الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

فيلم 1917 .. سباق مع الزمن

كيوبوست- عبيد التميمي

فيلم “1917“، من إخراج الإنجليزي سام مينديز، وبطولة جورج مكاي ودين تشارلز تشابمان. استطاع الفيلم الحصول على جائزتَي أفضل فيلم درامي وأفضل مخرج في حفل الجولدن جلوبز الأخير؛ مما يجعله منافسًا قويًّا لجوائز الأوسكار.

يتحدث الفيلم عن مهمة اثنين من الجنود البريطانيين، والتي تتمثل في إرسال أوامر إلى جنرال في الجبهة الأولى؛ لوقف الهجوم وتجنب فخ نصبه الجيش الألماني قد يتسبب في خسارة 1600 جندي بريطاني خلال يوم واحد. بينما الفيلم ليس قصة حقيقية تمامًا، إلا أنه مستوحى من أحداث حقيقية حصلت.. سام مينديز استلهم النص من القصص التي رواها له جده ألفريد مينديز، الذي شارك في الحرب العالمية الأولى.

الملصق الدعائي للفيلم

تم استهلاك الأفلام الحربية في السنوات الأخيرة؛ فالأفلام الرائعة التي قُدِّمت في سبعينيات وثمانينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، رفعت سقف الطموح والتوقعات لأي فيلم حربي جديد، وتحولت رواية الأحداث الحربية التاريخية بشكل خطي ومعتاد مصيرها إلى مجرد ترشيحات تكريمية في أفلام مصيرها النسيان.

اقرأ أيضًا: في “Angel Has Fallen” روسيا بريئة من محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي

لذلك يروي هنا سام مينديز القصة بشكل مختلف، وعوضًا عن النظرة الشمولية الواسعة في الأفلام الحربية والتي تحاول إظهار صورة كاملة للشعوب والقوى المتصارعة، قرر أن يرويها من منظور ضيق ومحدود، في غضون وقت قصير بالنسبة إلى الأفلام الحربية، متتبعًا شخصيات قليلة، وهو أمر مشابه لما فعله كريستوفر نولان في فيلم “Dunkirk“.

السمعة التي تسبق الفيلم هي أنه صوّر وكأنه عبارة عن مشهد واحد، ولا أعتقد أن هذا القرار تم اتخاذه لمجرد إنجاز أمر مثير للاهتمام، ولكن الهدف هو جعل المشاهد ينغمس في فكرة الفيلم الرئيسية؛ وهي المهمة الانتحارية التي يجب إنجازها في يوم واحد فقط، لذلك كل شيء تم تصويره في هذا الفيلم كان يصب في مصلحة هذه الفكرة وتعزيزها لدى المشاهد؛ متابعة هذه المهمة عن كثب، وقد يكون موقع المشاهد أحيانًا خلف الشخصيات، أمامها، أو يسير بجانبها، وكأنه قد تم اختياره للقيام بهذه المهمة الانتحارية رفقة أبطال القصة.

مخرج الفيلم سام مينديز مع المصور السينمائي روجر ديكنز

لم يمتلك سام مينديز أي وقت لبناء الشخصيات في هذا الفيلم؛ فالمشهد الأول هو استدعاء الجنديَّين لتكليفهما بهذه المهمة، وكل ما نحتاج إليه للتعرف على هذه الشخصيات سوف يتم خلال الرحلة (كون الفيلم نجح أو فشل في هذا الأمر هذه نقطة أخرى)، لكن الانطلاقة السريعة أسهمت في اندماج المشاهد، وتكامل الصورة والموسيقى كان خير معزز لهذه الانطلاقة. فعلى سبيل المثال، حينما قرر أحد الجنديَّين بداية المهمة بدأت موسيقى متسارعة مصاحبة ومناسبة جدًّا للمشهد ولهذا القرار اللحظي المفاجئ.

اقرأ أيضًا: “سنونوات كابول”.. من صفحات الكتب إلى شاشات السينما

أكثر ما عزز انغماس المشاهد في هذه التجربة لم يكن تصوير الفيلم على أنه لقطة واحدة أو النسق السريع، لكن هو العمل الضخم في كادرات الفيلم والنجاح في التقاط أجواء الحرب بشكل متكامل. وعلى الرغم من امتلاك الفيلم بطلَين لقصته؛ فإنه لم يحاول ولو لمرة واحدة إعطاء المشاهد أي انطباع أن ما يقوم به البطلان هو أكثر أهمية من باقي الشخصيات في الصورة، فالكل منهمك بما يعمل ويصب كامل اهتمامه على ما بين يدَيه.. كان ذلك الأمر تخطيطًا لمعركة وشيكة أو الحصول على قسط من النوم، لا يوجد التمجيد المعتاد في أفلام الحروب لأبطالها أو شيطنة الطرف الآخر من المعركة.

مشهد من الفيلم

العمل المذهل في التصوير وفي تجهيز مواقع التصوير لم يكن ليتم دون جهود المصور السينمائي صاحب الموهبة الاستثنائية روجر ديكنز، اللقطات البديعة التي اختارها الفيلم كلحظات تنفس حرفي للشخصيات بعد الخروج من مآزق مميتة وتكون غالبًا في مساحات ضيقة، الاهتمام الدقيق بالألوان في الصورة وتحويل الظلام إلى عدو حقيقي يرعب أبطال القصة والمشاهدين على حدٍّ سواء، والتحولات السلسة بين اللقطات التي أبقت المشاهد في عقلية تصوير الفيلم كلقطة واحدة، جميعها نتجت عن تعاون مثمر بين سام مينديز وروجر ديكنز.

نقطة الضعف الوحيدة في الفيلم هي الشخصيات؛ فالثمن الذي دفعه الفيلم نتيجة بدايته السريعة هو عدم تطوير الشخصيات بشكل كافٍ، أمرٌ كان يمكن تجنبه لو تم في باقي وقت عرض الفيلم؛ لكن هذا الأمر لم يتم، ونتج عن ذلك للأسف أن مشاهد الفيلم الدرامية التي من المفترض أنها كانت فرصة للاستراحة من الضغط الرهيب والمتواصل أغلب أوقات الفيلم، والتعرف على الشخصيات عن كثب واكتساب روابط جديدة معها، كانت مشاهد مملة دون أي أثر محسوس على الشخصيات أو مسار القصة.

اقرأ أيضًا: أخوات السلاح.. مواجهة الإيزيديات والدواعش على شاشة السينما

ورغم ذلك؛ فإن الفيلم يعوض هذا الأمر بكونه أحد أكثر أفلام السنة تماسكًا وإثارةً، فهو فيلم إثارة وشد عصبي قبل أن يكون فيلمًا حربيًّا.. الشعور بالخطر لا يفارقك طوال الفيلم، الشعور بأن هناك رصاصة قادمة أو كارثة على وشك الحصول مستمر، ذلك أن هنالك تكاملًا رهيبًا بين أدوات الفيلم لخلق هذا الجو المشحون، تكاملًا رائعًا بين الموسيقى والتصوير يجعل من فكرة المشي في مساحات مفتوحة في يوم مشمس أحد أكثر الأفكار رعبًا وتهورًا.

إيميل الكاتب: [email protected]

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبيد التميمي

كاتب سعودي

مقالات ذات صلة