الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

فائق عبدالجليل.. الشاعر الذي اختار اسمه وقضيته

إبان الغزو العراقي رفض عبدالجليل مغادرة الكويت.. وقرر أن يقاوم على طريقة الشعراء.. فسقط أسيراً ثم شهيداً في سبيل وطنه

كيوبوست

في الشرق يحتفي الفرد باسم عائلته أو قبيلته؛ فهو غالباً ما يكسبه حصانة ضد الآخرين والمجتمع وربما القانون، ومن المستهجن أن يتخلى الإنسان عن ذلك الاسم؛ لأنه بالضرورة سيغدو وحيداً بلا درع حامٍ، لذا فإن خطوة كتلك تحتاج إلى قدر عالٍ من الشجاعة والصدق والوفاء، ومن الواضح أن تلك الشروط كلها توفرت في الشاعر الكويتي الراحل فائق عبدالجليل، الذي استبدل باسم عائلته اسم خاله عبدالجليل غالي، وفاءً له؛ لأنه احتضنه منذ طفولته بعد انفصال والدَيه، وأثَّر به فكرياً وثقافياً، فأصبح اسمه فائق عبدالجليل.

عن حياته

عبر حسابه على “تويتر”، استعرض المدوِّن السعودي ماجد الماجد، حياة الشاعر الكويتي الراحل فائق عبدالجليل، والذي ولد في 5 مايو عام 1948، وعاش مع والديه لبضع سنوات، إلى أن تم الطلاق بينهما، فاستقبله بيت خاله عبدالجليل غالي، وفيه تشرَّب الفن والثقافة.

خلال طفولته، بدأ فائق بالرسم وعبَّر عن الواقع والحياة بعيون طفل، إلى أن اكتشف الكلمة عن طريق القراءة، فقد كان قارئاً نهماً، ونمت موهبته الشعرية نتيجة قراءاته التي وصفها بالمتواضعة في تلك الفترة من حياته.

فائق عبدالجليل طفلاً

بداية جارحة

لم تكن البداية سهلة؛ فمع أول محاولة لعرض إنتاجاته الشعرية، تعرَّض عبدالجليل إلى انتقاد جارح، حين قال له حمد سعيدان، المسؤول بالإذاعة الكويتية: “انقع قصائدك هذه بالماء المالح”، في حين دفعته تلك الكلمات، للتصميم على خوض تجربته الشعرية، وبدأ بالاطلاع على أهم المدارس الشعرية عربياً وعالمياً، وقرأ لكبار الشعراء؛ مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، وناظم حكمت، وأنسي الحاج، وأدونيس، ولوركا.

يعد عبدالجليل شاعراً تجديدياً أضاف للأغنية الخليجة لمسة شعرية مختلفة، لكونه يمتلك حساً ثورياً رومانسياً في ذات الوقت، وتتسم كتاباته بالسلاسة والعفوية. فحسب الماجد، فإن عبدالجليل “خط لذاته مساراً شعرياً جديداً قلب به موازين الشعر”، مبتكراً لغة وسيطة بين الفصحى والعامية.

اقرأ أيضًا: مرايا الشعر مع سهام الشعشاع.. وَلَّادَةُ بِنْتُ المُسْتَكفِي

صدر أول ديوان شعري له بعنوان “وسمية وسنابل الطفولة” عام 1967، أخذ الديوان طابعاً تأريخياً حول الكويت القديمة، وبعدها كان صدور ديوانه الثاني “سالفة صمتي”، عام 1977، الذي أظهر فيه عبد الجليل نهجه الفكري، وتمكَّن من تحويل بعض القصائد إلى أغانٍ، بفضل علاقته الوطيدة بالملحن والمطرب الكويتي يوسف المهنا، الذي غنى بعضها؛ الأمر الذي سمح لعبدالجليل بتحقيق انتشار خليجي.

غلاف ديوانه الأول “وسيمة وسنابل الطفولة”

خلال الـ15 عاماً التالية قدّم عبدالجليل قصائد، صارت أغاني، تعتبر الأكثر انتشاراً حتى يومنا هذا؛ مثل: المعازيم، وبعاد ولا، وبنلتقي، ولو ما أحبك.

كما غنَّى أشعاره أهم مطربي الخليج؛ كمحمد عبده وطلال مداح وعبدالكريم عبد القادر.. وغيرهم، ثم قدم أوبريتات مسرحية؛ منها “بساط الفقر” الذي أنتج عام 1979، بطولة الممثل الكويتي عبدالحسين عبد الرضا، وأنجز عبدالجليل ديوانين آخرين؛ هما: “معجم الجراح” عام 1984، و”حب العصافير” عام 1985.

غزو الكويت

مع غزو القوات العراقية للكويت، رفض عبدالجليل مغادرة وطنه، وقرر أن يقاوم على طريقة الشعراء؛ لكن قبل ذلك أراد أن يطمئن على سلامة عائلته، فراح بها إلى السعودية، وتأكد أنهم وصلوا بر الأمن، ثم عاد إلى منزله في الكويت، بينما حاولت زوجته وأبناؤه الخمسة إقناعه بالمجيء إلى الرياض، وكان دوماً يعدهم بذلك، ثم يتراجع.

وخلال بقائه في الكويت، تحت الاحتلال، بدأ بكتابة أغانٍ حماسية، كما كتب بمشاركة أصدقائه قصيدة “تحت الحصار”، التي لحنها صديقه الفنان الشهيد عبدالله الراشد، والتي كانت تهدف إلى بث الروح الوطنية، وحث الشعب على الصمود ومقاومة الاحتلال، وبعد انتشار الأغنية بدأ خطر الاعتقال يداهم عبدالجليل ورفاقه.

اقرأ أيضًا: الشعر كوسيلة للتواصل وتحسين الحالة النفسية والصحية

وهذا ما حصل، فقد أسرت القوات العراقية عبدالجليل والراشد، في الثالث من يناير 1991، واقتادته إلى العراق، بينما حاولت عدة شخصيات عربية مهمة التوسط من أجل الإفراج عنه، إلا أن المحاولات فشلت، وصُنِّف عبدالجليل في تلك الفترة كأشهر أسير كويتي لدى نظام صدام حسين.

وقبل اعتقاله كان فائق قد ترك رسالة إلى زوجته قال فيها: “بقائي هنا لا يعني أنني غير محتاج إليكم؛ ولكن الكويت بأمس الحاجة إليَّ”، ما يدل على أنه اختار إضافة إلى اسمه، قضيته أيضاً، كنوع آخر من الوفاء.

مصير مجهول

مع اختفائه الذي دام أكثر من 13 عاماً، وردت مكالمات عديدة لزوجته حول مصيره؛ لكن سرعان ما كان يتضح أنها اتصالات كاذبة، إلى أن تلقت الزوجة مكالمة دولية من مجهول أكد امتلاكه معلومات خطيرة عن فائق؛ ما دفعها للاتصال بأحد ضباط الداخلية الكويتية الذي تكفَّل بمتابعة الأمر.

الشاعر فائق عبدالجليل

قابل الضابط الكويتي الشخص المجهول في دمشق، وأخبره أنه التقى عبدالجليل، عن طريق أحد أقربائه العاملين في جهاز الأمن الخاص التابع لقصي صدام حسين، وأنه بعث برسالة معه، بالتالي فإنه كان حياً وقتها.

ظهور الشخص المجهول طمأن قلوب عائلة عبدالجليل المذعورة منذ 13 عاماً، إلا أن حالة الطمأنينة تلك لم تدم طويلاً؛ فمع غزو أمريكا للعراق، لم تُسمع عنه أي أخبار جديدة سوى خبر النهاية، فقد عُثر على جثمانه عام 2006، في إحدى المقابر الجماعية للكويتيين، بالقرب من مدينة كربلاء؛ إذ أُعدم برصاصة في الرأس.

جرى نقل جثمان فائق عبدالجليل من العراق إلى الكويت، حيث دفن في 20 يونيو 2006 في مقبرة الصليبيخات، بمراسم رسمية وبحضور نائب رئيس الوزراء الكويتي، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية وكبار الشخصيات.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة