الواجهة الرئيسيةشؤون عربيةصحة
في المغرب عائلات مصابة بـ”كورونا” تعاني الوصم الاجتماعي
في المناطق القبلية تشعر نساء عائلة المصاب بالإقصاء بسبب الإجراءات؛ لأنهن في منطقة نائية.. الأضرار النفسية من الإصابة بفيروس كورونا أخطر من الفيروس في حد ذاته.. يقول إسماعيل: "مباشرةً بعد اكتشاف أول حالة في القبيلة، انتحرت امرأة؛ لأنها تعاني اضطرابات نفسية."

الدار البيضاء – إلهام الطالبي
مع بداية ظهور إصابات في صفوف مغاربة قادمين من أوروبا بفيروس كورونا، ظهرت عدة سلوكيات من قبيل العنف والتمييز، وتعالت أصوات تُحمِّل المهاجرين المسؤولية، وعانت عائلات بعض المصابين الوصم الاجتماعي والتشهير جراء إصابة أحد أفرادها.
اقرأ أيضًا: العالم بعد “كورونا”
“لقد جَلبت الفيروسَ إلى حيّنا من إيطاليا، كان يجب منعها من الدخول إلى المغرب”، تعليق لأحد جيران مصابة بفيروس كورونا في مدينة الدار البيضاء.
عائلة موصومة
قبل شهر أثار خبر إصابة امرأة مُسنَّة قادمة من إيطاليا، بفيروس كورونا، الهلع في صفوف قاطني أحد أحياء الدار البيضاء، بعدما تهافت بعض الصحفيين لتصوير العمارة التي تقطن فيها عائلة المصابة، واستفسار أهالي الحي عن وضعها، وتجمُّع الأطفال والنساء أمام كاميرات الصحافة.
اقرأ أيضًا: إيطاليا.. فيروس كورونا وتجربة الاستمتاع بالخوف
أغلب التصريحات كانت تُحمِّل المرأة المُسنة القادمة من إيطاليا مسؤولية إصابتها بفيروس كورونا والتخوف من انتشارها في الحي.
وتجمعت النساء، آنذاك، أمام المدرسة التي تدرس فيها قريبة المصابة، يُطالبن بوقف الدراسة، ووجَّه البعض انتقادات إلى العائلة.
لم تُحترم خصوصية العائلة ولم تراعَ ظروفها بسبب مرض جدتها، بل تجمع الناس أمام بيتها والمدرسة؛ للحديث عن المصابة وتحميلها المسؤولية.

حملة كراهية ضد المهاجرين
بعد هذا الحادث، أصبحت السلطات المغربية تتحفظ عن ذكر معطيات تكشف عن هوية المصاب أو مكان سكنه.
وبعد وفاة المرأة المصابة بفيروس كورونا، عاد بعض المواقع الصحفية المغربية إلى الحي لتقصِّي شعورالناس بعد وفاتها؛ وهذا هو ما يزيد من معاناة العائلة الوصمَ الاجتماعي جراء المرض.
تعيش العائلة في حي شعبي في ضواحي مدينة الدار البيضاء، يُعرف بالجريمة والمخدرات والبطالة، وغالبية سكان الحي ليس لديهم وعي يؤهلهم لاحترام خصوصية العائلة، حسب أحد سكان الحي.
اقرأ أيضًا: سر المريضة 31.. كيف انفجرت حالات “كورونا” في كوريا الجنوبية؟
عانى موسى أيضًا الوصم؛ لأنه ينحدر من عائلة أغلب أفرادها من المهاجرين في أوروبا، وأُصيب أحد أقاربه بفيروس كورونا عقب عودته إلى المغرب.
وعن معاناته وعائلته مع الوصم، يقول موسى لـ”كيوبوست”: “للأسف البعض استغل إصابة مهاجرين مغاربة في أوروبا؛ ليشن عليهم حملة كراهية، ويراهم السبب في انتشار الفيروس، ويشتمهم ويسبهم”.
تحقير المهاجرين المغاربة القادمين من أوروبا
أعرب موسى عن استيائه من التشهير الذي يتعرَّض إليه بعض المصابين بفيروس كورونا، ويُضيف في هذا الصدد: “الجانب النفسي يلعب دورًا مهمًّا لمواجهة المرض، وعندما يتم الضغط على المصاب وعرض فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تُحمِّل المهاجرين المسؤولية، فهذا يزيد من معاناته”.
ويُشار إلى أن النيابة العامة بابتدائية أغادير، أطلقت سراح سيدة مقابل كفالة مالية، على خلفية تورطها في تسجيل وبث مقطع فيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي يتضمن قذفًا في حق أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وتحريضًا صريحًا على التمييز والكراهية.

وتُعرف السيدة بـ”مولات القطران”، وكانت نشرت شريط فيديو بمواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيه وهي تدلي بتصريحات تحقيرية، تشتم المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، كما تُحرض ضدهم؛ بسبب تطورات وباء “كورونا” على الصعيد العالمي.
دور وسائل الإعلام في محاربة الوصم
وفي حديثها إلى “كيوبوست”، تقول الصحفية المغربية سلمى فراح: “في هذه الأزمات يجب على وسائل الإعلام أن تسهم في توعية المواطنين، وأن لا يحصل تصوير عائلات المصابين أو الكشف عن هويتهم؛ لأن نسبة كبيرة من المواطنين غير واعية وتتفاعل مع الأحداث بتعصب”.
وتُضيف فراح: “في الوقت الذي يجب أن نُعرب فيه عن تضامننا مع بعض، ينتشر الحقد والكراهية والوصم الاجتماعي للمهاجرين المغاربة المصابين، وينسى البعض الدور الذي لعبه المهاجرون في تنمية اقتصاد المغرب، وأن المهاجرين في مختلف دول العالم بحاجة إلينا؛ لنساندهم وندعمهم حتى نتجاوز هذه اللحظات العصيبة”.
الوصم في المجتمعات القبلية
في المجتمعات القبلية، يعتمد الأهالي على وسائل تقليدية لتوعية الناس بخطورة الوباء، وبضرورة اتخاذ إجراءات الوقاية.
وفي الوقت الذي يتوافر فيه لسكان المدن المغربية المعلومات عبر وسائل الإعلام، فإن “البراح” هو شخص يمثل القبيلة أو عون سلطة يصعد على مئذنة بالمسجد ليوضح للناس طرق الوقاية، ويُعلمهم بحالة وجود مصاب بفيروس كورونا بالقبيلة. والبراح هو (المبلِّغ) الذي يعلن للناس الأوامر ويوصل إليهم التوجيهات، كما هو معروف في التراث وفي التاريخ، وهي عادة لا تزال موجودة.
اقرأ أيضًا: إنفوغراف.. 12 أكذوبة عن فيروس كورونا
إسماعيل أيت حماد، صحفي مغربي وفاعل جمعوي، يعيش في زاكورة نواحي مدينة ورزازات جنوب المغرب، يرى أن عائلة المصاب بفيروس كورونا تُعاني الوصم الاجتماعي في قبيلتها؛ بسبب كشف “البراح” عن المعطيات الشخصية للمصاب.
وفي هذا الصدد، يقول إسماعيل أيت حماد، خلال حديثه إلى “كيوبوست”: “لدينا مصاب كان مهاجرًا قادمًا من فرنسا، ومن أعيان المنطقة الذين يحظون باحترام الناس، وعائلته لديها مكانة في القرية؛ لكن بمجرد ما نادى (البراح) باسمه فوق مئذنة المسجد، التي تُعد وسيلة إعلامية إخبارية تقليدية، وأخبر الناس بأن مَن صافحه عليه أن يتوجه إلى السلطات، أصبح يُنظر إليه على أنه تهديد للقبيلة”.
ويتابع المتحدث ذاته: “عائلته شعرت بالحزن؛ لا سيما عندما انتشر التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي، واستغل بعض من أبناء القبيلة الفرصة للتشفِّي فيها”.
ويُضيف حماد: “يقولون مثلًا هذا الشخص لديه الجاه والمال، الله انتقم منه، معتبرين ما حدث له انتقامًا إلهيًّا”.
اقرأ أيضًا: إنفوغراف.. 12 أكذوبة عن فيروس كورونا
ويشير الصحفي المغربي إلى أن عائلته حاولت اللجوء إلى السلطات؛ بسبب عدم حماية المعطيات الشخصية لقريبها والتشهير به، مضيفًا: “ارتفاع الأمية في المجتمع القبلي، واعتماد السكان على رواية الشفهية التي تعد الوسيلة الوحيدة لنشر المعلومة، جعلا العائلة تتراجع عن متابعة (البراح)”.
لا وجود للخصوصية بالقبائل
ويضيف حماد أن أهالي القبيلة يثقون بشكل كبير في “عون السلطة” الذي يلعب دور “البراح” وهو أقل درجة في وزارة الداخلية؛ لكن في المقابل لا يثقون في المثقف أو الطبيب أو الوزير، ولا وجود لخصوصية الفرد بالجماعة في القرى، وهم يُحمِّلون المصاب مسؤولية إصابته بالفيروس، ونساء عائلته يشعرن بالإقصاء بسبب الإجراءات؛ لأنهن في منطقة نائية، عندما يرين سيارات الإسعاف يشعرن بالرعب؛ لأنهن لم يألفن مشهد سيارات في القرية، وينتابهن الخوف من حديث الناس.
وحسب إسماعيل أيت حماد، فإن الأضرار النفسية من الإصابة بفيروس كورونا أخطر من الفيروس في حد ذاته، موضحًا: “مباشرةً بعد اكتشاف أول حالة في القبيلة انتحرت امرأة؛ لأنها تعاني اضطرابات نفسية”.
اقرأ أيضًا: “كورونا” في إيطاليا.. هل ما زلنا قادرين على التضحية؟
الوصم يرتبط ببداية ظهور الفيروس

ومن جهته، يرى رضا إمحاسني، المختص في علم النفس، أنه “مع بداية ظهور (كورونا) ظهرت العنصرية إزاء الآسيويين، وبمجرد ما أُصيب الأوروبيون، لاحظنا تحميل المهاجرين المغاربة مسؤولية الفيروس، وتعليقات عنصرية ضدهم تطلب منهم عدم العودة إلى المغرب”.
ويضيف إمحاسني، خلال حديثه إلى “كيوبوست”، أن “الوصم الاجتماعي بدأ يتبدد بعد انتقال العدوى حاليًّا بين المغاربة محليًّا، وأن الإخبار عن المريض والطلب من الناس أن يتفادوه أمر لابد منه”.
ويمضي المتحدث ذاته قائلًا: “أعتقد أن التمثل النفسي عن المرض مختلف عن أمراض أخرى ناتجة عن ممارسات معينة تنجم عنها الإصابة؛ مثل الإيدز، وفي (كورونا) لا نرى تحميل الشخص مسؤولية الإصابة”.
ويتابع إمحاسني: “الوصم الاجتماعي يرتبط فقط بالمرحلة الأولى، أما بعد انتشار الوباء بين الناس، يتراجع؛ وهو مرتبط بالجهل بالمرض وطرق العدوى وما أعراضه وطرق الوقاية منه؛ ما يسبب القلق لدى البعض لتصبح لديهم سلوكيات عنيفة تجاه المريض”.