الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

فريد زكريا يُبَشِّر الديمقراطيين بسقوط أيديولوجيا “المحافظين” وصعود نجم “التقدمية اليسارية”

زكريا: أمريكا اليوم جمهورية سقطت أم هي قصة نجاح مذهلة.. لقد تسبب هذا الالتباس في أزمة سياسية بين المحافظين؛ ما قد يساعد في تفسير صعود ترامب

كيوبوست

في برنامجه التليفزيوني على قناة CNN، تناول الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي فريد زكريا، ما وصفه بـ”انهيار أيديولوجيا المحافظين”. وضمن هذا العنوان اللافت والعريض، الذي حاز على عديد من التفاعلات عبر وسائط الإعلام الجديد والتقليدي، يقول زكريا: “لقد أنتجت أزمة المحافظين اليوم عددًا قليلًا من الكتب التي تحاول فهم ما حدث بالضبط لهذه العقيدة الموقرة. فلعقود من الزمن كانت (المحافظة) هي الأيديولوجيا المهيمنة في العالم الغربي، برعاية مارغريت تاتشر ورونالد ريغان. أما اليوم، فقد انهارت بهدوء؛ إذ استحوذت (شعبوية) الرئيس ترامب على الحزب الجمهوري في أمريكا، واستهلكت حمى البريكست[1] قادة المحافظين في بريطانيا. في هذه الفوضى، يأتي كتاب جورج إف.ويل (حساسية المحافظين).. لقد أُعجبت بـ(ويل) طويلًا؛ حيث يجسد المُثل العليا المتمثلة في النزعة المحافظة المدروسة”.

مارجريت تاتشر ورونالد ريجان

ويمضي زكريا في حديثه: “هذا الكتاب، كما قد يتوقع المرء، شديد المعرفة، ومليء بأمثلة من التاريخ واقتباسات من الساسة والحكماء والشعراء. لقد حاول ويل تحديد السمات الأساسية لعقيدته. يعلن ويل، المحافظ الأمريكي، أنه لا علاقة له بالمحافظ الأوروبي، المنحدر من الحنين إلى العرش والمذابح والدماء والتراب، والعقلانية، والقبلية. من خلال ملاحظة أن (الدول الأوروبية صنعها التاريخ، فإن الولايات المتحدة صُنعت من خلال الفلسفة). فالمحافظة الأمريكية، إذن، مشروع يسعى للدفاع عن الفلسفة الأصلية للآباء المؤسسين: الليبرالية الكلاسيكية[2]، التي تروج لحكومة محدودة والتبجيل والاحترام للحرية الفردية”.

وأضاف الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي: “ويل يرى أن النقطة المقابلة والمضادة لهذا التقليد هي التقدمية، والفلسفة التي أوضحها وودرو ويلسون، والتي سنّها فرانكلين روزفلت. إن التقدمية التي ولدت في أثناء الثورة الصناعية في البلاد بعد الحرب الأهلية، ترى أن المجتمع يتطلب عملًا جماعيًّا تقوم به الحكومة، وهو ما يمكِّن الأفراد من الازدهار اقتصاديًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا. هذا التراث، من وجهة نظر ويل، أدَّى إلى تآكل المُثُل التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية وروحها، وخلق دولة أقل حرية وأقل اعتمادًا على الذات وتستعد للركود الاقتصادي”.

اقرأ أيضًا: منظمة العفو: ترامب يمثل تهديدًا لحقوق الإنسان

ويجادل زكريا: “لكن مشكلة ويل والمحافظة الحديثة هي أنه مع صعود التقدمية في القرن العشرين، أصبحت الولايات المتحدة أقوى دولة منتجة وديناميكية في العالم!”.

اقرأ أيضًا: المرأة الحديدية التي قد توقف “انفلات” ترامب: من هي نانسي بيلوسي؟

جورج ويل

ويقول المحلل السياسي الأمريكي: “في الواقع، بعد (الصفقة الجديدة New Deal)[3] جاءت الطفرة الأمريكية المذهلة في الخمسينيات والستينيات. بعد (المجتمع العظيم Great Society)[4] جاءت ثورة المعلومات، التي سيطرت عليها الولايات المتحدة أكثر من أية دولة أخرى. تبقى الحقيقة أنه في عام 2019، أصبحت الولايات المتحدة واحدة من أكثر البلدان حرية وديناميكية وابتكارًا على هذا الكوكب”. ثم يتساءل فريد: “إذا كان هذا نتيجة قرن من السياسات التقدمية (اليسارية الديمقراطية)، فربما نحتاج إلى المزيد”.

ويشير فريد إلى أن “العيب الأساسي في النزعة المحافظة الحديثة هو أنه من غير المؤكد لديهم ما إذا كانت أمريكا اليوم جمهورية سقطت أم هي قصة نجاح مذهلة.. لقد تسبب هذا الالتباس في أزمة سياسية بين المحافظين؛ ما قد يساعد في تفسير صعود ترامب”.

