الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
فاينانشيال تايمز تتساءل: هل فرنسا في طريقها إلى الجمهورية السادسة؟

كيوبوست- ترجمات
نشرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” مقالةً تساءلت فيها عن العلل المزمنة الكامنة وراء الاضطرابات التي ما تفتأ تصيب جسد الدولة الفرنسية بالسهر والحمى، وتتبدى في شكل مظاهر وأعراض تبدو من دون علاجٍ شافٍ في غياب البحث عن مكمن الداء.
المقالة تعزو الغضب المتأجج إلى وجود خللٍ عميق، يتجاوز مسألة رفع سن التقاعد التي يُركز عليها معظم المراقبين، إلى النظام الدستوري الذي يمنح الرئيس صلاحياتٍ تجعله ملكاً متوجاً لا رئيساً منتخباً، مشيرة إلى أنه ربما يكون الوقت قد حان للتفكير في تدشين الجمهورية السادسة.
إن سعي ماكرون لإقرار سن تقاعد جديد دون تصويت البرلمان يزيد من خطر أن يتبع الفرنسيون الأمريكيين والبريطانيين والإيطاليين، ويويصوتوا لرئيسٍ شعبوي، ربما الرئيسة مارين لوبان في عام 2027. لقد ارتفعت أصوات اليمين المتطرف في جولة الإعادة الرئاسية تدريجياً هذا القرن، إلى 41 في المائة العام الماضي.
اقرأ أيضًا: فرنسا.. ديمقراطية معطلة وأمة منقسمة
وتعتبر المقالة أن فرنسا لا يمكن أن تستمر هكذا، لقد حان الوقت لإنهاء الجمهورية الخامسة، برئاستها القوية -أقرب شيء في العالم المتقدم إلى ديكتاتور منتخب- وتدشين جمهورية سادسة أقل استبدادية. ومع ذلك، قد يكون ماكرون هو الشخص المناسب للقيام بذلك.

تجدر الإشارة إلى أن الدستور الفرنسي أنشأ سلطةً تنفيذية قوية، وإن لم تكن تُركِز على الرئيس. تتيح المادة رقم 49.3 للسلطة التنفيذية تجاوز البرلمان، وتمرير القوانين دون تصويت. في دستور عام 1958، كان الرئيس لا يزال شخصية متواضعة نسبياً، ولكن في عام 1962، عزّز ديجول مكانة الرئيس. وكما أوضح ديجول في وقتٍ لاحق: “إن سلطة الدولة غير القابلة للتجزئة موكلة بالكامل إلى الرئيس”.
الغضبُ الحالي بسبب تمرير سن التقاعد الجديد دون تصويت هائلٌ، لدرجة أنه قد يجد صعوبةً في تمرير أي قوانين في السنوات الأربع المقبلة، ما لم يجرؤ على اللجوء إلى القيام بذلك دون تصويتٍ مرة أخرى. وعلى الرغم من أن ثمار الجمهورية الخامسة ليست سيئة للغاية، فإن النظام نفسه قد عفا عليه الزمن، كما تقول كاثرين فيسكي، مؤسّسة مركز “كاونتربوينت” للأبحاث.

ربما تساعدنا الطبيعة الاستبدادية للدولة الفرنسية في تفسير سبب غضب الفرنسيين، على الرغم من أنهم يعيشون بشكلٍ جيد نسبيا. يمكنك وصف أعمال الجمهورية دون ذكر البرلمان غير ذي الصلة تقريباً. ففي فرنسا اليوم، توجد ثلاث سلطات: الرئاسة، والقضاء، والشارع. إذا قرر الرئيس القيام بشيء ما، فإن الشارع وحده هو الذي يمكنه إيقافه، عن طريق وقف حال الدولة من خلال الاحتجاجات والإضرابات. غير أن الشارع والرئيس نادراً ما يسعيان للتوصل إلى حل وسط. أحدهما يكسب، والآخر يخسر.
تاريخياً، تسيّطر النقابات العمالية على الشارع. ولكن مع فقدانها أهميتها أيضاً -بالكاد استشارهم ماكرون بشأن المعاشات التقاعدية- أصبح الشارع عنيفاً وغير موجّه، من السترات الصفراء التي افتقرت للقيادة إلى صناديق القمامة المحترقة اليوم.
هذه ليست طريقة لإدارة دولة. في الانتخابات الرئاسية التي جرَت العام الماضي، قام المرشح اليساري المتطرف جان لوك ميلانشون بحملته الانتخابية على وعد بتدشين “جمهورية سادسة”. أراد دستوراً جديداً يُقلّص سلطات “الرئيس الملك”.
اقرأ أيضًا: فرنسا في قبضة الغضب
لكن الشخص الأفضل للولوج بالدولة إلى “الجمهورية السادسة” هو ماكرون نفسه. إنه سياسي يرنو عالياً، حسبما تشير فيسكي. لقد حاول بالفعل سحر دونالد ترامب، وفلاديمير بوتين، وإعادة تشكيل سوق العمل الفرنسية، والدفاع الأوروبي، والاتحاد الأوروبي. وفي حين أن خططه عادة ما تتعثر، فإنه على الأقل يسعى إلى تحقيق أهداف كبيرة. الجمهورية السادسة هي فكرة على مقاس ماكرون. يمكن أن تكون إرثه، تقترح فيسكي. قد يعيد القطار الفرنسي إلى القضبان.
قوة فرنسا تكمن في أنها تستطيع تحديث نفسها، من خلال مراجعة دستورها، كما فعلت 24 مرة خلال الجمهورية الخامسة. كيف قد تبدو الجمهورية السادسة، أو على الأقل الجمهورية الخامسة المعدّلة؟

يوصي جاسبارد كونيج، المُفكّر والفيلسوف الفرنسي الليبرالي، بإلغاء ابتكار ديجول لرئيس منتخب. ومن شأن ذلك أن يُقلّص الدور، ويعزّز مكانة البرلمان. ويفضل كونيج أيضاً نقل السلطات إلى 35 ألف بلدية في فرنسا: أي إلى السلطات المحلية، خاصة أن الدراسات الاستقصائية أظهرت غير مرة أن الفرنسيين لديهم ثقة أكبر بكثير في ممثليهم المحليين، مقارنة بالممثلين الوطنيين.
لقد ترشّح كونيج لمنصب الرئيس العام الماضي على أساس برنامج ليبرالي لرئاسة مُقلّصة. وأثناء تجواله في جميع أنحاء الدولة، ضمن حملة الانتخابات، أذهله الواقع: العديد من الفرنسيين يعيشون في أماكن جميلة، بالقرب من الجبال أو الشواطئ أو مروج الأغنام. إنهم ميسورون، ويأكلون جيداً، ولديهم الوقت لتطوير شغفهم خارج العمل. قد تصبح حياتهم أفضل من دون شخص ما في باريس يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم.
المصدر: فاينانشيال تايمز