الواجهة الرئيسيةشؤون عربيةملفات مميزة

في برغماتية الإخوان المسلمين: هكذا تبدل جلدهم أكثر من مرة!

كان النظام الإيراني يحتاج الإخوان من أجل توفير الغطاء الإسلامي الشامل له

خاص كيو بوست –

يقدم الإخوان المسلمون أنفسهم على أنهم حركة إسلامية شاملة تتبنى المنهج الدعوي في نشر أفكارها، إلّا أن تقلبات مواقفها حوّلها إلى حركة سياسية برغماتية تسعى إلى تحقيق مصالحها، بغض النظر عن الوسيلة، وبما يتنافى مع الرؤية العقائدية الثابتة التي تنتهجها الأحزاب الأيديولوجية عادة، فالأحزاب الدينية محكومة بكونها لا تسمح للسياسة بانتهاك أفكارها، بعكس الحركات السياسية التي تتلوّن بما تمليه عليها الظروف.

وما يميّز حركة الإخوان عن سواها من الأحزاب، أن سياستها في كل العهود كانت تتمثّل فيما يلي:

أولًا: أنها سياسة براغماتية انتهازية تستطيع التعامل مع كل الأطراف المتصارعة والمتناقضة في الوقت ذاته.

ثانيًا: أنها تمتلك خططًا قصيرة الأمد في المنطقة، جعلتها تغير سياستها أكثر من مرّة وتحرف اتجاهها، بما يتوافق مع مصالحها طويلة الأجل والتي تتعلق بالوصول إلى الحكم، بغض النظر عن الوسيلة سواء كانت سياسية أو عن طريق العنف.

ثالثًا: ظل الإخوان طوال عهدهم أداة استغلال لخدمة داعميهم، وكانوا هم أول من يدفع ثمن أي تغيّر في سياسات الداعم.

جماعة الإخوان لم تكن في فترة الربيع العربي حديثة العهد في ممارسة السياسة، فمنذ نشوئها، تنقلّت أكثر من مرة بين ممارسة العمل السري والعلني، بل وزاوجت كثيرًا بينهما.

وربما تكون أزهى أيام العمل السياسي للإخوان، تلك التي كانت قبل ثورة الضباط الأحرار في يوليو 1952، فقد استطاعت في الفترة الملكية، نسج علاقات وطيدة مع الملك فاروق، وفي ذات الوقت فتحت خطوط اتصال مع الاحتلال الإنجليزي، مما وفر لها حصة مادية من عائدات قناة السويس، قدمتها لها بريطانيا. بحسب ما جاء في كتاب: التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين لـ”مارك مورتيس”.

وعلى الرغم من الحرية السياسية في العهد الملكي، ومقدرة جماعة الإخوان على العمل السياسي العلني، إلّا أنها لم تتخلَ عن عملها السرّي المشبوه، فاستخدمت العنف ضد خصومها السياسيين، من خلال إنشاء ما يعرف بالجهاز الخاص، أو “التنظيم السري”، وهو ذراع إخواني توكل إليه مهام قتل القضاة، كما نجح التنظيم في اغتيال النقراشي باشا، رئيس الوزراء في العهد الملكي.

زاوج الإخوان في تلك الفترة بين العنف والسياسة، حتى حدوث ثورة 23 يوليو، فكانت من أقوى الأحزاب داخل مصر، إلا أنها انكفأت بعد محاولة التنظيم السري اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، فتعرضت للقمع، لتعود بعدها إلى العمل السرّي، في مشابهة تاريخية لوضعها الحالي، فقد التجأ أعضاؤها والقيادات إلى أنظمة معادية للنظام المصري، ومارسوا التحريض الإعلامي والديني من الخارج ضد الدولة المصرية.

 

العودة للعمل العلني

في الفترة التي تلت وفاة عبد الناصر، وتولّي نائبه محمد أنور السادات الحكم، وقيام الأخير بتغييرات في سياسة مصر الداخلية والخارجية، لاقى النظام الجديد معارضة شديدة من قبل التيارات اليسارية والقومية، فما كان من السادات إلّا أن استخدم الإخوان في محاربتهم، فأطلق سراح معتقلي الجماعة من السجون المصرية، وسهّل لهم حرية العمل السياسي في الشارع المصري وفي الجامعات، فقويت شوكتهم على معارضيهم، وحولّوا كل طاقاتهم لصالح نظام السادات، من أجل إضعاف معارضيه، فتخلّت الجماعة عن المعارضة وتقربوا من النظام ورموزه. واستطاع السادات استخدامهم في السياسة الخارجية للنظام أيضًا، بعدما نقل التحالف القديم مع الكتلة الشرقية، إلى التحالف مع الغرب، فأطلق للإخوان حريّة الاجتماع والتنظيم لتجنيد المقاتلين ومن ثم إرسالهم إلى أفغانستان، فيما سمي وقتها بالمجاهدين العرب، الذين قاتلوا بالوكالة في خدمة المشروع الغربي، واستنزاف الاتحاد السوفيتي تحت مسمى الجهاد في أفغانستان.

استطاع السادات التقرّب من الغرب الرأسمالي عبر استخدام الإخوان في سياسته الخارجية. توافق ذلك داخليًا مع سياسة الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها، عبر تحويل مصر إلى رأسمالية، بعد ربع قرن من الاشتراكية.