اقرأ أيضًا: استراتيجية ترامب التجارية: كيف تخسر الأصدقاء؟

سياسات ترامب أربكت التيار المحافظ في الولايات المتحدة الأمريكية

وليثبت زكريا هذا “التخبُّط” عند الجمهوريين، يقول: “منذ ثلاثينيات القرن العشرين، والمحافظون يبشرون مؤيديهم بتراجع أجندة التقدميين. لقد حذَّروا من مخاطر ترك (دولة الرفاه) سليمة، واستنزف الزعماء المحافظون جهودهم لإثبات ذلك؛ لكنهم فشلوا في هذه المهمة الحاسمة. ورغم جميع تلك المحاولات ورغم ثورة ريغان وثورة نيوت غينغريتش وثورة حفلة الشاي[5]؛ فإن دولة الرفاهية لا تزال قوية كما كانت دائمًا. ورغم سيطرة الجمهوريين تقريبًا على كل الساحة السياسة الأمريكية؛ فإن الحكومة أكبر من أي وقت مضى[6]. هل يجب علينا أن نقول إن ذلك يعد عدم كفاءة؟ على الأرجح، يعرف المحافظون أن الشعب يريد فعلًا دولة الرفاه، وأن الدولة الحديثة لا يمكن أن تعمل اليوم في ظل تجربة خيالية لليبرالية([7]). بالطبع، لن يعترفوا بذلك أبدًا”.

غلاف كتاب “حساسية المحافظين”

اقرأ أيضًا: تأثير الانتخابات الأمريكية النصفية على سياسات ترامب الداخلية والخارجية

ويختم الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي خطابه الدعائي هذا، قائلًا: “على أية حال، فإن النتيجة هي أن الزعماء المحافظين تركوا قاعدتهم الجماهيرية متضررة بشكل دائم، إن جماهيرهم تشعر بالخيانة، وعدم الثقة في أي وعود جديدة للحملات الجمهورية. في السنوات الأخيرة، ومع نمو هذه الحمى، أصبح الناخبون المحافظون يائسين لشخص لم يلعب لعبة (الطعم والتبديل) معهم. وفي هذا الغضب مضى ترامب، الذي أطاح بسهولة بالمؤسسة المحافظة القديمة وركب موجة الإحباط من النخب ليصل إلى البيت الأبيض. لقد كتب ويل كتابًا رائعًا. ولكن في صميم هذه الملحمة يظهر أن تلك المثاليات مفقودة، وهي ما أدَّت إلى شل الحركة المحافظة الحديثة وتدمير السياسة الأمريكية. ويل يصف نفسه بأنه (ملحد ودود.. ملحد على خفيف وطيب). حسنًا، فهو بالتأكيد يعرف أنه لا توجد هناك أبدًا جنة عدن”.

الوسوم:

[1] خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

[2] Classical liberalism هي فلسفة سياسية خرجت من رحم الفكر المحافظ للمجتمع وتعتبر مُتفرِّعة عن الليبرالية، ومشابهة لليبرالية الاقتصادية، ومضادة لليبرالية الاجتماعية، إذ تنظر للمجتمع باعتباره عائلة، وتنطلق من الفكرة القائلة إن المجتمع هو مجموعة معقَّدة من الشبكات الاجتماعية. ويعتقد الليبراليون الكلاسيكيون أن الأفراد أنانيون، ومراوغون، وجامدون ومنعزلون. تؤيد الحريات المدنية بموجب حكم القانون مع التشديد على الحرية الاقتصادية. (ويكيبيديا)

[3] هي مجموعة من البرامج الاقتصادية التي أطلقها الديمقراطيون في الولايات المتحدة بين عامي 1933م و1936م. تضمنت هذه البرامج مراسيم رئاسية أو قوانين قام بإعدادها الكونغرس الأمريكي في أثناء الفترة الرئاسية الأولى للرئيس فرانكلين روزفلت. جاءت تلك البرامج استجابة للكساد الكبير وتركزت على ما يسميه المؤرخون الألفات الثلاثة؛ وهي: “الإغاثة والإنعاش والإصلاح”. وتشير تلك النقاط الثلاث إلى إغاثة العاطلين والفقراء، وإنعاش الاقتصاد إلى مستوياته الطبيعية، وإصلاح النظام المالي لمنع حدوث الكساد مرة أخرى. (ويكيبيديا)

[4] مجتمع عظيم هو مجموعة من البرامج المحلية في الولايات المتحدة التي أطلقها الديمقراطيون والرئيس الديمقراطي ليندون ب جونسون في عامي 1964-1965. كان الهدف الرئيس بحسبهم” القضاء على الفقر والظلم العنصري من خلال الدفع بالشراكة المجتمعية. (ويكيبيديا)

[5] جميعها تشير إلى موجات صعود للفكر المحافظ.

[6] في إشارة إلى فكرة دولة الرفاه المتوسعة -فكرة يسارية- بعكس قول المحافظين إن الحكومة يجب أن تٌقلص مساحتها وخدماتها وعدد موظفيها.

[7] يقصد الليبرالية الكلاسيكية التي تبناها المحافظون، وقامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بداية تأسيسها.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة