الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

فرص نجاح الوساطة الروسية- التركية في وقف إطلاق النار في ليبيا

كيوبوست

أعلن طرفا الصراع الليبي، ممثلَين في الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، قبولهما وقف إطلاق النار في 12 يناير 2020، والذي كان قد دعا إليه كلٌّ من تركيا وروسيا في 8 يناير 2020[1]، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، لإنجاح محادثات السلام الليبية التي سوف تستضيفها العاصمة الألمانية برلين أواخر شهر يناير، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى نجاح هذه الهدنة، وإمكانية البناء عليها للتوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي الصراع الليبي.

وعلى الرغم من أن الهدنة المعلنة تفتح الباب أمام التوصل إلى تسوية سلمية من خلال المحادثات المرتقبة في ألمانيا؛ فإنه من الواضح أن هذه المحاولات تواجه تحديات لا يُستهان بها، والتي يمكن إجمالها في التالي:

1-هشاشة وقف إطلاق النار: تتصف الهدنة التي تم إبرامها بالهشاشة؛ ففور دخول وقف إطلاق النار حيز النفاذ، اتهم الجيش الوطني الليبي الميليشيات التابعة لـ”الوفاق” بخرق الهدنة في منطقتَي عين زارة والزطارنة جنوب طرابلس، ومهاجمة قواته، كما أعلن الجيش الوطني كذلك إسقاط طائرة مسيّرة تركية. وعلى الرغم من تمسك الطرفَين بالهدنة؛ فإنها قد تنهار بسهولة، خصوصًا مع إدراك الأطراف المتصارعة صعوبة التوصل إلى تسوية سلمية تراعي الاختلال الحادث في موازين القوى لصالح قوات الجيش الوطني الليبي والبرلمان الشرعي في الشرق.

اقرأ أيضًا: ليبيا.. مبادرات وقف إطلاق النار تتعثر والسلام في انتظار “برلين”

كما أن مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي العميد خالد المحجوب، جدَّد تأكيده، يوم 11 يناير 2020، أن الجيش لن يتراجع عن معركته ضد “الإرهاب”؛ في إشارة إلى بعض الميليشيات التي تدعم حكومة الوفاق، والمرتبطة بـ”القاعدة” وغيره من التنظيمات الإرهابية، ومن ثَمَّ فإن هذه النقطة قد تنذر بتجدد المواجهات المسلحة، خصوصًا إذا ما عمدت تركيا إلى استغلال الهدنة لإرسال مزيد من التنظيمات الإرهابية إلى ليبيا[2].

وعلى الجانب الآخر، فإن حكومة الوفاق الوطني تضع مطالب غير منطقية من قوات الجيش الوطني الليبي؛ مثل المطالبة بانسحاب قواته بعيدًا عن طرابلس[3]، أي التنازل عن انتصاره العسكري الذي حققه دون مقابل، وهو ما يرفضه الجيش الوطني.

أردوغان مستقبلاً فايز السراج أرشيف رويترز

2-التباين الروسي- التركي: دعا كلٌّ من روسيا وتركيا إلى وقف إطلاق النار في 8 يناير الجاري؛ وهو ما استجاب له طرفا الصراع، غير أن كلا البلدَين لا يمتلكان أية رؤية لكيفية تسوية الصراع؛ خصوصًا مع حديث وسائل الإعلام التركية عن سحب روسيا قوات فاجنر الروسية من ليبيا، في محاولة للإيحاء بأنها كانت نتاجًا للتفاهمات بين الرئيسَين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان. في حين أن بوتين أكد خلال مؤتمر صحفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خطورة نقل الإرهابيين من إدلب السورية إلى ليبيا؛ في إشارة إلى تورط أنقرة في نقل العناصر الإرهابية التابعة لـ”القاعدة” و”الإخوان” من سوريا إلى ليبيا.

ويبدو أن أنقرة تضغط لوقف إطلاق النار وتوظف ورقة التدخل؛ سواء بصورة مباشرة أو من خلال الوكلاء، في هذا الإطار، وإن افتقدت آلياته. فقد أكد أردوغان، في أثناء لقائه بوتين، أن أنقرة تسعى للقيام بكل جهودها؛ من أجل منع نشوب صراع إقليمي في ليبيا[4]، أي التلويح بأن هذه الهدنة ضرورية لمنع تدخل عسكري تركي لحماية حكومة الوفاق من الانهيار، بما يرتبه ذلك من صراع إقليمي مع الدول المعنية؛ ومنها مصر.

اقرأ أيضًا: انشقاق سفير ليبيا في غينيا عن حكومة الوفاق يهدد تحالف أردوغان- السراج

ولكن في المقابل، فإن أنقرة، في حقيقة الأمر، تفتقد أدوات التدخل العسكري في ليبيا؛ إذ إنها لا تمتلك حاملة طائرات يمكن من خلالها نقل قواتها إلى ليبيا، كما أن المسافة بين الأراضي التركية والليبية كبيرة جدًّا؛ إذ تُقدر بنحو 1500 كيلومتر، ومن ثَمَّ لا يمكن لأنقرة تقديم إسناد جوي باستخدام طائرات “إف- 16” انطلاقًا من الأراضي التركية[5]. وتبقى الورقة التي تملكها أنقرة حقيقةً هي ورقة التنظيمات الإرهابية.

3-التأييد المصري الحذر: لا تزال أجندة طرفَي الصراع في ليبيا متباينة بشكل كبير، كما أن الداعمين الإقليميين لهما لا يزالون متباينين، وهو ما يتضح في الموقف المصري على سبيل المثال؛ إذ إنه بعد ترحيب وزارة الخارجية المصرية بوقف إطلاق النار، أكدت أن تحقيق الاستقرار في ليبيا يتطلب ضرورة تفكيك الميليشيات بالتوازي مع وقف إطلاق النار، وأن مصر ستحرص على تطبيق ذلك بالتعاون مع الشركاء الدوليين، كما أكدت مسؤولية الجيش الوطني في حماية أمن ليبيا وتحقيق استقرارها[6]؛ وهي الرؤية التي تصطدم بصورة أساسية مع حكومة الوفاق الوطني، وتركيا الداعم الرئيسي لها؛ إذ إن حكومة الوفاق لا تمتلك قوات مسلحة خاصة بها، وتعتمد على عدد من الميليشيات المسلحة؛ بما في ذلك التنظيمات الإرهابية، ومن غير المرجح أن تتخلى عنها في هذا التوقيت، والتي تعاني تراجع وضعها العسكري في ليبيا.

عملية نقل مرتزقة إلى ليبيا تتواصل- المصدر: “المرصد السوري لحقوق الإنسان”

4-دعوة البرلمان الشرعي الليبي مصر إلى التدخل: أكد رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، في 12 يناير الجاري، أي في نفس اليوم الذي تم فيه تطبيق الهدنة، وذلك في كلمة بالبرلمان المصري، أن بلاده قد تضطر إلى دعوة القوات المسلحة المصرية إلى التدخل إذا حصل تدخل أجنبي في ليبيا، في إشارة إلى وجود تقييمات لدى الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، بإمكانية استغلال تركيا الهدنة من أجل نقل مزيد من العناصر الإرهابية، وكذلك أفراد من قواتها المسلحة، لدعم ميليشيات “الوفاق”، والتي عانت في الآونة الأخيرة انتكاسات كبيرة على يد الجيش الوطني الليبي، والتي كان آخرها خسارة مدينة سرت.

5-إصرار ليبي- مصري على منع التدخل التركي: قامت بحرية الجيش الوطني الليبي باعتراض سفينة إيطالية متجهة إلى ميناء مصراتة في 12 يناير الجاري، وأجبرتها على تغيير مسارها إلى ميناء بنغازي؛ لتفتيشها واستجواب الطاقم للتأكد من خلو السفينة من الأسلحة، في خطوة توضح أن الجيش الوطني يسعى لقطع الإمدادات عن المجموعات المسلحة في المنطقة الغربية[7]، ومن ثَمَّ فإن أية محاولة من جانب أنقرة لإرسال سفن مدنية محملة بأسلحة إلى ليبيا سوف يتم وقفها ومصادرتها.

اقرأ أيضًا: الدور التركي في ليبيا.. قراءة للسياقات الداخلية والإقليمية

ومن جهة ثانية، يتحسب الجيش الوطني الليبي من أي تدخل تركي مباشر، وقد وضح ذلك من خلال دعوة المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، الأحد الماضي، البرلمان المصري، إلى اتخاذ موقف شجاع إزاء الأزمة في ليبيا، ملمحًا إلى مطالبة البرلمان المصري بالموافقة على تدخل القوات المصرية في ليبيا، بناء على طلب البرلمان الليبي، إذا حدث تدخل أجنبي في ليبيا، في إشارة إلى تركيا[8].

ولا يبدو هذا التدخل مستبعدًا؛ خصوصًا مع قيام البحرية المصرية بمناورات حربية أطلق عليها اسم “قادر 2020″، وهي ثاني تدريب ضخم منذ بداية يناير الجاري في البحر المتوسط؛ إذ إن التدريب يحاكي صد إنزال بحري معادٍ بالتنسيق مع القوات البحرية والجوية وقوات حرس الحدود والقوات الخاصة، مع تنفيذ أعمال القيادة والسيطرة من مركز العمليات المتقدم بقاعدة محمد نجيب العسكرية على الساحل الشمالي، الواقعة قرب الحدود المصرية- الليبية[9]، ويكشف توقيت هذه التدريبات عن أن مصر لن تتهاون في منع تركيا من التدخل العسكري، وإقامة قواعد في ليبيا، بما يضر بالأمن القومي المصري؛ خصوصًا في ظل التحالف القائم بين أنقرة ومختلف التنظيمات الإرهابية والإخوانية في الإقليم.

ميليشيات إرهابية تدافع عن حكومة السراج- “رويترز”

6-رفض الاتفاق البحري بين “الوفاق” وأنقرة: مثَّلت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الليبية، تجاوزًا كبيرًا للبرلمان الشرعي المنتخب في الشرق، كما أنها اعتدت على المياه الإقليمية لليونان؛ إذ إنها تعترف بأحقية تركيا في مدّ مياهها الإقليمية، لتضم المياه الإقليمية لجزيرتَي كريت ورودس اليونانيتَين؛ ولذلك فإن الدول المشاطئة لشرق البحر المتوسط قد رفضتها تمامًا، بل إن البرلمان الليبي في الشرق رفضها تمامًا[10].

وعلى الجانب الآخر، فإن أنقرة لم توافق على مساندة حكومة الوفاق عسكريًّا، إلا بعد أن تم توقيع الاتفاق الخاص بترسيم الحدود البحرية على هذا النحو المخل؛ أي أن كيفية تقسيم حدود البحر الإقليمي بين الدول المشاطئة صار ملفًّا خلافيًّا رئيسيًّا يُضاف إلى الملفات الأخرى، بل واكسب الصراع بعدًا إقليميًّا واضحًا؛ خصوصًا بعد رفض مصر واليونان وقبرص، بالإضافة إلى الدول المعنية بالشأن الليبي؛ مثل إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة، هذا الاتفاق.

اقرأ أيضًا: كيف تتدخل تركيا عسكريًّا في ليبيا؟

وفي الختام، فإن دعوة كلٍّ من روسيا وتركيا إلى هدنة في ليبيا ومحاولة استكشاف فرص التسوية السلمية، تكشفان بصورة واضحة عن تراجع الدور الأوروبي في الأزمة الليبية، وعن حرص كلٍّ من روسيا وتركيا على لعب دور فاعل في شمال إفريقيا، مع التراجع النسبي للدور الأمريكي؛ وهو ما يغضب الدول الأوروبية الرئيسية، خصوصًا فرنسا وإيطاليا؛ سواء بسبب التوتر بين أوروبا وروسيا، لتدخل الأخيرة في أوكرانيا، أو بسبب توظيف تركيا للجماعات الإرهابية في تعزيز نفوذها الإقليمي؛ بما في ذلك في ليبيا، وبما يهدد في النهاية أمن الدول الأوروبية.

وعلى الجانب الآخر، فإن الاتفاق الأخير يغفل بُعدًا مهمًّا، وهو الدول الإقليمية المعنية؛ خصوصًا مصر، والتي لا يزال يقلقها الخطط التركية للوجود في ليبيا، بالإضافة إلى محاولة أنقرة المستميتة لتهديد الاستثمارات المصرية- اليونانية- القبرصية في موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط، عبر اتفاقها الأخير مع طرابلس؛ إذ إن التوافق الروسي- التركي الأخير قد لا يكون كافيًا للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، أو لوضع أُسس لاتفاق سلام شامل وعادل.

المراجع:

[1]) https://arbne.ws/35IHFgU

[2]) https://bit.ly/385HdKX

[3]) https://bit.ly/2TpOGAq

[4]) https://bit.ly/2NmLDVX

[5]) https://econ.st/2FJya6r

[6]) https://bit.ly/2tfOvNs

[7]) https://bit.ly/2NjXbJu

[8]) https://bit.ly/36OPmU3

[9]) https://bit.ly/36PtOGW

[10]) https://bit.ly/3a4KzzT

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة