الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
في اليوم العالمي للتطرف العنيف.. لا يتعلق الأمر بالدين فقط!
غالباً ما يتم الخلط بين "التطرف العنيف" و"الإرهاب".. في حين ينبغي التفريق بينهما بوضوح من أجل وضع سياسات ملائمة لمكافحتهما

كيوبوست- منير بن وبر
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 20 ديسمبر 2022، إقرار يوم 12 فبراير من كل عام يوماً دولياً لمنع التطرف العنيف المفضي للإرهاب؛ وذلك في إطار جهد عالمي للتوعية بتهديدات التطرف العنيف، وحشد التعاون الدولي لمنعه.
لقد باتت مكافحة التطرف العنيف أولوية عالمية؛ فهو لا يرتبط بدولة دون أخرى، أو عِرقية أو دِين دون سواهما؛ بل يمكن أن يندلع في أي مكان، ويجد طريقه إلى الجوار. إن خطورة التطرف العنيف كتهديد رئيس للسلم والأمن الدوليين تجعل منه قضية ذات اهتمام عالمي جاد.
في اليوم العالمي لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى العنف، ينبغي التذكير بالأسباب التي تدفع البعض إلى التطرف، والأخذ في الاعتبار دور البيئة المحيطة من مجتمعات وحكومات وأوضاع اقتصادية وعلاقات اجتماعية. كما ينبغي التفريق بين التطرف العنيف والإرهاب؛ لرسم السياسات الأكثر نجاحاً في محاربتهما.
لماذا يجب محاربة التطرف؟
على الرغم من أن التطرف موجود منذ زمن طويل؛ فإنه أصبح أحد أبرز التحديات التي تواجه البلدان والمجتمع خلال العقود القليلة الماضية. لقد أصبح التطرف والإرهاب تهديدَين جادَّين للدول القائمة التي كانت -في ما مضى- تركز على التهديدات التقليدية؛ كالغزو، لحماية شعبها وحدودها وضمان بقائها.
اقرأ أيضاً: من النفط إلى الماس.. تجارة الجماعات الإرهابية تدق ناقوس الخطر
هناك العديد من الأسباب التي تدفع إلى التضامن العالمي لمكافحة التطرف؛ أولاً، وقبل كل شيء، غالباً ما يؤدي التطرف إلى عدم الاستقرار والعنف، ليس في البلدان التي ابتُليت به فحسب؛ بل يمكن أن يمتد بفظاظة إلى المنطقة المجاورة. عندما ينتشر التطرف والإرهاب في منطقة إقليمية ما، فإن ذلك قد يكون مبرراً معقولاً لتدخل القوى العالمية لحماية مصالحها أو تحقيق مآربها، عندها، تدخل منطقة كاملة، قد تضم عدة دول، في نزاع وعدم استقرار طويل الأمد يصعب الإفلات منه.
يتسبب التطرف العنيف أيضاً في عرقلة، أو حتى تدمير، التنمية الاقتصادية؛ حيث لا يرغب المستثمرون والشركات بالمخاطرة في منطقة مهددة بالانفجار، أو مضطربة بالفعل؛ بسبب التطرف العنيف. في هذه الحالة، تنزلق المجتمعات في هوة الفقر والبطالة؛ اللذين يُسهمان في تغذية التطرف والعنف. وهكذا، يدخل المجتمع في دائرة من التطرف والعنف والفقر يصعب كسرها.
أخيراً، يغذي التطرف العنيف إضعاف التماسك الاجتماعي، وفقدان الثقة في الحكومات، ويؤجج الكراهية والانقسام. تستغل الجماعات المتطرفة كل ذلك لدعم خطاب المظلومية الخاص بها، ودعم أجندتها السياسية من خلال الخطاب الديني أو أشكال الهوية الأخرى. يمكن أن يكون للمتطرفين العنيفين تأثير العدوى؛ حيث يجذب خطابهم المستضعفين ومَن يشعرون بالمظلومية، ويلهم الآخرين لارتكاب أعمال عنف في السعي وراء أجندتهم المتطرفة أو الانتقام.
التطرف العنيف والإرهاب
غالباً ما يتم الخلط بين “التطرف العنيف” و”الإرهاب”. وفي حين أنه ينبغي التفريق بينهما بوضوح من أجل وضع سياسات ملائمة لمكافحتهما معاً، إلا أنه ينبغي التأكيد أن الإرهاب هو نتيجة للتطرف العنيف.

لا توجد صياغة دقيقة لتعريف كل من التطرف العنيف والإرهاب؛ لكن من المتفق عليه بشكل عام أن التطرف العنيف هو مجموعة المعتقدات أو الأفعال التي تسعى إلى إضفاء الشرعية على العنف باسم قضية أكبر، في حين أن الإرهاب هو استخدام مثل هذا العنف بهدف زرع الخوف والرعب في السكان لأغراض سياسية.
يشترك التطرف العنيف والإرهاب في إيذاء الناس؛ لكنهما يختلفان في أهدافهما وأساليبهما. قد يعتقد المتطرفون أن العنف مبرر من أجل تحقيق أهدافهم؛ سواء أكان ذلك للوصول إلى السلطة أم حماية مجتمعهم أو تعزيز قضيتهم. من ناحية أخرى، يستخدم الإرهابيون العنف كوسيلة لتحقيق غاية، ويسعون إلى بث الخوف والفوضى من أجل تعزيز أجندتهم السياسية.
إن التمييز بين التطرف العنيف والإرهاب مهم؛ لأنه يسلط الضوء على حقيقة وجود طيف واسع من العنف الذي يمكن أن يواجه أي مجتمع. على سبيل المثال، تعد الجرائم مثل السطو المسلح من قِبل اللصوص عنفاً، يمكن لتطبيق القانون من خلال الوسائل التقليدية؛ مثل الاعتقال والسجن، التعامل بفاعلية مع هذا النوع من العنف. لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى جرائم الكراهية التي يحركها التحيز والتعصب الديني أو الطبقي أو الجنسي أو العِرقي، وما إلى ذلك. تتطلب مثل هذه الجرائم -على سبيل المثال لا الحصر- برامج توعية مكثفة وتعليم وتوجيه المجتمع إلى تبني التسامح وبناء مهارات التفكير النقدي وتقبل الآخر.
اقرأ أيضاً: هل يتستر الحوثي بجماعات أخرى لتغطية جرائمه؟
يؤدي التساهل مع التطرف العنيف إلى الإرهاب؛ حيث تتحول الأفكار والتصورات إلى عنف، بهدف تحقيق أهداف سياسية لقلب المجتمع؛ بما يتماشى مع الأفكار والتصورات المتطرفة للجماعات والأفراد. تستخدم الجماعات الإرهابية العنف للسيطرة على الأراضي وحكمها، وفقاً لشريعتها، وإسقاط الدول القائمة، وحتى إلغاء الحدود بينها. يمثل الإرهاب تحدياً كبيراً؛ وللتعامل معه تحتاج الحكومات إلى التركيز على جهود إنفاذ القانون والتدابير الوقائية، مثل مكافحة الإرهاب التي تشمل جهوداً أمنية وعسكرية واستخباراتية.
لا يتعلق الأمر بالدين والمعتقد فقط
كثيراً ما تتم الإشارة إلى الدين والمعتقد كسبب للتطرف العنيف والإرهاب؛ لكن هناك الكثير من الدلائل لأسباب مهمة للتطرف العنيف الذي يؤدي إلى الإرهاب، وتشمل الفقر، وانعدام الفرص الاقتصادية والاجتماعية المواتية، والعلاقات الاجتماعية.
في عام 2015، نشرت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة عمل لمنع التطرف العنيف؛ تم التأكيد فيها على انعدام الفرص الاجتماعية والاقتصادية كسبب رئيس للتطرف العنيف. وفقاً لتقرير الأمين العام، فإن البلدان الأكثر عرضة للتطرف العنيف هي تلك التي تفشل في تحقيق مستويات عالية ومستدامة للنمو الاقتصادي، وإيجاد فرص عمل ملائمة لشبابها، وانتشار الفقر والبطالة والفساد وعدم المساواة. في هذه الدول، قد يعتقد المواطنون أن عدم قدرة الدولة على تحقيق التنمية المطلوبة سبب كاف لعدم شرعيتها؛ وهو ما يستغله المتطرفون من خلال تبني خطاب المظلومية والوعود بمستقبل أفضل.

في مسح أحدث، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقريره السنوي لمؤشر الإرهاب العالمي، إن 25 في المئة من الأشخاص الذين انضموا إلى الجماعات المتشددة يقرون أن دافعهم الأساسي كان الحصول على فرص عمل، بينما قال 22 في المئة منهم إن الدافع هو الرغبة في الانضمام إلى العائلة أو الأصدقاء، وأرجع 17 في المئة منهم دوافع الانضمام إلى الدين والمعتقد.
يشير تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، إلى أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء وحدها سجلت 48 في المئة من الوفيات الناجمة عن الإرهاب العالمي، وأن منطقة الساحل الإفريقية هي موطن الجماعات الإرهابية الأسرع نمواً والأكثر فتكاً في العالم. وفقاً للمؤشر، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، فإن أربعةً من البلدان العشرة التي شهدت أكبر زيادة في الوفيات الناجمة عن الإرهاب كانت في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ وهي النيجر ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو.
هناك عدد من الخصائص المشتركة بين البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى؛ من أبرزها ارتفاع مستوى الفقر بسبب نقص الموارد والبنية التحتية، فضلاً عن الفساد والصراع. تميل هذه الدول أيضاً إلى أن يكون لديها عدد كبير من الشباب؛ مما قد يضغط على النظم الاجتماعية والاقتصادية. وبالإضافة إلى مثل كل تلك التعقيدات، حسب مؤشر الاقتصاد والسلام، فإن العديد من المنظمات الإجرامية في إفريقيا تقدم نفسها على أنها حركات تمرد إسلامية.
اقرأ أيضاً: مستقبل “مالي” بينَ مطرقة الجهاديين وسندان فاغنر
تتطلب مكافحة التطرف العنيف الذي يفضي إلى الإرهاب تضافراً عالمياً ونهجاً شاملاً متعدد الأوجه. تُعد برامج التوعية والتعليم والتمكين الاقتصادي من بين أهم الخطوات التي يمكن أن تساعد في تقليل شعور الأفراد والمجتمعات بالتهميش والعزلة واليأس، وبناء الثقة وفتح قنوات الحوار والتواصل؛ وبالتالي تقليل الرغبة في الانتقام والتطرف والعنف.
تحتاج الحكومات والمجتمعات إلى العمل معاً لمواجهة خطاب الكراهية والانقسام، وحملات التثقيف والتوعية العامة التي تعزز التسامح والتفاهم، وهما أمران يمكن تعزيزهما من خلال التعاون الدولي والإرادة المحلية. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يمكن القول إنه لا يوجد بلد في مأمن من تهديد التطرف والعنف والإرهاب، وأن هناك حاجة إلى عمل جماعي لمعالجة هذه المشكلة العالمية.