الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

فرج فودة.. كفرته جبهة علماء الأزهر والشعراوي والغزالي وانتصر فكره بعد موته

كيوبوست

لمّا طَلب منه زملاؤه في “الجمعية المصرية للتنوير” أن يرفعوا أسوار جدار الجمعية؛ خوفاً عليه من تهديدات القتل التي كانت تصله من قِبل إسلاميين متطرفين، رفض المفكر المصري فرج فودة، الفكرة، وهذا طبيعي؛ ليس بالضرورة لأنه لم يخف على حياته، فهو من أنصار الحياة لا الموت؛ بل لأنه كان مفكراً وكاتباً علمانياً، يدافع عن قيم الحرية لا الأسوار العالية.

لكن قدره العاثر أنه جاء في زمن أُشهرت فيه سيوف التكفيريين في وجه كل مَن يقول رأياً مخالفاً لتوجهات الإسلام السياسي الذي بدأ بالتفشي في المجتمعات العربية؛ لذلك خسر فودة حياته في الثامن من يونيو 1992م، على يد إرهابيين بعد مشاركته في مناظرة بعنوان “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية”، عُقدت قبل اغتياله بستة أشهر، نظَّمتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في مصر، على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب.

مناظرة “مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية”:

دولة مدنية لا دينية

لمع اسم فرج فودة المولود عام 1946م في محافظة دمياط شمال القاهرة، خلال فترة الثمانينيات، وكان فودة ممن عبَّروا صراحةً عن أفكارهم التنويرية التي أثارت غضب الإسلاميين، في مرحلة كانوا فيها منسجمين مع النظام المصري في فترة السبعينيات والثمانينيات، الذي اختار أن يهادنهم لمواجهة خصومه من اليساريين والقوميين، فكان فودة، والمجتمع المصري بأكمله، ضحية حالة الرخاء التي عاشتها الفرق الإسلامية المتطرفة في مصر ذلك الوقت، والتي ظلَّت تلقي بظلالها إلى اليوم.

اقرأ أيضًا: نكبات العقل المسلم.. من ابن رشد إلى نصر أبو زيد!

كان فودة واضحاً في مواقفه الفكرية؛ فمثلاً أعلن رفضه الدولة الدينية ومبدأ الخلافة اللذين وجد فيهما “انتقاصاً من الإسلام وليس إضافة إليه”، وبهذا الخصوص ألَّف فودة كتاب “الحقيقة الغائبة” الذي صدر عام 1984م، إلى جانب مؤلفات أخرى؛ أهمها “قبل السقوط” (1984)، و”الملعوب” (1985)، و”الطائفية إلى أين؟” (1985)، بالاشتراك مع يونان لبيب رزق وخليل عبدالكريم، و”حوار حول العلمانية” (1987).. وغيرها.

وفي “الحقيقة الغائبة” استعرض فودة أخطاء الحكم أو ما أطلق عليه “خطايا الحكم” التي وقع فيها الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون، مشيراً إلى أنها حقائق غيَّبها الإسلاميون متعمدين؛ لتسليط الضوء على الجانب المشرق فقط من الخلافة بمراحلها الثلاث.

اقرأ أيضاً: سعيد ناشيد: الإسلام السياسي يُكِن للدولة الوطنية عداءً غريزياً

بالمقابل، تبنَّى خيار الدولة المدنية، ونظامها الحديث المستند إلى الفصل بين السلطات، وسيادة الدستور والقانون، وكان يؤمن بدولةٍ تقوم على مبادئ المواطنة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

رسم لفرج فودة

بينما حذَّر من نمو التيارات الأصولية، ورأى فيها خطراً على الدول والأوطان، وفي روادها الذين يهدفون إلى تولي الحكم دون أن يستعدوا له، مكتفين بترديد الشعارات الرنانة؛ كإحياء الخلافة، وإقامة الدولة الإسلامية، وغيرهما! ما اعتبره البعض نبوءة توصل إليها فودة قبل الجميع، بالنظر إلى ما تعرَّض إليه مفهوم الدولة العربية في السنوات العشر الأخيرة بعد ما سُمي بـ”الربيع العربي”، وانبثاق تيارات مارست الإرهاب الوحشي.

كما ارتكز صاحب “الحقيقة الغائبة”، في معظم كتاباته، على مبدأ أن الحقيقة ضالة المؤمن، ولا تكون أبداً بطمس آراء الآخرين أو تسفيهها، محذراً في الوقت ذاته من خطورة الاستناد إلى اجتهاداتٍ سابقة دون مراجعة، والعمل بالنص دون إعمال العقل، وتقييم النص على أساس السند وليس المتن.

اقرأ أيضًا: في رثاء الدكتور محمد شحرور.. وَقْفَةٌ مع فِكْرِه وتنقيبٌ في أدواته

صاحب نفس طويل

تلقى فودة عدة ضربات كان من الممكن أن تفقده الأمل، إلا أنه صاحب نفس طويل؛ فلم تقتصر جهوده على الجانب النقدي والنظري أو الفكري فحسب، إنما انخرط في السياسة، كوسيلةٍ عمليةٍ لتطبيقِ أفكاره، علماً بأنه لم يدرسها، إنما درس العلوم الزراعية وحصل على رسالة دكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس.

وانضم فودة إلى حزب الوفد الجديد الذي يستلهم تجربة حزب الوفد ذي الإرث الليبرالي في مصر الملكية قبل ثورة يوليو، إلا أنه استقال بعد أن دخل الوفد في تحالف انتخابي مع مرشحي جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية عام 1984 في قرار عده فودة خيانة لـ”مبادئ الحزب”.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في المجتمع: الحياة السياسية اليومية.. والعمل الاجتماعي.. والإسلاموية فيمصر مبارك

ولم ييأس فودة، جرّاء الصدمة التي تلقاها من “الوفد”، واستكمل مشواره السياسي، بالإعلان عن تأسيس حزب جديد، إلا أن السلطات رفضت منح الحزب الترخيص، ثم خاض الانتخابات بشكلٍ مستقل في عام 1987، لكنه لم يفُز.

واستمر بالتصدي لكل التوجهات الرجعية؛ فقد أحرج مناظريه من الأصوليين، ومنهم الكاتب الإسلامي محمد عمارة، الذي افترى على فودة كذباً قوله: “قتلانا قتلى وقتلى إسرائيل شهداء”، ما فنده فودة في المناظرة، مشيراً إلى أن أخاه استشهد في حرب 67.

فرج فودة يواجه عمارة بادعاءاته

الاغتيال

لم تكن مهاجمة عمارة لفودة هي الأخطر بحق الأخير؛ بل كان أخطرها البيان الصادر عن ندوة علماء الأزهر الذي نشرته جريدة “النور” الإسلامية، في الثالث من يونيو 1992م، يفيد تكفيره، ويدعو لجنة شؤون الأحزاب إلى عدم الموافقة على إنشاء حزبه “المستقبل”، على أثر المناظرة ذاتها التي واجه فيها فودة كلاً من محمد الغزالي، ومرشد الإخوان مأمون الهضيبي، وعمارة.

صور من اغتيال فرج فودة- أرشيف

وفي الثامن من يونيو، اغتيل فودة على يد شابَّين من الجماعة الإسلامية، كانا يستقلان دراجة بخارية، أطلقا النار على فودة من أمام جمعية التنوير المصري التي أسسها، في حي مصر الجديدة؛ ما أدى إلى مقتله، وإصابة ابنه وعدد من المارة بجروح.

ابنتا فرج فودة تبكيان بعد اغتيال والدهما- أرشيف

وأظهرت التحقيقات مع أحد القتلة (عبدالشافي رمضان)، أنه نفَّذ جريمته بناءً على فتوى دينية من قيادات تنظيمَي الجماعة الإسلامية والجهاد، تحض على قتل المرتد، ولأن فودة حسبما قال القاتل: “ينشر كتباً تدعو إلى الكفر والإلحاد”، علماً بأن القاتل كان “أُمياً” ولم يقرأ تلك الكتب!

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات