الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
فرنسا في قبضة الغضب

كيوبوست- ترجمات
كول ستانجلر
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالةً تحليلية بشأن الوضع المشتعل في فرنسا، على خلفية مشروع قانون رفع سن التقاعد. فذكرت أن بعض الأصوات ما زالت تأمل في تراجع الحكومة عن مشروع القانون.
ففي نهاية المطاف، هناك سابقة لتراجع الحكومة الفرنسية عن قانون لا يحظى بشعبية في مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية، كما حدث في عام 2006. ولا يزال الإصلاح الشامل بحاجة إلى أن يمر عبر بوابة النقاش والتدقيق من قبل المجلس الدستوري الفرنسي، أعلى محكمة في الدولة، التي قد تطرح أسئلة حول الطريقة المشكوك فيها، التي استخدمت في تمريره.
ومع ذلك، إذا حصلت الحكومة على ما تريد، كما يبدو محتملاً، فسيكون ذلك انتصاراً باهظ الثمن، انتصار بطعم الهزيمة. إذ لا يمكن إصلاح الضرر الذي تسبب فيه في الأسابيع الماضية. لقد أحرق ماكرون الجسور مع الحلفاء المحتملين، وسمّم العلاقات مع شركاء التفاوض المحتملين، وحشد غالبية الجمهور الفرنسي ضده. إذا حكمنا من موجة الإضرابات يوم الخميس، التي ضربت كل شيء من مصافي النفط في نورماندي إلى الحافلات العامة في نيس، فإن السخط باقٍ.

بكل بساطة، سيكون من الصعب الآن على ماكرون أن يحكم. ففي ظل غياب أغلبية في الجمعية الوطنية، اضطر حزب النهضة للاعتماد بشكلٍ كبير على دعم الجمهوريين اليمينيين منذ الانتخابات التشريعية في الصيف الماضي. لكن 19 نائباً جمهورياً أيّدوا اقتراح حجب الثقة. بعد هذا التحدي الذي لا لبس فيه، من الصعب تخيّل تعاون الحزب مع قصر الإليزيه لإجراء تغييراتٍ كبيرة في المستقبل القريب.
والأهم من ذلك، فقد الرئيس ثقة الشعب الفرنسي، واستنفد ما تبقى من النوايا الحسنة بعد إعادة انتخابه من خلال تجاهل -مرة أخرى- أن الملايين صوّتوا له بدافع الرغبة في منع خصمه اليميني المتطرف من الاستيلاء على السلطة. ونتيجة لقانون إصلاح المعاش التقاعدي، انخفضت معدلات تأييد ماكرون إلى أقل من 30 في المائة.

تبدو اللحظة السياسية اليوم مشابهة جداً للمراحل الأولى لحركة “السترات الصفراء” في عام 2018، عندما أطلقت الزيادة المقترحة في ضريبة الوقود العنان لأسابيع من المظاهرات. وساد غضب عارم من الأسر التي تكافح من أجل تغطية نفقاتها، ودعم واسع النطاق للاحتجاجات التخريبية وعُزلة غريبة من جانب المسؤولين.
وكما هو الحال في الأيام الأولى من ذلك الصراع، أمضى ماكرون أسابيع دون أن يتحدث علناً عن معركة المعاشات التقاعدية بالتفصيل، ما أجبر رئيس وزرائه على تحمل النقد بدلاً من ذلك. وانتقد البعض أول خطاب رئيسي له حول هذا الموضوع منذ بدء الاحتجاجات، ووصفوه بأنه منفصم عن الواقع ومتعالٍ.
لقد دفع هذا العناد فرنسا إلى أزمة سياسية، أزمة تثير تساؤلات حول بنية الجمهورية الخامسة والسلطة الواسعة التي تمنحها لرئيس الدولة. كيف يمكن لرئيس بدون أغلبية برلمانية أن يحاول إقرار مثل هذه السياسة التي لا تحظى بشعبية؟
اقرأ أيضًا: مكافحة التطرف في فرنسا
ومع تجاهل ماكرون لمناشدات تنظيم استفتاء أو إجراء انتخابات تشريعية جديدة، قد تتعالى الدعوات لإصلاح المؤسسات السياسية الفرنسية. قد يكمن أحد الحلول في زيادة المدة الزمنية بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وهذا من شأنه أن يسمح للناخبين الفرنسيين -كما فعلوا قبل عام 2002- بالتأثير على فترة ولاية الرئيس من خلال انتخابات التجديد النصفي بحكم الأمر الواقع. وقد يبدأ مطلب الحزب اليساري الشعبوي “فرنسا الأبية”، المتمثل في بإنشاء جمهورية سادسة لكبح جماح سلطة الرئاسة، في اكتساب مزيد من الزخم.

المتظاهرون يردون على حكومةٍ تجاهلت مراراً الرأي العام، ومناشدات من النقابات العمالية المعتدلة، واحتجاجات تقليدية عارمة في الشوارع. وكما يُعرف الفرنسيون من تاريخهم، من 1789 و1968 إلى السترات الصفراء، فإن التحرّك المباشر بتفويض شعبي غالباً ما يحقق نتائج، حتى لو كان صاخباً وجامحاً.
وختاماً، عبّر مواطن فرنسي يدعى رينالد، عن الوضع بشكل أفضل: “هذه الحكومة لا تريد التفاوض.. حسناً، في مرحلة ما، سيجدون أنفسهم في مواجهة أشخاص لا يريدون التفاوض أيضاً”.
المصدر: نيويورك تايمز