 

الإخوان مرّة أخرى تحت الأرض

حدث الصدام بين النظام المصري والإخوان من جديد، بعد عودتهم إلى استخدام العنف، الأمر الذي أسفر عن اغتيال الرئيس السادات بسلاح الإسلاميين، فعادوا إلى السجون أوائل الثمانينيات، وتم تصنيفهم كجماعة محظورة.

إلا أن النجدة جاءت مع قيام الثورة الإيرانية، وكان قدوم الخميني للحكم، بمثابة إنعاش للحركة المحظورة، فاستضافت إيران قيادات الجماعة، ودعمت أنشطتهم بتوفير الملاذ السياسي والدعم المالي لهم. وفي الوقت ذاته ساند الإخوان النظام القائم في إيران، كما قام بمساندته إعلاميًا في حرب الخليج الأولى ضد العراق. كان النظام الإيراني يحتاج الإخوان، بصفتهم المذهبية، من أجل توفير الغطاء الإسلامي الشامل له، باعتبار أن جماعة الإخوان تعدّ حليفًا سُنيًّا، الأمر الذي ينفي صفة الطائفية عن النظام الشيعي، الطامح لتصدير الثورة الداخلية إلى باقي الدول العربية والإسلامية.

كانت العقود الثلاثة الممتدة من أوائل الثمانينيات وحتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بمثابة “شهر عسل” بين الإخوان والنظام الإيراني، قام التحالف بينهما فيه على المنافع المتبادلة؛ إذ أزاح الإخوان فيها صفة الطائفية عن النظام الإيراني الطموح، فيما وفرّ الإيرانيون للإخوان كل الدعم المادي واللوجستي في مناوئة أنظمة الحكم العلمانية في الدول العربية.

 

الصعود نحو الهاوية

لم تقتصر بارغماتية الإخوان في فترة ما قبل الربيع العربي، على التحالف مع النظام الإيراني، بل أقاموا تحالفات فرعية مع أنظمة علمانية أخرى، قريبة من إيران، مثل نظام البعث السوري، والنظام الليبي، على الرغم من معاداتهم لفكرة العلمانية، ومحاربتهم في أوقات سابقة فكرة القومية العربية، أيام جمال عبد الناصر، التي اعتبروها فكرة غربية، أنشئت لهدم روح الأمة الإسلامية. ولكن برغماتيتهم السياسية، وبمرونة فذة، فرضت عليهم أن يعاملوا كل عهد بما يتوافق مع مصالحهم، وأن ينتهجوا “التقية” السياسية، المحرّمة أصلًا في عقيدتهم الدينية.

فبرغم تكفيرهم لباقي المذاهب الإسلامية، اعتقدوا أن علاقتهم مع النظام الشيعي تحقق مآرب الجماعة على النطاق الدولي، ولكن النظام الإيراني كان يبني قواعد له بواسطتهم في الكثير من الدول العربية، بما فيها فلسطين، فتحوّلت غزة تحت حكم الإخوان إلى منطقة نفوذ إيرانية، كما استطاعت إيران إقامة قواعد لها في الدول التي تحكمها أنظمة قريبة من الإخوان، مثل السودان تحت حكم نظام البشير، ودولة قطر القريبة جدًا من الإخوان.

ومع انطلاق “الربيع العربي”، والذي أطلق فيه الإخوان كل طاقاتهم المخزونة، انفجرت جميع تلك التناقضات في وجوههم، فقاموا بين ليلة وضحاها بتبديل كل تحالفاتهم، وظهرت تناقضاتهم على الملأ:

– قام الإخوان بخلع قناع “التقية” الذي ارتدوه منذ بداية الثورة الإيرانية، ومارسوا السياسة والعنف والتكفير ضد حليفهم الشيعي القديم، واستبدلوه بالحليف السني التركي، والحليف القطري، اللذين استطاعا استخدامهم في سوريا ومصر بما يخدم مصالحهم، لا مصالح الجماعة.

– استخدموا كل قوتهم في محاربة الأنظمة القريبة منهم، وهي الأنظمة العلمانية والقومية، لصالح النظام القطري، غير العلماني وغير الإسلامي في الوقت ذاته، وغير القومي وغير الممانع لإسرائيل، والذي تربطه علاقات تحالف مع الولايات المتحدة، وعملوا على ضرب الدول الصديقة التي رفع الإخوان معها لسنين طويلة شعارات المقاومة والممانعة ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

– ارتدوا مرّة أخرى قناع “التقية” بعد تفجّر الأزمة الخليجية، وحاولوا العودة إلى إيران، ولكنها عودة ستكون مشروطة لصالح الطرف الأقوى، وهو إيران، خاصة وأن الأخيرة تنظر إليهم بريبة، بعدما انقلبوا عليها أكثر من مرّة، وهو تحالف لا يمكن أن يكون بالقوّة التي كان عليها قبل الصدام في سوريا، ويبدو أنه مبني بالأساس على الشك وانعدام الثقة.

ومع خسارة الإخوان كل معاركهم في دول الربيع العربي، من أجل الوصول إلى الحكم، ارتدت عليهم برغماتيتهم غير المبدأية لتعيدهم إلى العمل مرة أخرى من تحت الأرض. وربما ينحصر طموحهم في تقديم الولاء لحلفائهم الجدد، ليكونوا مجرّد ورقة هائمة تبحث عن متنفس.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة