الواجهة الرئيسيةشؤون عربيةمجتمع

فوضى الفتاوى: الحلال والحرام يختلط على الجزائريين

هل يكون استحداث منصب مفتي الجمهورية هو الحل؟

خاص كيو بوست –

تعيش الجزائر على وقع فوضى دينية بدأت ملامحها تهدد المرجعية الدينية الوطنية التي حافظت على تماسك المجتمع (المذهب المالكي)، غير أن العولمة هزت هذا التماسك والاستقرار بعد تضارب وتعدد الفتاوى الصادرة عن مختلف الأطراف بما فيها الفضائيات، الأمر الذي دفع السلطات الجزائرية إلى دق ناقوس الخطر والمسارعة إلى تنظيم الشؤون الدينية تجنبًا لأي انزلاقات، خصوصًا بعد تبادل الاتهامات بين أئمة ومشايخ.

 

الفتاوى تزعج السلطات

أصبحت الفتاوى في الجزائر مصدر ازعاج  للسلطات العمومية، بعد أن أثارت الجدل في عدد من القضايا، بلغ حد التراشق، إذ تدخلت وزارة الشؤون الدينية الجزائرية وأصدرت تعليمات لضبط فوضى الفتاوى، وألزمت جميع أئمة البلاد بعدم الإفتاء مهما كان الموضوع، و شددت على أن الفتوى في أي شأن من شؤون الحياة، يجب أن تمر على المجلس العلمي للوزارة، كما أبرز وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، في تصريحات صحفية، أن الوزارة تمنع أئمة المساجد من الإفتاء للمصلين أو لوسائل الإعلام في مواضيع اجتماعية، تلقى جدلًا واسعًا من طرف الجزائريين، مهددًا الأئمة الذين يبحثون عن الشهرة من خلال إصدار فتاوى على أهوائهم وميولاتهم ومصالحهم الخاصة، بعقوبات صارمة.

من جهته، حذر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، عبد الله غلام الله، من الفتاوى التي تبثها القنوات الفضائية الجزائرية على لسان أشخاص غير مؤهلين للإفتاء، وأوضح أن مصدر الفتوى يجب أن يوكل لرؤساء المجالس العلمية للفتوى بالولايات، التابعة لوزارة الشؤون الدينية، وأشار إلى تنافس قنوات فضائية جزائرية على استقطاب المشاهدين، باللجوء إلى بث فتاوى حول قضايا تهم الجزائريين تتعلق بالزواج والميراث والقروض والهجرة غير الشرعية وغيرها، وهي الفتاوى التي تكون في غالب الأحيان في غير محلها لأنها صادرة عن أشخاص غير مؤهلين، ما يفتح أبواب الجدال والفوضى والتراشق ويهدد تماسك المجتمع.  

رئيس المجلس الإسلامي الأعلى نظّم لقاء مع وزير الشؤون الدينية بمشاركة رؤساء المجالس العلمية للفتاوى لدراسة مشكلة فوضى الفتاوى، وخرج اللقاء بعديد التوجيهات؛ أهمها ضرورة التمسك بالمرجعية الدينية ومواجهة ظاهرة المتاجرة بالدين.

 

مشايخ يحذرون من استمرار الفوضى

وحذر أئمة ومشايخ وأساتذة من استمرار فوضى الفتاوى على المجتمع الجزائري، مطالبين باقتصار إصدارها على المؤهلين المشهود لهم من العلماء، إذ دعا الدكتور طاهري بلخير، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة خروبة، إلى مكافحة الفتاوى الدخيلة المؤدية إلى الفتنة داخل المجتمع، وضرورة محاربة ما أسماه بالأمية الدينية من خلال تفقيه عامة المسلمين بالحد الأدنى من الفقه الشرعي الواجب، ودفع العلماء إلى القيام بواجبهم في التحذير من خطورة الفتاوى الشاذّة، وتقديم العلماء المأذون لهم في الإفتاء عبر المواقع ووسائل الإعلام، وتابع أن السلف الصالح كانوا ينكرون -بشدة- من يقتحمون ميدان الفتوى دون تأهيل كاف ويعتبرون ذلك منكرًا عظيمًا.

منسق نقابة الأئمة وموظفي الشؤون الدينية، جلول حجيمي، أكد لـ”كيوبوست”، أن مسألة الإفتاء يجب أن تسند إلى أهلها، لأنها تخضع لجملة من الشروط، منها أن يكون المفتي مضطلعًا بعلوم الشريعة، وبأحوال الناس، والأهم أن يبعد الفتوى عن الخلافات الشخصية، مضيفًا أن المفتي يتحمل مسؤولية فتواه، فلا يخلط بين القضايا الدينية والسياسية.

وأشار حجيمي، في تصريحات خاصة لـ”كيوبوست” إلى أن مفتي الجمهورية يجب أن تكون سلطته أقوى من سلطة الوزير الأول، حتى لا يخضع له.

من جهته، اعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين، عبد الرزاق قسوم، أن ما تشهده الساحة من فوضى في الفتوى ليس في صالح الأمة، مؤكدًا أن الفتوى لا بد من أن تكون ضمن هيئة عامة، أو لجنة مكلفة وباتفاق الجميع. وأوضح أن فوضى الإفتاء خلطت الحلال بالحرام على الجزائريين.

وتابع قسوم قوله إن الفتاوى صارت تصدر من “شطط ومطط”، لذا يجب الاعتبار مما عاشه الشعب الجزائري خلال العشرية السوداء، حيث تسببت الفتاوى الضالة في حدوث جرائم بشعة، داعيًا الى إنشاء مجمع فقهي لتوحيد الفتاوى وجلب المنفعة العامة، خصوصًا في مسائل مهمة على غرار التبرع بالأعضاء، والقروض، والهجرة غير الشرعية وغيرها من المسائل.

 

 مفتي الجمهورية: هل سيكون الحل؟

وتبقى مشكلة غياب جهة رسمية مسؤولة عن الفتاوى من أهم أسباب انتشار فوضى الفتاوى، وكانت السلطات العمومية قد أكدت في عديد المرات أنه يتم التحضير لوضع مفتي الجمهورية لوضع حد للفوضى الحاصلة، وهي قضية باتت تؤرق وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، الذي أكّد مؤخّرًا أن مسألة مفتي الجمهورية لا تزال قائمة، وأنها تصب في المقترح الداعي إلى إنشاء أكاديمية للإفتاء.

وقال عيسى إن مسألة الإفتاء لا ينبغي حصرها، ولا تخص شخصية مستقلة بذاتها تفتي وتلزم الجزائريين برأيها، مشيرًا إلى أن هناك تعديلات سيتمّ تقديمها إلى رئاسة الجمهورية حول هذا المقترح من أجل إنشاء أكاديمية أو مجمع يضم ممثلين عن المجالس العلمية المحلية، على أن تتوسع العضوية في هذا المجمع إلى خبراء ومختصين في مجالات عدة، على غرار علم الفلك للفصل في مسألة الأهلة والمواقيت الشرعية، إلى جانب مختصين في المجال الطبي وتخصصات أخرى مثل علم النفس وعلم الاجتماع، فيتولى المجمع تداول ودراسة المواضيع، للخروج برأي موحد حول المسائل محل المناقشة، بينما يكلف رئيس المجمع بالتصريح بهذا الرأي الموحد.

 

أئمة ومشايخ يرون في وجود مفتٍ للبلاد ضرورة ملحة، فقد قال الشيخ شمس الدين بوروبي، في تصريح لـ”كيوبوست”، إن فوضى الفتاوى أحدثت اضطرابًا كبيرًا بين الجزائريين الذين صاروا من أكثر الشعوب المسلمة طلبًا لرأي الشرع من خارج بلدانهم، ما جعل وضع مرجعية فقهية وطنية يوفر قاعدة فتوى مرنة تتماشى وخصوصية المجتمع ووحدته المذهبية الضرورية لحماية البلاد.

وأوضح أنه يجب رفع الخلاف ووضع حد لفوضى الفتاوى، لحل عدد من المسائل، كقضية استيراد اللحوم الهندية، ومسألة القروض، وموضوع صعق الدجاج، وغيرها من القضايا.

 

وأوضح الشيخ بروبي، أن تعيين مفتٍ للجمهورية بات ضروريًا وحتميًا لمواجهة تكالب المرجعيات والتيارات على الجزائر، و تابع أن استمرار هذا الفراغ دفع الجزائري إلى استيراد فتاوى من الخارج، مذكرًا أن الفتنة التي شهدتها البلاد خلال سنوات التسعينيات سببها الفتاوى المستوردة.

وختم الشيخ أقواله: “خلال تلك الفترة: كل قطرة دم سالت كانت بسبب فتوى، وكل بنت اغتصبت كانت بسبب فتوى، كل شركة أحرقت كان بسبب فتوى، كل مسجد أحرق أو تعدي على مقبرة كان بسبب فتوى”، مشيرًا إلى أن هذه الفتاوى ليست من المالكية ولا الشافعية ولا الحنفية ولا الحنبلية، وإنما هي فتاوى الفكر السلفي اللا مذهبي، الذي جعل من كل شيخ مفتيًا!

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة