الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية
فانوس رمضان.. إرث الفاطميين الحاضر كل عام!

كيوبوست
على الرغم من تطور وسائل الإنارة، ظل الفانوس بجميع أشكاله وألوانه مظهراً رمضانياً، لا يمكن الاستغناء عنه في شهر الصيام، فنرى الأطفال يحملونه ويطوفون به الشوارع، ونراه معلَّقاً على شرفات البيوت، ومضيئاً من خلال النوافذ في ليالي الشهر.
أصبح الفانوس رمزاً رمضانياً، وبالتالي إسلامياً، على الرغم من أن اسمه ليس عربياً؛ بل آتٍ من اللغة الإغريقية، ومعناه المصباح أو الضوء، واستخدمت كلمة فانوس قديماً بمعنى “نور العالم”، ومع ذلك حجز لنفسه مكانة لا يمكن تجاهلها في مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في معظم الدول العربية، تحديداً في مصر، فكيف أصبح رمزاً من رموز شهر الصيام، وأحد أهم أشكال الزينة الخاصة به؟
احتفالاً بالخليفة
وفقاً لإحدى الروايات؛ فإن تاريخ الفانوس أقدم من رمضان، إذ ترجعه إلى الحضارة الفرعونية، عندما كان يستخدمه الفراعنة كإشارة لتنبيه الناس من فيضان النيل، في حين تفيد رواية أخرى أن علاقة جمعت الفانوس بالمسيحيين الذين أسلموا فأخذوا معهم طقوسهم الاحتفالية؛ ومنها إضاءة الشموع عند الاحتفال بالأعياد.
اقرأ أيضاً: بعد ثلاثة عقود.. “مدفع قلعة صلاح الدين” يضرب في سماء القاهرة
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن دلائل أقوى ضمن قصص بتفاصيل أكثر دقة تدل على ارتباط فانوس رمضان بالدولة الفاطمية في مصر منذ أكثر من ألف عام؛ ففي شهر رمضان من عام 969م، خرج سكان القاهرة ليلاً لاستقبال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي القادم من المغرب العربي، بعد أن بنى جوهر الصقلي مدينتهم بأمر منه، وكان بيد كل واحد شمعة، ولتجنب انطفائها وضعوا شموعهم على قاعدات خشبية وأحاطوها بقصاصات من أوراق النخيل والجلود الرقيقة؛ في محاولة لإبقائها مشتعلة، ومع وصوله أُعجب الخليفة الفاطمي بمشهد الفوانيس المضيئة ليلاً، وقرر اعتماد الفانوس كمظهر من مظاهر الاحتفال بقدوم رمضان.
روايات أخرى
تحاذي قصة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي قصصاً أخرى، ووفقاً لإحداها فإن أُسر القاهرة وأطفالها كانوا يرافقون الخليفة في رحلته عبر المدينة، مروراً بالبوابات القديمة للقاهرة وباب النصر وباب الفتوح وباب الذهب، وصولاً إلى جبل المقطم؛ لرصد هلال رمضان وإعلان بدئه، وخلال الرحلة حمل الأطفال فوانيس وغنوا محتفلين بحلول الشهر، وسنة بعد سنة أصبح الفانوس تدريجياً جزءاً لا يتجزأ من رمضان.

وتشير قصة ثالثة إلى انخراط الفانوس في المشهد الرمضاني بشكل غير مباشر؛ ففي القرن العاشر الميلادي منع الخليفة الحاكم بأمر الله، النساء من مغادرة بيوتهن ليلاً، باستثناء شهر رمضان الذي سُمح لهن خلاله بالخروج مساءً للصلاة خارج المنزل وزيارة الأقارب والجيران؛ لكن تحتم عليهن أن يرافقهن صبيٌّ يحمل فانوساً ليُعلِم الرجالَ الموجودين بأن يفسحوا الطريق لهن، فارتبط الفانوس تدريجياً بشهر الصيام.
اقرأ أيضاً: ليالي رمضانية.. طلع البدر علينا
كما تفيد رواية أخيرة أن الخليفةَ ذاته، الحاكم بأمر الله، أمر بتركيب فوانيس أمام كل محل ومنزل وجامع في القاهرة خلال رمضان، وتوعد بتغريم كل مَن يخالف الأمر. ونتيجة لذلك الحرص على الإنارة من خلال الفانوس ترسخ وجوده في الثقافة المصرية.
أغنية برفقة الفانوس
اقترن الفانوس بالأطفال؛ فقد كانوا يحملونه وهم يسيرون في الطرقات خلال رمضان، ويطلبون من الناس الحلوى والهدايا، كما ورد أنهم رافقوا المسحراتي أثناء مهمته المتمثلة في إيقاظ الناس ليتسحروا فجراً، بينما حمل الأطفال فوانيسهم، مرددين أغاني رمضان ببهجة الطفولة.

ولعل أشهر تلك الأغاني “وحوي يا وحوي”، التي لُحنت بشكلها الحالي عام 1953م، وتعود كلمات اسم الأغنية “وحوي يا وحوي إيوحا” إلى الحضارة الفرعونية؛ إذ ترادف كلمة وحوي التحية، بينما تعني كلمة “إيوحا” القمر، وبذلك فإن معناها “تحية القمر”، وكان الفراعنة يرددون تلك الأغنية احتفاءً بالقمر في الليالي القمرية، أو في رواية أخرى لتحية الملكة الفرعونية “إياح حتب”.
فانوس اليوم
كانت العوامل مجتمعة كفيلة بأن يصبح الفانوس واحداً من حلية رمضان بصورةٍ وثيقة، ومع مرور الوقت، انتقل الفانوس من مصر إلى الدول المجاورة، فقد وصل إلى دمشق وحلب والقدس وغزة، وباقي دول العالم الإسلامي.

ولأن مصر كانت مسقط رأس فانوس رمضان، فإنها بدأت بصناعته، ومع الوقت أخذ صناعه يتفننون بأشكاله وزخرفاته، وأحجامه وألوانه والمواد المصنوع منها؛ كالنحاس والزجاج والقماش، ولا تزال إلى اليوم صناعة الفوانيس مزدهرة في مصر طوال العام؛ إذ يصنع الحرفيون فوانيسهم ويعرضونها قبل بداية رمضان بفترة وجيزة، إلا أن سوق الفوانيس المصرية تواجه منافسة صينية؛ إذ تصدر الصين فوانيسها إلى العالم الإسلامي.