الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

فاضل الربيعي يفجِّر قنابل فكرية من عيار ثقيل

في حلقة مثيرة من "الساعة الخليجية" مع إيمان الحمود

كيوبوست

استضافت الإعلامية المعروفة إيمان حمود، عبر برنامجها الثقافي “الساعة الخليجية”، الكاتب والمفكر والخبير العراقي فاضل الربيعي؛ للحديث عن “الرواية التاريخية والنص الديني في الجزيرة العربية”، وهو موضوع شائك ويثير الاقتراب منه عديدًا من المخاوف؛ خصوصًا ممن يرفضون أية مقاربة فكرية أو بحثية علمية لموضوعات دينية أو تتصل بالدين أو التاريخ الديني. يستعيد الربيعي تاريخًا من المصادمات الفكرية والتاريخية حول النصوص الدينية ومدى اتصالها قربًا أو بعدًا بالواقع التاريخي، وكيف يمكن تجاوز هذا الإشكال الذي لم يسلم منه واحد من المفكرين والمثقفين والفلاسفة العرب؛ من حكيم المعرة أبو العلاء المعري،  ومحمد عبده في تفسيره للقرآن ووقوفه على القصص الديني ورمزيته، والباحثة اليمنية أبكار السقاف، في كتابها “الدين في شبه الجزيرة العربية”.

 اقرأ أيضًا: أبكار السقّاف.. مفكرة تنويرية من شبه الجزيرة العربية

  ثم محاولة طه حسين المدوية “في الشعر الجاهلي”، ثم المفكر السعودي عبدالله القصيمي، في كتبه التي انطلقت شرارتها من كتابه “هذه هي الأغلال”، وأمين الخولي في قراءته الجمالية للقرآن، وتلميذه خلف الله. وكان الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، والسوري أدونيس، والمصري نصر أبو زيد، ممن وضعوا بصماتهم في إيقاظ العقل العربي في دائرة أضيق حول تكوين وبنية العقل العربي، ومع الجزائري أركون في كتبه حول تجديد العقل المسلم. وللباحث والمفكر السوري فراس السواح، أكثر من عشرين كتابًا تصب في هذا المنحى، وهو الباحث الذي يبدو أن الربيعي قصده -ولم يذكر اسمه- في نهاية الحلقة ممن كانوا يختلفون معه حول أروشليم.

اقرأ أيضًا: القدس هي أورشليم الكنعانية 

استهلت الحلقة بإضاءة مركزة على المشهد العراقي في التوترات الحالية.. يتحدث الربيعي عن المشروع الأمريكي منذ غزوه لتفكيك العراق إلى ثلاث دويلات؛ سُنية في الوسط، وشيعية في الجنوب، وكردية في الشمال، ويشرح أن السعي لهذا المشروع أدَّى إلى خلخلة العراق وتفكيكه وتحوله إلى كتلة ملتهبة من النار، يتصارع عليها ثلاث أو أربع قوى؛ هي العشائر القبلية، وهي كتلة غير متجانسة، والمرجعيات الدينية في جنوب العراق، والميليشيات المسلحة؛ وهي كذلك بلا تجانس وتمثل الأظافر الغليظة لأصحاب التسيير والحكم فيها، وقوى رابعة لم يسمِّها أطلق عليها “الطبقة السياسية الحالية”.

اقرأ أيضًا: هل يؤمن اليابانيون بالأديان؟ وهل للدين علاقة بالتطور؟

وتنقل الحمود دفة الحوار من العراق والسجال السياسي المعاصر إلى القضية الرئيسية ومحور النقاش في الحلقة وهي ما يمكن أن تثيره المراجعات الفكرية والتاريخية للقراءات والنصوص الدينية في ما يخص الوقائع والتاريخ القديم، وهنا يستهل الربيعي حديثه بالتأكيد أن صراع الأفكار والصراع على الذاكرة والسرديات التاريخية، بين الواقع والتخييل، هو الصراع الحقيقي وليس صراع الجيوش والأسلحة.

وهنا ستثير الحلقة جدلًا مثيرًا بعد أن أفضى المفكر العراقي ببعض أفكاره حول تحليله للمرويات الدينية في مقابل التحليلات التاريخية والبحوث التي تقوم على قراءة وفهم النقوش والنصوص القديمة المكتشفة بعد وضعها في سياق متكامل للوصول منها إلى ما يقترب من سردية أقرب إلى ما كانت عليه، وليس لما ساد وانتشر لاعتبارات دينية أو مذهبية لا تقوم على أساس تاريخي وواقعي.

 اقرأ أيضًا: ترجمات: أحدث الديانات الكبرى في العالم.. اللادينية

ضرب أمثلة كثيرة حول السرديات المتخيلة لتكريس أمر على غير الحقيقة؛ مثل ما أنشأه الأمريكان من سرديات تخدم وجودهم على أرض القارة المكتشفة على حساب سكانها الأصليين.

وما جرى في فلسطين من سرديات أخرى زائفة توظف قصص التوراة لحساب رواية عبرانية تمهد لوجود استيطاني محتل على حساب السكان أصحاب الأرض من الفلسطينيين؛ إنها دعوى تقترب كثيرًا من طرح كيث وايتلام في “اختلاق إسرائيل القديمة”.

اقرأ أيضًا: كيف ترى الأديان السماوية الثلاث سيادة الرجل على المرأة؟

يحلل الربيعي مصطلح كنعانية الفلسطينيين برده إلى سياقه التوراتي وتوظيفه، ثم يفكك الربيعي هذه السرديات بردها إلى السياق التاريخي المدعوم بالأدلة والوثائق التاريخية؛ ويصل إلى أن الاستيلاء على العقول أخطر من الاستيلاء على الأرض، وبالتالي فتجلية الاستيطان العقلي أصعب بكثير من جلاء الاستيطان الاحتلالي عن الأرض.

اليمن بين التخييل والتوثيق

كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي بعدن – أرشيف

بحوث الربيعي في هذه المنطقة حول اليمن ونشوء المسيحية في اليمن تثير جدلًا كبيرًا جدًّا؛ خصوصًا بعد أن فصل مجمل آرائه وأبحاثه في هذه القضية في كتابه “المسيح العربي.. النصرانية في الجزيرة العربية والصراع البيزنطي الفارسي”. تفتح محاورة الربيعي في “الساعة الخليجية”، باب النقاش في هذه المنطقة؛ لينطلق الربيعي في تفصيل وشرح أبعاد مقولاته التي، حسب قوله، تقوم على أدلة ووثائق وتحليلات مسحية لكل ما وصل إلينا من نقوش وحفائر وتماثيل.. إلخ.

 اقرأ أيضًا: الانتشار والتأثير.. مستقبل الأديان في العالم

يطلق الربيعي قنبلته “المسيحية ديانة عربية قديمة؛ علماء الآثار والمؤرخون الغربيون يعرفون ذلك جيدًا ولكنهم يتسترون عليها”، يفصل الربيعي أدلته بالعودة إلى الحفائر والأثريات القديمة في اليمن، وترجمة النقوش التي تسمى بنقوش الاعتراف، ونصوص تعود إلى 850 عامًا قبل الميلاد، وتماثيل ومنحوتات تتحدث أو تدور حول عبادة الآب والابن، ويستند إلى ما كان يفعله اليمنيون القدماء من عبادة الآب والابن، وهي حسب قوله جوهر المسيحية.. يخلص من كل ذلك في النهاية إلى أن المسيحية ظهرت في اليمن. ويغوص الربيعي في تفاصيل علم اللغات المقارن، ويقول إن كلمة يسوع أو يشوع في العبرية القديمة والسبئية القديمة تعني “الكاهن” المشع، أو الرجل النوراني، وكلمة يشوع تطلق على كل كاهن نوراني.

غلاف الكتاب

ويستند الربيعي في كل ما أورده في الحلقة من أفكار أو افتراضات تقوم على البحث، إلى ما صاغه في كتابه “المسيح العربي”. بعد قرابة ألفي عام من تصور قار وسائد أن المسيحية نشأت في فلسطين وانطلقت منها شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا؛ لتحوز انتشاراتها المذهبية والطائفية في أوروبا وآسيا وإفريقيا، ينقل الربيعي نقطة النشأة والانطلاق من شمال الجزيرة العربية في فلسطين إلى جنوبها الأقدم في اليمن.

ويفجر الربيعي قنابله الفكرية والبحثية قائلًا إن المسيحية ديانة عربية وجدت في الجزيرة العربية، ولَم تكن في يوم من الأيام ديانة “غربية” إنما انتشار الجدل حول طبيعة السيد المسيح هو الذي أدى إلى انقسامات ونشوء طوائف ومذاهب عدة تفرقت بها السبل بين الشرق والغرب. بحماس كبير وحديث متدفق، يشرح الربيعي حيثيات رأيه بأن المسيحية ولدت في اليمن، ثم استقرت في نجران والتي تقع في المملكة العربية السعودية، وأن هجرة العرب من نجران إلى العراق والشام هي التي أدت إلى انتشار المسيحية في هذه المناطق، ومن ثَمَّ إلى العالم كله. ويفصِّل الربيعي الدور الذي لعبته مملكة الحيرة في جنوب العراق من حيث اعتناق المسيحية النسطورية الأرثوذكسية، وكذلك الدور المحوري في عصر الصراع بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية، وأن فشل الإمبراطورية الفارسية في تبني دين عالمي ومحاولة نشره في المناطق التي كانت خاضعة لها أدَّى الى دعم المسيحية النسطورية الأرثوذكسية مقابل المسيحية التي تدين بها لإمبراطورية البيزنطية للوقوف في وجهها، بل وشن حروب عليها على أساس الاختلاف المذهبي.

 اقرأ أيضًا: الإمبراطور الياباني.. من الألوهية إلى الرمزية

يستند الربيعي في طرح تصوره المضاد للسردية الراسخة والمنتشرة في ربوع العالم كله بالاعتماد على رواة التاريخ القدامى والمحققين الحاليين والاعتماد على النقوش والرسائل التي وردت في كتب الرواة وعلى قراءة تأويلية للسرديات المقدسة ونصوص التوراة والأبحاث التي دارت حولها.

أما أخطر ما قاله الربيعي في حلقة “الساعة الخليجية”، فإنه لا توجد أدلة على قيام أبرهة الحبشي بغزو الكعبة وَفقًا لما تم تناقله تاريخيًّا، مضيفًا أن الزعم بأن أبرهة الحبشي غزا مكة لا أصل له؛ لأنه طبقًا للنقوش التي تركها أبرهة الحبشي في اليمن بما في ذلك النقوش التي تركها على سد مأرب وبقايا سد مأرب، تدل على أن الحبشي كان رجلًا مسيحيًّا، وهو يكتب نقوشه بالخط المسند اليمني على جدران وبقايا سد مأرب؛ حيث كتب: “بسم الرب المسيح أو بسم المسيح الرب”.

يقول الربيعي نصًّا: “كان (الحبشي) رجلًا مسيحيًّا ولم يكن وثنيًّا، الأمر الآخر، هو توفي عام 535 ميلادية وليس 570 كما يزعم المؤرخون القدماء، وأنه غزا الكعبة في هذا الوقت، هناك 35 سنة فرقًا، ولا توجد أية وثيقة بأن أبرهة الحبشي خرج من اليمن وقصد الجزيرة العربية؛ لأنه طوال السنوات التي كان يحكم فيها اليمن كان مشغولًا بقمع تمردات القبائل اليمنية التي احتجت عليه بسبب علاقاته مع الأحباش. ابنه يكسوم الذي ورث الحكم منه هو الذي بنى الدولة الشهيرة المسيحية التي عُرفت بدولة أكسوم أو يكسوم؛ وهي اندماج جنوب اليمن مع الحبشة في دولة مسيحية جديدة عرفت بدولة يكسوم، فلا يوجد أي دلائل لا بالنقوش ولا وثائق تاريخية ولا أخبار تاريخية موثقة أنه غزا الجزيرة العربية، ثم أخيرًا هل من المنطقي أن الله، سبحانه وتعالى، يمكن أن يرسل الحجارة ليقتل جيشًىا مسيحيًّا وينتصر للوثنيين؟ هل يمكن لعاقل أن يقبل أن الله وقف مع الوثنيين ضد المسيحيين؟”.

 اقرأ أيضًا: روسيا.. الكنيسة في خدمة الدولة

ولعل هذه الأفكار المثيرة تُعيد إلى الأذهان ما نادى به مثقفون عرب في القرنَين الأخيرَين بضرورة قبول النظر في ما يطرح من آراء وأفكار تعارض السائد والجمعي وَفق ما يقود إليه البحث المعاصر.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة