الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
في اليوم الدولي للقضاء عليه.. “كورونا” يفاقم أزمة الفقر عالمياً
بسبب الجائحة سينضم 1.3 مليار شخص إلى نادي "الفقراء الجدد"

كيوبوست
في ساحة “تروكاديرو”، التي وقِّع فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بباريس عام 1948م، اجتمع ما يزيد على مئة ألف شخص؛ تكريماً لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع بتاريخ 17 أكتوبر عام 1987م، معلنين أن الفقر يُعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، ومؤكدين الحاجة إلى التضافر لضمان احترام تلك الحقوق، كما نُقش الإعلان على نصب تذكاري.
ومنذ ذلك يتجمع أشخاص لتجديد التزامهم إزاء الفقراء وإعلان تضامنهم معهم في ذات التاريخ من كل عام. ومن جهتها، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك التاريخ يوماً دولياً للقضاء على الفقر عام 1992م.
اقرأ أيضاً: الجوع.. الوجه الآخر لفتك فيروس كورونا
واقع الفقر
على الرغم من أن عدد الأشخاص الذي يعيشون في حالة الفقر حول العالم، انخفض من 1.9 مليار شخص في عام 1990م، إلى 863 مليون شخص في عام 2015م، أي ما يعادل أكثر من مليار شخص؛ فإن جائحة كورونا أحبطت التقدم المحرز، بأن دفعت ما بين 88 و115 مليون شخص إلى الفقر خلال عام 2020م، علماً بأن غالبية أولئك الفقراء الجدد يوجدون في جنوب آسيا ودول جنوب الصحراء؛ حيث معدلات الفقر مرتفعة أصلاً، حسب البنك الدولي.
أما في ما يخص عام 2021م؛ فقد دارت التوقعات حول ارتفاع عدد الفقراء إلى ما بين 143 و163 مليون شخص، لينضم بذلك “الفقراء الجدد” إلى 1.3 مليار فقير، يعيشون في فقر متعدد الأبعاد.

ويتم تحديد عدد الفقراء في العالم استناداً إلى “خط الفقر”؛ مؤشر يُستخدم لقياس الفقر، ويتمثل بالمستوى الأدنى من الدخل الذي يحتاج إليه الفرد ليتمكن من توفير مستوى معيشة في بلد ما. وقد كان خط الفقر العالمي المعتمد يبلغ ما يقارب دولاراً أمريكياً في اليوم، وفي عام 2008 رفع البنك الدولي خط الفقر إلى 1.25 دولار.
إرث استعماري
تتعدد أسباب الفقر؛ كالكوارث الطبيعية، والحروب، وآثار التغير المناخي، والنمو السريع للسكان، والأمراض، والفساد السياسي، والبطالة… إلخ، في حين يمكن إعادة أحد الأسباب الرئيسية للفقر خلال العصر الحديث إلى الاستعمار. وفي هذا السياق، قال المفكر أوسكار جوارديولا ريفيرا: “الفقر هو نتيجة للنهب. وراء كل شكل من أشكال الفقر الحديث تجد استخداماً للقوة”.
ويمكن الربط بين الفقر والاستعمار بالعودة إلى تاريخ معظم الدول الفقيرة حالياً، وسنجد أن معظمها عانى الاستعمار والعبودية ونهب الموارد لصالح الدول الغازية؛ الأمر الذي خلق الأسباب الحائلة دون وصول السكان الأصليين إلى الأرض ورأس المال والتعليم والموارد، التي تسمح في حال توفرها للسكان بإعالة أنفسهم بشكل مناسب.
إضافة إلى أن الدول المُستعمَرة سابقاً، بدأت تاريخها الحديث (ما بعد الاستعمار) بنمط توزيع غير منصف للثروات؛ لأنها ورثت النهج التميُّزي للاستعمار داخل مؤسساتها، عكس الدول التي بدأت تاريخها الحديث بحالة من التساوي الطبقي إلى حد ما، وبذلك يعتبر الفقر إرثاً استعمارياً.
اقرأ أيضاً: ارتفاع أسعار المواد الغذائية يُفاقم مشكلات الفقراء حول العالم
وتعد إفريقيا كقارة تعاني الفقر وعانت الاستعمار، مثالاً على ذلك؛ ففي مقال بعنوان “الإرث الأوروبي في إفريقيا (الإرث الإفريقي في أوروبا)”، تعتقد المؤلفة السلوفينية فلاستا جالوسيك، أن إفريقيا لم تكن قادرة على النمو بسبب آثار الاستعمار الأوروبي المتواصل حتى الآن، على شكل أنظمة استبدادية فاسدة وغير فعالة ترتكز بقوتها على الانقسامات بين القبائل العرقية أو الثقافة البالية أو التقاليد.
القضاء على الفقر
في وقت سابق، وضعت الأمم المتحدة خطة للتنمية المستدامة لعام 2030م؛ من ضمن الأهداف المدرجة فيها “القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان”؛ لكن مع تواصل جائحة “كورونا” أعلنت المنظمة أن تأثير الجائحة الاقتصادي “يشكل تحدياً حقيقياً لهدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الفقر بحلول عام 2030”.
إلا أنه من حيث المبدأ، لا شك أن القضاء على الفقر بات هدفاً لا بد من تحقيقه؛ لذلك تقترح جهات معنية طرقاً للقضاء على الفقر، فمثلاً أفاد تقرير، نشرته منظمة الأمم المتحدة، أن تحقيق أعمال التنمية للقضاء على الفقر يتطلب سياسات ذات رؤية للنمو الاقتصادي المستدام والشامل والعادل، مدعومة بالعمالة الكاملة والعمل اللائق للجميع، والتكامل الاجتماعي، وتقليص عدم المساواة، وزيادة الإنتاجية، وخلق بيئات مواتية.

وتتنوع طرق تقليص الفقر نتيجة تعدد أسبابه، ومن طرق مواجهته: التصدي للتغير المناخي؛ لأنه يمكن أن يدفع 100 مليون شخص إضافي إلى الفقر المدقع خلال العقد المقبل إذا لم يُتخذ إجراء عاجل، وفقاً للبنك الدولي.
إضافة إلى زيادة فرص التعليم؛ لأنه بحال كان لدى جميع الطلاب في البلدان منخفضة الدخل مهارات القراءة الأساسية فقط، فإن ما يقدر بنحو 171 مليون شخص يمكن أن ينجوا من الفقر المدقع؛ لأن التعليم يطور المهارات والقدرات، ويصحح بعض الاختلالات الناتجة عن التهميش.
اقرأ أيضاً: المرأة الريفية.. بإمكانها تقليص نسبة الجوع في العالم
وأيضاً الحفاظ على الأمن الغذائي وتوفير المياه النظيفة؛ فبمجرد تناول ثلاث وجبات في اليوم والحصول على كمية صحية من السعرات الحرارية والعناصر الغذائية، يمكن أن يتم قطع مسافة طويلة في معالجة دورة الفقر.
كما تعتبر الصراعات والحروب أسباباً مؤدية إلى الفقر، ويمكننا من خلال وقف الحروب والصراعات تقليل الفقر؛ عبر تحويل الميزانيات المخصصة لتغطية تكلفة الصراع لتقديم الخدمات العامة.