الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
فاغنر في السودان وليبيا… هل تنجح أمريكا في إبعاد الشبح الروسي؟
واشنطن تحاول نقل ميدان معركتها مع موسكو إلى إفريقيا لتخفيف الضغط عن كاهل كييف

كيوبوست- عبد الجليل سليمان
“أشخاص بيض يرتدون زيا عسكرياً رمادياً يمتلكون شاحنات دفع رباعي صغيرة ومدرعات وطائرات هليكوبتر”.
هكذا وصف أحد المُنقبين العشوائيين عن الذهب مفرزة من مجموعة فاغنر الروسية شرعت في مطاردتهم ومنعهم بالقوة عن التنقيب في الفاصل الحدودي بين السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، منذ وصولها الدولة الإفريقية الهشة، قبل نحو خمسة أعوام، من أجل حماية الرئيس فوستان آرشانج توادير، وتثبيت أركان حكمه.
ومنذ ذلك الوقت، انتشرت المجموعة الروسية المسلحة المملوكة لرجل الأعمال يفغيني بريغوجين؛ المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، ووطدت قدميها في حوالي 12 دولة إفريقية؛ بحسب تقارير أمنية وصحفية متطابقة، فيما لم تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الكبرى الأمر بجدية، قبل أن تستشعر واشنطن خطورته على خلفية المشاركة الفعالة لفاغنر في الحرب الروسية الأوكرانية، فترسل التحذيرات وتمارس الضغوط على حلفائها الرئيسيين في المنطقة، وتطالبهم بالتدخل والضغط على حكومتي الخرطوم وطرابلس، من أجل طرد المجموعة من بلديهما اللذين تعصف بهما الفوضى.
اقرأ أيضاً: هل يصنع “طباخ بوتين” من ثروات إفريقيا طبقاً روسياً شهياً؟
متأخرة جداً، أتت إدارة جو بايدن، فالعلاقة بين فاغنر وبعض الحكام وقادة الجيوش والميليشيات في إفريقيا أصبحت معقدة ومتشابكة ومتجذرة في بنية هذه الدول، بحيث يمكن أن يفضي إنهاؤها بالقوة إلى نشوب حروبٍ أهلية، تنتهي بتفككها إلى دويلات صغيرة هشة وفوضوية، فدول مثل، السودان، ليبيا، إفريقيا الوسطى، مالي، بوركينا فاسو، أنغولا، سيراليون، تشاد، الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، لن تصمد كثيراً أمام عاصفة الحروب الأهلية، كما أن حكوماتها أو قادة جيوشها الذين يحتمون بالمجموعة الروسية، لن يتخلوا عنها لأنهم لا يثقون في الغرب، لقد اختبروه كثيراً، هكذا تحدث مصدر من مخابرات قوات الدعم السريع السودانية (شبة الحكومية) إلى “كيوبوست”، مطالباً بإخفاء هويته.

علاقات وراثية
يتساءل المصدر نفسه، واشنطن غير معنية بإفريقيا، ولا تنتبه إليها إلا استثناء، وما جعلها تلجأ للضغط على السودان وليبيا، هي الضربات الموجعة التي وجهتها إليها فاغنر في الحرب الأوكرانية، إذن الإدارة الأمريكية ليست حريصة على إفريقيا، وإنما تريد نقل ميدان المعركة إليها لترفع الضغط عن كييف، وتجعلها تتنفس -وفقاً لتعبيره- والدليل على ذلك، يواصل المصدر حديثه إلى “كيوبوست”، هو أن واشنطن فرضت في الأشهر الأخيرة من العام المنصرم؛ عقوبات جديدة على مجموعة فاغنر بسبب توسع دورها في حرب روسيا في أوكرانيا، ولما فشلت في ذلك قررت محاصرتها وإضعافها هنا في إفريقيا.
اقرأ أيضاً: من روسيا مع الحب… حليف بوتين يستخرج الذهب من السودان
وجود فاغنر في السودان، لا علاقة له بقوات الدعم السريع، يستطرد المصدر، وإنما قديم مرتبط بالرئيس المعزول عمر البشير، الذي هرع إلى بوتين 2017، وطلب من الرئيس الروسي حمايته، قائلاً: “سيادة الرئيس إن السودان بحاجة للحماية من قبلكم من الممارسات العدائية الأمريكية”، وطلب من روسيا التعاون العسكري من أجل تحديث عتاد القوات المسلحة، خاصة البرية.

من (أم دافوق) يتدفق الذهب

بالنسبة لوجود فاغنر في السودان، فإن قلق واشنطن الذي عبّر عنه مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز لدى زيارته مصر وليبيا، يناير المنصرم، هو ما نقله مدير المخابرات المصرية عباس كامل إلى رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، يقول المحلل السياسي عمر حسنين لـ”كيوبوست”، قبل أن يردف؛ يسيطر حميدتي على حقول الذهب الكبرى في البلاد، وتساعده في ذلك مجموعة فاغنر، التي تتمركز بشكلٍ أساسي في منطقة (أُم دافوق) -غربي البلاد- على الحد مع إفريقيا الوسطى.
ومُنحت فاغنر -بحسب حسنين- حق التنقيب عن الذهب، مقابل تدريب قوات الدعم السريع على العمل الاستخباري، وإنشاء الوحدات القتالية الخاصة، لكن الثابت أن المجموعة الروسية لا تؤدي أية أدوار قتالية في السودان، وإنما تقدم تدريباتٍ عسكرية وأعمالاً استخباراتية، فضلاً على مراقبة وحماية المواقع الاستراتيجية وحماية وكبار المسؤولين، واستخراج الذهب من شمال وغرب السودان عن طريق شركة (مروي قولد) السودانية.
اقرأ أيضاً: إفريقيا الوسطى… من الهيمنة الفرنسية إلى السيطرة الروسية!
واشنطن تضغط.. وحفتر يشترط
إلى ذلك، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، استوردت شركة مروي سلعاً تبلغ قيمتها 11 مليون دولار تقريباً، بما في ذلك معدات لمعالجة الذهب، وطائرة هليكوبتر روسية الصنع، ولا أحد يعرف حدود أنشطتها، ولا كميات الذهب المستخرجة من قبلها، وليس من دليلٍ على ذلك، أقوى من تصريح وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم العام الماضي، من أن خُمس إنتاج البلاد من الذهب يمر عبر القنوات الرسمية، فيما يتم تهريب الباقي خارج البلاد.

وفيما بلغ الإنتاج الرسمي للسبائك حوالي 120 طن متري عام 2022 وتم تصدير 23.2 طن، ووفقاً لبيانات البنك المركزي، الأمر الذي أفقد الخزانة العامة نحو 4 مليارات دولار، ذهبت إلى جهات غير معلومة، في بلدٍ يعتبر الثالث إفريقياً، بعد جنوب إفريقيا وغانا في إنتاج الذهب.
وفي ليبيا، يختلف الأمر نسبياً عن السودان، فعندما التقى مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع حفتر في مجمع الرجمة بشرق ليبيا، طالبه بشكلٍ واضح بالعمل الجاد على إخراجها على وجه السرعة، فيما لم يقدم حفتر أي تعهدات، إنما طلب تأكيدات وضمانات بعدم تعرض قواته في (سرت) ومناطق أخرى في الوسط، للهجوم من قبل تركيا والميليشيات الليبية المساندة لها في غرب ليبيا، وعلى ضوء ذلك سيتخذ القرار المناسب.