية مع روسيا تتحول إلى واقع

تصدير النفط.. قوة تتراجع

ومع أن الأوضاع الاقتصادية بهذه الصورة تشير إلى المأساوية؛ لكن قد تظل مقبولة بالنسبة إلى بوتين إذا كان بإمكانه الاعتماد على التدفق المستمر من دولارات النفط. لكن العقوبات بدأت تضرب روسيا مؤخراً؛ حيث تضرر قطاع النفط. ففي الأشهر الأخيرة، فرض الاتحاد الأوروبي حظراً على النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية، وفرضت مجموعة الدول السبع حداً أقصى لسعر النفط الروسي. ومن ثم سيجد الانخفاض في عائدات النفط مرونة من الكرملين ويجبره على إجراء مقايضات صعبة. قفز عجز الميزانية الروسية إلى 25 مليار دولار في يناير. وبعد استبعاده من أسواق رأس المال الدولية، لا يستطيع الكرملين الاقتراض للتعويض عن انخفاض عائدات الصادرات.

وفي حال استمرت العقوبات سوف تتراجع الاستثمارات الغربية وتكنولوجيا استخراج النفط المتطورة التي تصل إلى روسيا. ووفقاً لتوقعات وكالة الطاقة الدولية، ستتخلى روسيا عن أكثر من 1 تريليون دولار من عائدات النفط والغاز بحلول عام 2030، مما يحول البلاد إلى قوة طاقة من الدرجة الثانية.

بوتين يستخدم الغاز كحصان طروادة في وجه أوروبا- “فورين بوليسي”

لا تراجع

لقد مرت تسع سنوات منذ أن بدأت الحرب بالفعل، في فبراير 2014، عندما اجتاحت القوات الروسية شبه جزيرة القرم عام 2014. وكما في عام 2022، رد الغرب بفرض عقوبات على روسيا. كانت عقوبات 2014 أضعف من عقوبات 2022، لكن روسيا كانت أقل استعداداً لها. وبحلول ديسمبر 2014، وتحت ضغط كل من العقوبات وانهيار أسعار النفط، كانت روسيا على شفا أزمة مالية خارجة عن السيطرة، وتراجع اقتصادها بمعدل سنوي يزيد على 10%. كما فعلوا العام الماضي، جاء التكنوقراط الاقتصاديون الروس للإنقاذ، ورفعوا أسعار الفائدة وفرضوا ضوابط فعلية على رأس المال .ما حدث بعد ذلك وبدلاً من استغلال الغرب لهذا الوضع، حذر القادة الألمان والفرنسيون علناً من زيادة الضغط على روسيا وسارعوا إلى إبرام اتفاقية مينسك في فبراير 2015، والتي جمدت الصراع وبحلول نهاية العام، استعاد الاقتصاد الروسي وضعه.

اقرأ أيضًا: ماذا لو ربح بوتين؟ كيف ستغير سيطرة روسيا على أوكرانيا وجه أوروبا؟

في عام 2023، يجب ألا يكرر الغرب هذا الخطأ المأساوي. إن تأثير العقوبات ليس ثابتاً أبداً، وروسيا بارعة في إيجاد حلول بديلة، وأسواق جديدة، ويبنون مصادر جديدة للإيرادات. الطريقة الوحيدة لمواصلة الضغط هي تشديد العقوبات بوتيرة أسرع مما يمكن، فقد أثبت الاقتصاد الروسي مرونة أكبر مما كان متوقعاً. كل هذا يعني أن الغرب يجب ألا يخاف من إحكام الخناق. وأفضل مكان للبدء هو قطاع النفط الروسي. ويضيف فيشمان أن المجال الآخر الذي يجب تصعيده هو القطاع المالي. فالقوة الاقتصادية هي أساس القوة العسكرية. وعلى مدى العقدين الماضيين، أعاد بوتين روسيا إلى قوة عسكرية هائلة بفضل العلاقات المزدهرة بالاقتصاد العالمي وأرباح النفط المرتفعة. ومن ثمَّ هنا يأتي دور العقوبات الذي يمكن أن يقود إلى دفع بوتين لوقف الحرب.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة